
من أرشيـف علماء الدعوة السلفية في الكويت – الشيخ عبد الله السبت- رحمه الله (13) الانهزامية في فكر ال
الذل الذي سلط على هذه الأمة بسبب عملنا وبما كسبت أيدينا ولا يرفعه إلا الله عز وجل
العلاج لهذه الانهزامية يكون بمعرفة ديننا ومعرفة ربنا حقيقة وأن نعظمه حق تعظيمه
هذه محاضرات ألقاها الشيخ عبدالله السبت -رحمه الله- على أوقات متفرقة ومجالس متنوعـة، دارت حول إيضاح مفهـوم المنهج السلفي الصافي، وكشف عُوار الدعوات المشوهة له، أثراها بالأمثلة الحية التي تُلامس الواقع، بأسلوبٍ موجز لا حشو فيه، سهل ميسّر، بقوة حجة، واطلاعٍ تام بحال الجماعات الإسلامية المعاصرة، موجَّهٌ إلى أفهام عُموم الناس، غير مختَصٍ بنخبةٍ معينة، قام بجمعها وترتيبها الأخ بدر أنور العنجري، في كتاب (ملامح أهل الحديث) المطبوع حديثاً، ومنه استقينا مادة هذه السلسلة.
وما زال الحديث موصولا عن الانهزامية في فكر الأمة، وكنا قد ذكرنا بعضًا من مظاهر هذه الانهزامية، ومنها إزالة الفروق الفكرية بين الطوائف، ومنها أننا نفرح كثيرا جدا إذا وجدنا في نظريات الغرب ما يوافق الإسلام، ومنها أن الطوائف المنحرفة لم تعد تستحي أن تظهر نفسها ومنهجها بكل قوة.
كيف الطريق إلى الإصلاح؟
الشباب لما رأوا سقوط دولة الخلافة، وانهيار الكيان الذي كان موجودا -أو موت الرجل المريض كما قالوا- انقسم الناس من حيث الواقع من غير تخطيط ولا علاقة - إلى أقسام:
- بعضهم ركن إلى هذا الواقع، وأصبح ليس له من الإسلام إلا اسمه (محمد وأحمد)، وإلا فهو في شكله وبيئته يشبه النصارى في كل شيء، فلا صلاة ولا صيام ولا يعرف من أمور الإسلام شيئا، ويمكن للولد أن يكبر ويتزوج وما قيل له قل (لا إله إلا الله)، وهذا قطاع كبير من الناس.
- نوع ثان من الناس أرادو الإصلاح عبر المنظور الغربي، فرأوا في الأمة الغربية مثلا يحتذى بها، وحاولوا أن يستفيدوا من هذا كثيرا، وهذا كثير جدا من أبناء الحركات الإسلامية.
- وآخرون انزووا ورأوا أن الأمر أكبر من قدرتهم على الإصلاح فانعزلوا، وأحسنهم من اشتغل بالتأليف.
- وشباب ما استطاعوا تصور هذا الموقف فاتجهوا للعنف، لدمار أنفسهم وأمتهم، فأصبحت ترى في بلدان المسلمين من يتجه إلى العنف قديما وحديثا، كثير منهم عندهم إخلاص، لذلك تذكروا الخوارج الذين ناظرهم عبدالله بن عباس الله - رضي الله عنه - فقد رجع منهم العدد الكبير، لأنه لبس عليهم، وما يجري من الشباب مثل «حادثة الحرم» قديما وما يجري الآن، عندهم إخلاص ولكنهم أخطؤوا الدرب، وعندما نقول (مخلص) ليس معنى هذا أن تبرئه من الخطأ والجريمة التي وقع فيها، ولكني أريد أن تتصوروا أنه ليس كل من يفعل هذه الأمور يكون عميلا للغرب، فليس هذا بلازم، فلما رأوا أنهم لا يستطيعون أن يواجهوا هذا الواقع اتجهوا للعنف وكفروا الناس، ولا شك أن هذا لا يصلح ولا يستمر.
- وبقي أهل الحق، الفرقة الناجية يسيرون في دربهم.
ولو جئنا لنلخص هذا نقول: في الدنيا ثلاث خطوط رئيسة- إذا استثنينا العنف لأنه محدود الدائرة-:
(1) خط لا يعرف أساسه من أين بدأ، وهو خط المستنيرين ومن سار على دربهم، خط لا تعرف ماذا يريد، يطرح قضايا وشبهات ولا تعرف إلى أين سيصل؟
(2) خط الجماعات الإسلامية كالإخوان والتبليغ والتحرير، على اختلاف ما هم فيه، وهؤلاء يسيرون في دربهم ولكنهم لا يعرفون مرض الأمة، فظنوا أن مرضها يمكن علاجه بالاتفاق على المتفق عليه، ولكن أثبت التاريخ لهم ولنا ولكل عاقل، أن هذا لا يمكن.
(3) وبقي بعد ذلك أهل الحق السلفيون، فإنهم ما توقف عطاؤهم منذ أن بدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - في دعوته، يضعفون فترة ويقوون أخرى، حتى في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية تحتضر وتتكالب عليها الأمم، قام مجدد الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب في دعوته، فأقام دولة التوحيد في الجزيرة.
العلاج لهذه الانهزامية
العلاج لهذه الانهزامية يكون بما يلي:
الأول: أن نعرف ديننا وأن نعرف ربنا
- الأول: أن نعرف ديننا، وأن نعرف ربنا حقيقة، فالناس إلى الآن ما عرفوا الله -عز وجل- حق قدره.
الثاني: التمكين في الأرض يأتي من السماء
- الثاني: أن نعرف أن التمكين في الأرض مثل الرزق والأجل يأتي من السماء، احفظوا هذا، وليحفظه دعاة الانقلابات والثورات: أن الحكم لا يعطى إلا لأهله، وأما من الدنيا فيعطى لمن بذل السبب وقدر عليه، وأما حكم الله وخلافته في أرضه وشرعه فهذا لا يعطى إلا إذا وصلت الأمة إلى مرحلة التمكين: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج:41)، الأمة إذا وصلت إلى أن تكون أمة عاملة مؤمنة، عند ذلك يتحقق لها وعد الله.
ولذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر بالعلاج: «إذا تبایعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد» أمراض ومثلها ما يشبهها كثير، ركون إلى الدنيا، عند ذلك: «سلط الله عليكم، لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم»، {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} (الرعد:11).
فالناس تركوا الجهاد، وأوله الأمر بالمعروف والنهي عن النكر، وآخره القتال في سبيل الله -عزوجل-، وركنوا إلى الحياة الدنيا، وما أمروا بالمعروف، ولا طلبوا العلم، ولا اجتهدوا في دعوة، ورضوا بهذه الحياة واطمأنوا بها، فأصبح الدين ليس في حياتهم، فسلط الله عليهم الذل.
لذلك لا نحتاج زيادة تفكير، ولا إلى آراء مفكرين، ينظرون ما المخرج من الأزمة، وكيف تخرج من واقعنا، هذا كله كلام فارغ، وإنما علاجنا هذا هو الحديث، واتركوا كل الفلسفات.
إذا الذل سلط على هذه الأمة بسبب عملها، وبما كسبت أيدينا، ولا يرفع الله -عز وجل- هذا الذل عن هذه الأمة إلا إذا زال السبب، وليس زوال السبب: هو أن تلتحم الشعوب وأن تصل لمستوى من الحريات، أو أن تصل إلى شعوب غنية أو شعوب فقيرة، وإنما زوال الذل بالرجوع إلى الدين، وأن تقيمه داخل بيوتنا قبل خارجها.
لاتوجد تعليقات