رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.عادل المطيرات 5 سبتمبر، 2017 0 تعليق

من علامات قبول الحاج أن يوظف مابقي من عمره في طاعة الله


بعد رحلة الحج الممتعة يعود الحاج إلى أهله طاهرا من أدرانه، وقورا في سلوكه، إن كان قد أخلص النية لله في ذلك، والتزم هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -؛  فليحذر العودة إلى التلوث بالذنوب بعد النقاء والصفاء؛ إذ لا يسوغ لك أن تعيش ذليلا منبوذا، بعدما كنت عزيزا وقورا في حجك!

     أيها الحاج ما أحسن الحسنة تتبعها الحسنة! وما أقبح السيئة بعد الحسنة! قال بعض السلف: من علامة حب الله ورضاه عن الحاج أو المعتمر أن يواصل الطاعة بالطاعة، أي أنه يواظب على طاعة الله وتقواه، ومن علامة عدم قبول الطاعة أن تتبع بالسيئة.

لا تنقض العهد

     إنك أيها الحاج قد عاهدت ربك في طوافك بالبيت؛ حيث قلت في ذلك: «اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك، واتباعا لسنة نبيك...»، وبهذا تكون قد قطعت علي نفسك عهدا على ألا تعبد إلا الله ولا تشرك به شيئا، وتؤدي الواجبات التي أمرك الله بها، وتنتهي عن كل ما نهاك الله عنه، فحذار من النكوص بعد الاستقامة والاعتدال.

القدوة الحسنة

     أيها الحاج الكريم، ينبغي أن تعلم أن السواك وسجادة الصلاة وماء زمزم وما شابه ذلك ليست هي الأشياء المطلوبة منك عند عودتك  فحسب، بل إن المطلوب منك هو أن تكون قدوة حسنة لأهلك وإخوتك وجيرانك، قدوة حسنة في سلوكك، في شؤون حياتك كلها.

آداب العودة من السفر

ثم اعلم أيها الحاج الكريم أن للعودة من السفر آدابا كثيرة جاءت بها الأحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم -، وها أنا ذا أذكر بعضا من تلك الآداب على سبيل التذكير لا الحصر، وهي كالآتي:

التعجيل بالعودة

     من الأداب المهمة التعجيل في العودة وعدم إطالة المكوث لغير حاجة؛ لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله» متفق عليه. وقوله «نهمته» يعني حاجته من سفره.

قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: وفي الحديث كراهة التغرب عن الأهل لغير حاجة، واستحباب الرجوع ولا سيما من يخشى عليهم الضيعة بالغيبة، ولما في الإقامة في الأهل من الراحة المعينة على صلاح الدين والدنيا أ.هـ.

وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان بطريق مكة، فبلغه عن صفية بنت أبي عبيد شدة وجع فأسرع السير.. الحديث».

دعاء السفر

2- أن يقرأ دعاء السفر، ويزيد في آخره «آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون» متفق عليه.

     ويستحب للحاج إذا رجع من حجه أن يقول أثناء سفره ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض، أي مرتفع، ثلاث تكبيرات ثم يقول: «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده» رواه البخاري ومسلم.

كما يسن له إذا رأى بلدته أن يسرع بدابته أو سيارته وما أشبه ذلك؛ لما جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم -: «أنه كان إذا قدم من سفر فأبصر درجات المدينة أوضع ناقته، وإن كانت دابة حركها» رواه البخاري.

     قوله: «أوضع ناقته» يعني حثها على الإسراع في السير، ويستحب له إذا رأى بلدته من بعيد أن يقول: «آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون» ويكرر ذلك؛ لما جاء من حديث أنس بن مالك قال: «أقبلنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم - أنا وأبو طلحة، وصفية رديفته على ناقته حتى إذا كنا بظهر المدينة قال: «آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون»، فلم يزل يقول ذلك حتى قدمنا المدينة» رواه مسلم.

عدم الدخول ليلا

3- ألا يطرق أهله ليلا إذا أطال الغيبة، مخافة أن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم؛ وذلك لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم -، أنه قال: «إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا» رواه البخاري. والتقييد بطول الغيبة يشير إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ، فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما، فإن الذي يطرق أهله بعد طول الغيبة إما أن يجد أهله على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة لزوجها، فيكون ذلك سببا في النفرة بينهما، وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك بقوله في رواية أخرى متفق عليها: «كي تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة»، وإما أن يجدها على حالة غير مرضية وقد أشار النبي -صلى الله عليه وسلم - إلى ذلك فيما رواه  جابر قال: «نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم» رواه مسلم.

     والنهي في هذه الأحاديث لا يشمل من أخبر أهله بوصوله في وقت كذا، فقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم - قدم من غزوة فقال: «لا تطرقوا النساء، وأرسل من يؤذن الناس أنهم قادمون» رواه ابن خزيمة.

     ومما يسهل هذا الأمر في الوقت الحاضر هو أن المسافر يمكنه أن يخبر أهله بقدومه عن طريق وسائل الاتصال الحديثة كالهاتف والفاكس والتلكس والبرقية والرسائل الأخرى التي تسهل الاتصال في مدة وجيزة.

تلقي الوِلْدان

     يستحب إذا قدم المسافر من سفره أن يلتقي- بالولدان من أهل بيته؛ وذلك لما جاء من حديث عبدالله بن جعفر -رضي الله عنهما- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر، تلقى بنا، قال: فتلقى بي وبالحسن، أو بالحسين -رضي الله عنهما-  قال: فحمل أحدنا بين يديه والآخر خلفه حتى دخلنا المدينة» رواه مسلم.

معانقة من نستقبله

     إذا قدم المسافر إلى بلده فإنه يستحب في حق من يستقبله أن يعتنقه إذا سلم عليه؛ وذلك لما جاء من حديث أنس -رضي الله عنه - قال: «كانوا إذا تلاقوا تصافحوا وإذا قدموا من سفر تعانقوا» رواه الطبراني في الأوسط وقال المنذري والهيثمي رجاله رجال الصحيح.

الاتجاه إلى المسجد

     يستحب للقادم من السفر أن يتجه إلى المسجد قبل أن يذهب إلى بيته فيصلي فيه ركعتين؛ لما صح من حديث كعب بن مالك: «أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فركع فيه ركعتين» متفق عليه.

وهذه سنة تكاد تكون مندثرة عند كثير من الناس إلا من وفقه الله لأدائها وأعانه عليها، والله المستعان.

الهدية من المسافر

     التهادي بين المسلمين أمر مشروع، وقد جاء ذلك في أحاديث كثيرة، كما يستحب قبول الهدية والإثابة عليها، ويكره ردها لغير مانع شرعي، والهدية وسيلة من وسائل الود والتصافي، وطريقة من طرائق الإكرام والتفضل؛ ولهذا ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «تهادوا تحابوا» أخرجه البخاري في الأدب المفرد بسند حسن.

والهدية سبب في إزالة غوائل الصدور وذهاب الشحناء من نفوس الناس؛ ولهذا قيل:

هدايا الناس بعضهم لبعض                                  تولد في قلوبهم الوصالا

وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويثيب عليها. رواه البخاري.

     فإذا علمت أيها الحاج مشروعية الهدية وأنها سبب من أسباب المودة بين المسلمين، سواء كانت الهدية من شخص مسافر أم من شخص مقيم فهما على حد سواء؛ لذا فلا تنس أن تأخذ معك في عودتك ما ترضي به أهلك وأولادك وأحبابك من أنواع الهدايا ولو كانت شيئا يسيرا؛ ولذلك قيل في المثل: «إذا قدمت من سفر فأهد لأهلك ولو حجر».

     ومن المعلوم عادة أن الأهل والأولاد يرتقبون من أبيهم عادة إذا قدم من السفر أن يقدم لهم شيئا من الهدايا ولو كانت يسيرة، فقد يغضب بعضهم عليه إن لم يقدم شيئا من ذلك، لاسيما هدية الحاج، وقد ذكر أن أحد الحجاج عاد إلى أهله فلم يقدم لهم شيئا فغضب واحد منهم وأنشد شعرا فقال:

كأن الحجيج الآن لم يقربوا مني                                            ولم يحملوا منها سواكا ولا نعلا

أتونا فما جادوا بعود أراكة                                                      ولا وضعوا في كف طفل لنا نقلا

وهدايا الحجاج كانت معروفة من قديم، وكان من أشهر هداياهم ماء زمزم الذي قال فيه -صلى الله عليه وسلم -: «إنها مباركة إنها طعام طعم» رواه مسلم، وزاد الطيالسي «وشفاء سقم».

     وفي الحديث الآخر: «ماء زمزم لما شرب له» أخرجه الحاكم وابن ماجه وهو حديث حسن. وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- أن السلف كانوا يحملون معهم زمزم، وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه «كان يرسل وهو في المدينة قبل أن تفتح مكة إلي سهيل بن عمرو أن اهد إلينا من ماء زمزم ولا تترك فيبعث إليه بمزادتين» وقد أخرج البيهقي والحاكم وصححه من حديث عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - كان يحمله.

ويستحب لمن أُهدي إليه شيء أن يكافئ من أهدى إليه ولو أن يدعو له كثيرا حتى يرى أنه قد كافأه.

     وذلك لما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه» رواه أحمد وأبوداود والنسائي بسند صحيح.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك