رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 21 ديسمبر، 2020 0 تعليق

من مقتضيات الأخوة الإيمانية بين الدعاة وطلبة العلم – الاجتماع على الحق ونبذ الفرقة والاختلاف

  

 

 

يتفق العقلاء من الناس على أن الاجتماع والائتلاف مطلب ضروري لا غنى عنه لأي أمة أو جماعة تريد الفلاح، وقد جاء الشرع بالتأكيد على هذا الأصل ورعايته، والحث عليه لأهميته، ولكن المواقف والأحداث تعصف بالناس أحيانًا، وتحوج إلى التذكير والتأكيد على هذه المعاني والوصية بها، لذلك كان من الضروري فهم كيفية التعامل مع الخلاف، وإدارته إذا وجد، وفق أصول شرعية صحيحة، وليس آراء أو اجتهادات خاصة لفرد أو فئة أو طائفة من الناس؛ لذلك نستعرض بعضاً من أقوال أهل العلم في هذا الشأن وحثهم على نبذ الخلاف وجمع الكلمة ووحدة الصف، ولاسيما للعاملين في مجال الدعوة إلى الله تعالى.

 

الجهل بأدب الخلاف سبب الاختلاف

     سُئل سماحة الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله- عن الخلاف الذي ينشأ بين العاملين في حقل الدعوة إلى الله، فقال: الذي أوصي به جميع إخواني من أهل العلم والدعوة إلى الله عز وجل هو تحري الأسلوب الحسن والرفق في الدعوة وفي مسائل الخلاف عند المناظرة والمذاكرة في ذلك، وألا تحمله الغيرة والحدة على أن يقول ما لا ينبغي أن يقول ما يسبب الفرقة والاختلاف والتباغض والتباعد، بل على الداعي إلى الله والمعلم والمرشد أن يتحرى الأساليب النافعة والرفق في كلمته حتى تقبل كلمته وحتى لا تتباعد القلوب عنه، كما قال الله عزوجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقال -سبحانه- لموسى وهارون لما بعثهما إلى فرعون: {فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}.

     فعلى الداعي إلى الله أن يتحرى الأساليب المفيدة النافعة، وأن يحذر الشدة والعنف؛ لأن ذلك قد يفضي إلى رد الحق وإلى شدة الخلاف والفرقة بين الإخوان، والمقصود هو بيان الحق والحرص على قبوله والاستفادة من الدعوة، وليس المقصود إظهار علمك أو إظهار أنك تدعو إلى الله، أو أنك تغار على دين الله؛ فالله يعلم السر وأخفى، وإنما المقصود أن تبلغ دعوة الله، وأن ينتفع الناس بكلمتك. فعليك بأسباب قبولها، وعليك الحذر من أسباب ردها وعدم قبولها.

إخوة متآلفون

     وهذه وصية صادقة من العلامة محمد بن صالح العثيمين -رحمه الله- حيث يقول: يجب علينا في هذه الدعوة المباركة أن نكون في دين الله إخوة متآلفين متوادّين؛ لأن الله –عز وجل– يقول: {إنما المؤمنون إخوة} والنبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «وكونوا عباد الله إخوانا»، ومقتضى هذه الأخوة ألا يعتدي بعضنا على بعض، وألا يبغي بعضنا على بعض، وأن نكون أمـّة واحدة غير متفرقة في دين الله في أهوائها وآرائها».

    وأضاف -رحمه الله- وبناءً على هذا يجب أن ننظر فيما يحدث بين الشباب، أو بالأصح بين بعض الشباب من نزاعات، هي في الحقيقة يتسع لها دين الإسلام، نزاعات في مسائل اجتهادية يسوغ فيها الاجتهاد، والنصوص تسعها وتحتملها، ولكن بعض الناس ُيريد أن يلزم عباد الله بما يرى هو أنّه الحق، وإن كان غيره مخالفًا له بمقتضى أن ما خالفه فيه هو الحق.

- أقول: يوجد في بعض الشباب الذين مـنّ الله عليهم بالهداية، وحرصوا كل الحرص على تطبيق الشريعة، يوجد فيهم شيء من التنافر على خلاف يسعهم الاختلاف فيه؛ لأنه محل اجتهاد، والنصوص تحتمل هذا وهذا، ولكن بعض الشباب ُيريد أن يكون جميع الناس تبعًا لرأيه، فإن لم يتـّبعوا رأيه فإنه يعدهم على خطأ وضلال، وهذا خلاف ما كان عليه أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم من الأئمة.

- وأقول: كل إنسان يرى أنه يجب على الناس أن يتبعـوه فإنه قد اتخذ لنفسه مقام الرسالـة، ثم نقول: هل من الإنصاف أن تجـعل فهمك حـجّة على غيرك، ولا تجـعـل فهم غيرك حـجّة عليك؟! كم من إنسان حاقد على الإسلام، عدو للإسلام، يفرح غاية الفرح أن يجد هذا التفرق في الشباب!! يفرح ويتمنى من كل قلبه أن يجد هذا الشباب الذي اتجه هذا الاتجاه الحي النابض متفرقًا، والله -عز وجل- يقول: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}، ويقول -عز وجل-: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه}.

     إنني أدعوكم -أيها الشباب- إلى الألفة وإلى الوحدة على دين الله -عز وجل- وإلى التأني في الأمور، وإلى الحكمة في الدعوة، وبهذا سُيكتب لكم النصر إن شاء الله تعالى؛ لأنكم تكونون على بـّينة من أمركم، وعلى بصيرة في دين الله. (كتاب الصحوة الإسلامية.. ضوابط وتوجيهات للشيخ محمد بن صالح العثيمين ص47-49).

القضاء على الخلاف

     وهذا شيخنا الألباني - رحمه الله- يبين طريقة القضاء على الخلاف فيقول: «الخلاف حقيقة واقعة - مع الأسف - أصولاً وفروعًا فلا يجوز تجاهلها أو الرضا بها، وإنما يجب على أهل العلم أن يحاولوا في كل قطر ومصر تقليله قدر الاستطاعة، ولا سبيل إلى ذلك إلا بشيء واحد وهو تحكيم الكتاب والسنة في كل خلاف كما هو صريح قوله تعالى:   {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.

     يجب على المشايخ والدعاة أن يقوموا بتربية الناس رجالا ونساءً، ولن يستطيعوا ذلك إلا إذا تعرفوا على السنة والسيرة النبوية الصحيحة التي تشمل: قوله -صلى الله عليه وسلم-وفعله وتقريره وما كان عليه سلفنا الصالح مما صح عنهم؛ فإن فقه العالم لا يستقيم إلا بهذا كله مستعينًا على ذلك بأقوال الأئمة المجتهدين والعلماء المحققين، وإلا حاد عن الحق وسبيل المؤمنين».

البعد عن الخلافات

      وفي هذا الشأن يؤكد الشيخ ابن جبرين – رحمه الله- على ضرورة البعد عن الخلافات التي تسبب هذه الشحناء والعداوة، وينبغي الإتيان بالأسباب التي تجلب الألفة والأخوة، وإذا وجدت هذه الخلافات، يعلم أنها خلافات في أمور فرعية لا تسبب التقاطع، ولا تسبب الشحناء ولا البغضاء، وإذا وقعت فعلينا أن نحرص على الجمع بينهم، فنأمر هذا بأن يتغاضى عن بعض ما يقوله، وهذا يتغاضى عن بعض ما يقوله، ونحرص على الجمع بين القولين، أو بين ما هو الأرجح بينهما، وبذلك تأتلف القلوب إن شاء الله، والله أعلم.

الاعتصام بالـجماعة

     ووصف الشيخ محمد الحمود النجدي -رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث- أن اعتصام أهل السُنة والجماعة بالكتاب والسنة والمحافظة على الجماعة والائتلاف من أهم أركان منهجهم المبارك، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} (آل عِمران: 103)، قال ابن جرير الطبري: «يُريد بذلك تعالى ذكره: وتمسكوا بدينِ اللهَ الذي أمركم به، وعَهْدِهِ الذي عَهِدَهُ إليكم في كتابه إليكم، مِن الألفة والاجتماع على كلمة الحق، والتسليم لأمر الله»، وروى ابن جرير الطبري بأسانيده: إلى ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال في تفسير «حبل الله» إنه: «الجماعة»، وذكر ابن جرير أقوالاً أخرى عن السلف في تفسير معنى حبل الله، منها: القرآن، والإخلاص لله وحده، والإسلام. (تفسير الطبري 4 /30، 31)، وقال الشوكاني في الآية: «أمر الله أن يجتمعوا على التمسك بدين الإسلام أو بالقرآن، ونهاهم عن التفرق الناشئ عن الاختلاف في الدين».

ضوابط اجتماع أهل السنة

ثم بين النجدي أن أهل السُنَّة حين يجتمعون ويدعون إلى الاجتماع، يضبطون ذلك بضابطين مهمين هما: أن يكون الاجتماع على كلمة الحق، وهو ما جاءت به نصوص القرآن والسنة بفهم سلف الأمة، ثانيًا: مراعاة ضوابط الخِلاف.

الاجتماع على كلمة الحق

     فأما الاجتماع على كلمة الحق، فإنه بدون هذا القيد والضابط لا يكون اجتماع أصلاً، وذلك أن الباطل وأهله في اختلاف عظيم، لا يقرون على قرار، فسبب الاجتماع إذاً هو: جمعُ الدين كله عِلمًا وعَملاً، ونتيجته الاتفاق والوحدة والقوة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «إن سبب الاجتماع والألفة جمعُ الدين والعمل به كله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما أمر به باطناً وظاهرا،ً ونتيجة الجماعة: رحمة الله ورضوانه، وسعادة الدنيا والآخرة، وبياض الوجوه». (مجموع الفتاوى 17/1).

الضابط الثاني مراعاة ضوابط الخلاف

وقد شرح النجدي هذا الضابط قائلاً: وإذا وقع خلاف بين أهل السُنَّة، فإنه يقع منضبطاً بضوابطه الشرعية، التي من أهمها: الاحتكام إلى الكتاب والسنة، بفهم سلف الأمة، ثم الحرص على الوحدة والائتلاف، وصلاح ذات البَيْن، وجمع الكلمة.

مقصد شرعي لا يمكن إهماله

     من جهته قال د.وليد الربيع -أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة جامعة الكويت- أن اجتماع المسلمين، ووحدة صفهم، واتفاق كلمتهم مقصد شرعي لا يمكن إهماله أو التغافل عنه، وألزم ما يكون ذلك إذا كانوا دعاة وطلبة علم يجمعهم منهج واحد، وهو منهج السلف الذي يؤكد على أهمية الاجتماع على الحق، ونبذ التفرق والاختلاف، وهو ما دلت عليه نصوص كثيرة منها قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، قال: ابن  مسعود  -رضي الله عنه-: «حبل الله الجماعة»، وقال تعالى: {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم}.

     ثم قال الربيع: فاختلاف الآراء أمر واقع لا شك فيه، وهو أمر مقبول في حدود الشرع، لكن الأمر الخطير هو التفرق والتباغض تبعًا لاختلاف الآراء، وهو أمر مذموم نهى عنه الشرع كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}، قال الشيخ ابن سعدي: «أي أمركم أن تقيموا جميع شرائع الدين، أصوله وفروعه، تقيمونه بأنفسكم، وتجتهدوا في إقامته على غيركم، وتتعاونوا على البر والتقوى، ولا تتعاونوا على الإثم والعدوان، {ولا تتفرقوا فيه}، أي ليحصل منكم اتفاق على أصول الدين وفروعه، واحرصوا على ألا تفرقكم المسائل، وتحزبكم أحزابًا وشيعًا، يعادي بعضكم بعضًا، مع اتفاقكم على أصل دينكم» اهـ.

الاجتماع على الحق

     والاجتماع على الحق مما يحبه الله تعالى ويرضاه؛ فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلاثًا وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلاثًا؛ فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ؛ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» رواه مسلم، قال النووي: «أمر بلزوم جماعة المسلمين، وتآلف بعضهم ببعض، وهذه إحدى قواعد الإسلام».

     فالاجتماع على الحق، ونبذ الفرقة والاختلاف من مقاصد الدين العظيمة، ومن مقتضيات الأخوة الإيمانية التي أمر الله بها،و ومدح المؤمنين عليها في قوله: {إنما المؤمنون إخوة} وقال صلى الله عليه وسلم: «وكونوا عباد الله إخوانا»، ولا تتحقق الأخوة مع التباغض والتباعد، فأنصح إخواني بمراجعة أنفسهم، والتعالي على الأمور الدنيوية الزائلة، والنظر إلى الثوابت الأخروية الباقية، قال تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}، جعلنا وإياكم من المتقين ومن الإخوة المتحابين، وبالله التوفيق.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك