رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عبد المنعم الشحات 25 مارس، 2014 0 تعليق

مقدمات تاريخية- نظرية صدام الحضارات والمشاريع المنبثقة عنها (3) المشاريع الغربية التي تهدد العالم الإسلامي عموماً والصحوة الإسلامية خصوصاً


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فقد قدمنا في المرة السابقة تمهيدا تاريخيا عن الصراع الحضاري، ونتعرض في هذه المرة باختصار لنظرية (صدام الحضارات) التي يتبناها الغرب الآن، وبيان لأهم المشاريع التي دشنها الغرب متأثرا بهذه النظرية، التي تمثِّل أهمَّ الأخطار التي تهدد العالم الإسلامي عموما «والصحوة الإسلامية خصوصا».

نظرية صدام الحضارات

     كان معظم فلاسفة التاريخ يدرسون الحضارات التي ازدهرت ثم ضعفت أو تلاشت، معدين أن هناك دورة حياة لكل حضارة تشبه حياة الإنسان؛ طفولة ثم شبابا، ثم شيخوخة، ثم موتا، لكن الفيلسوف الألماني (كانط] قد أصَّل لنظرية، هي أن الحضارة الإنسانية سلسلة واحدة، وأن كل حضارة تنتهي تسلم الراية لحضارة أفضل في تاريخ الإنسانية، ثم جاء (هيجل) وعَدَّ الحريات هي المعيار الذي يُقاس به التقدم، ورأى هيجل أن أوروبا في عصر النهضة تمثِّل قمة الرقي الإنساني عبر التاريخ من جهة أن المذهب البروتستانتي يمثل قمة التطور الديني، وأما سائر الأمور فالتفوق فيها واضح، وأصَّل (هيجل) لقاعدة، هي أن: الحضارة تتجه من الجنوب لتستقر في الشمال، ومن الواضح أن (هيجل) وصف وضع أوروبا الديني والسياسي، بل والجغرافي، وعده هو غاية الكمال الإنساني!

ثم جاء (فوكوياما) المفكر الأمريكي الياباني الأصل، وفي نشوة انتصار أمريكا في حرب الخليج 1992م ليقدِّم أطروحته عن (نهاية التاريخ)، ويعني بها توقف حركة التطور في الحضارة الإنسانية عند محطة الحضارة الغربية الأمريكية تحديدا؛ لكونها قد بلغت الكمال!

     وقد رد عليه (هنتنجتون)  في أطروحته: (صدام الحضارات)، وهو يلتقي معه في أن الحضارة الغربية (والطبيعة الأمريكية منها تحديدا) هي غاية التطور في الحضارة الإنسانية، لكنه يخالفه في مدى (سلمية) وسلامة الحفاظ على تفوقها، وقرر ضرورة أن تدافع تلك الحضارة الكاملة عن نفسها تجاه الحضارات الأخرى التي رفض أصحابها عنادا منهم -من وجهة نظره- الذوبان في هذه الحضارة، وخص بالذكر الاتحاد السوفيتي الذي قد انهار بالفعل، والعالم الإسلامي الذي كان وما يزال يشهد صحوة إسلامية مباركة.

     ومهما يقال مِن خلافات فلسفية حول هذه النظرية؛ فإن القدر المشترك بين كل هذه الأطروحات هو وجوب ذوبان جميع الحضارات في الحضارة الغربية، غير أن (فوكوياما) يرى حتمية وقدرية هذا الذوبان، بينما يؤكد (هنتنجتون) أن الحضارة الغربية هي المكلفة باتخاذ تدابير الإذابة، ومِن الطبيعي أن تستخدم النظرية الأولى لتصدير الهزيمة النفسية للآخرين, بينما يعنى الساسة عمليا بالنظرية الثانية، ويقومون بما يستطيعون من تدابير تضمن ذوبان المسلمين في حضاراتهم الغربية، وقد تمخض هذا عن مشروعات عدة جاري تطبيقها على أرض الواقع.

ومِن أبرزها:

1- تقرير مؤسسة (راند)، وما أسفر عنه من توصيات، أبرزها (دعم الإسلام الليبرالي!).

2- مشروع الشرق الأوسط الكبير.

3- مشروع (الفوضى الخلاقة).

 تقرير مؤسسة (راند) 2005م

مؤسسة (راند) هي أحد أهم المراكز البحثية التي تمد صانعي القرار الأمريكي بالرؤى الاستراتيجية، وهي تعتني بشؤون الشرق الأوسط عموما والجماعات الإسلامية خصوصا «ومِن الجدير بالذكر أن مؤسسة راند لها فرع نشط في قطر».

وتقرير مؤسسة (راند) ذائع الصيت، هو التقرير الذي صدر عام 2007م؛ إلا أن الفكرة الأصلية لهذا التقرير جاءت في تقرير 2005م بعنوان: (الإسلام المدني الديمقراطي: الشركاء - الموارد - الاستراتيجيات).

وقد قسَّم هذا التقرير المسلمين إلى أربع فئات:

1- الأصوليون: «وهم مَن يتمسكون بالتفسير النصي، ويعتقدون سمو الحضارة الإسلامية على الحضارة الغربية، ويقومون بالمواجهة المسلحة مع الغرب»، ومِن الواضح أن التقرير تعمد استعمال ألفاظ: «السلفيون - الوهابيون - تنظيم القاعدة» على أن مدلولاتها مترادفة أو متقاربة، وأنه يريد استثمار حالة الحنق الغربي على (تنظيم القاعدة)؛ لكي يوجِّه الساسة إلى درجة العداء نفسها لكل مَن انتمى إلى المدرسة النصية (السلفية) وإن لم يحمل سلاحًا!

كما يتضح الإلحاح على وصف السلفية بالوهابية رغم أن الأدق أن تقول: إن الوهابية هي حركة تجديد سلفية؛ لأن السلفية أرحب مِن حيث الفكر والتاريخ والجغرافيا، لكن يصر تقرير (راند) على حصار السلفية داخل قالب يسهل الزعم بأنه كان وليد تجربة تاريخية ولّى زمانها!.

2- القسم الثاني: (المسلمون التقليديون) مثل الطرق الصوفية، ويوصي بضرورة دعمها، لكن ليس دعما مطلقا، وإنما بمقدار ما يستطيعون إيقاف تقدم الفكر الأصولي، وبلغ الأمر بالتقرير أنه أوصى بدعم المذهب الحنفي على حساب المذهب الحنبلي على أساس أن التقرير يفترض أن جميع الأصوليين حنابلة!.

3- المسلمون الحداثيون.

4- المسلمون العلمانيون.

     والفرق بين النوعين الأخيرين يمكن استخلاصه من كلام صاحب كتاب (الأصولية في العالم العربي)، الذي تحدث فيه عما أسماه (العالمانية الانتقائية)، التي وصفت بها أنظمة دول عدة، مِن أبرزها (مصر), فالحداثيون وفق هذا التقسيم علمانيون يرفضون بعض مظاهر العلمانية التي تضعهم في حرج شديد مع مجتمعاتهم من الناحية الأخلاقية أو الدينية.

     وعموما يوصي تقرير (راند) 2005م بالدعم المطلق للعلمانيين، والدعم المحسوب لكل مِن الحداثيين والتقليديين بهذا الترتيب، وبالتصدي الشامل للأصوليين! ومِن المفيد أن ننبِّه إلى أن السعي إلى فك الارتباط الذهني بين «السلفية بوصفها فكرا» وبين «فكر القاعدة» وما يعرف بـ(السلفية الجهادية) قد يكون مفيدا في تخفيف حدة المواجهة مع الأخذ في الفكر أن القوم لا يرضيهم إلا الأخذ بالعلمانية التامة، بل ربما لا يشفع ذلك حتى تكون عالمانية على خلفية نصرانية، وحالهم مع (تركيا) خير شاهد على ذلك.

تقرير مؤسسة (راند) 2007م أصدرت مؤسسة (راند) تقريرا آخر عام 2007م تحت عنوان (بناء شبكات مسلمة معتدلة).

ويمكن تلخيص أهم ما جاء فيه بالآتي:

1- ضرورة اتباع سياسة احتواء التيار الأصولي عن طريق دعم التيار المعتدل.

2- يجب أن يكون مفهوم الاعتدال وفقا للرؤية الأمريكية، ومتعلقا على وجه الخصوص بالموقف من «الأقليات الدينية - المرأة - الحريات»، وعَدَّ الرؤية الأمريكية لكل هذه الأمور هي الإجابة النموذجية؛ ولاسيما أنها معدودة «محافظة» مقارنة بالطرح الأوروبي لهذه القضايا! وقد وضع التقرير عدة أسئلة كاختيار للاعتدال، وهي ما سنبينه في الفقرة الآتية.

 مقياس مؤسسة (راند) للاعتدال

 1- هل يتقبل الفرد أو الجماعة العنف أو يمارسه؟ وهل تقبَّله أو مارسه في الماضي؟

 2- هل تؤيد الديمقراطية؟ وهل تعرف الديمقراطية بمعناها الواسع الذي يشمل حريات الأفراد؟

3- هل تؤيد حقوق الإنسان المتفق عليها دوليا؟

4- هل لديك أي استثناء على ذلك؟

5- هل تؤمن بحق تبديل الدين؟

6- هل تؤمن بوجوب تطبيق الشريعة، لا سيما الشق الجنائي (الحدود)؟

7- هل تؤمن بوجوب تطبيق الشريعة في الشق المدني؟ وهل يمكن حينئذ السماح لمعاملات مدنية غير ملتزمة بالشريعة لمن يرغب؟

8- هل تؤمن بوجوب حصول الأقليات الدينية على نفس حقوق المسلمين؟

9- هل تؤمن بجواز تولي الأقليات الدينية المناصب العليا في الدولة؟

10- هل تؤمن بحق الأقليات الدينية في بناء دور العبادة؟

11- هل تقبل بنظام تشريعي غير مذهبي؟

فالتقرير فيما عدا هذا يتحدث عن أمور صارت واقعا ملموسا من الاعتماد على «الإعلام، وجمعيات المرأة، وجمعيات حقوق الإنسان؛ فضلا عن دعم كل مَن يبتعد عن الأصولية، على أن يزداد الدعم كلما اقترب مِن العلمانية التي يكون دعم أصحابها غير محدود؛ بِعدِّهم النموذج المراد أن يسوِّق له في نهاية المطاف!

مشروع الشرق الأوسط الكبير

وردت فكرة هذا المشروع في كتاب (بريجينسكي) أحد أبرز مستشاري الرئيس الأمريكي (جيمي كارتر) في كتاب له بعنوان: (بين جيلين).

     وخلاصة الفكرة: أن الغرب بعد أن سوَّق لنا مشروع الدولة القومية ليتمكن مِن خلالها مِن تفتيت الخلافة إلى دول قومية عدة، وكما أشرنا سابقا إلى أن الفكرة بدأت لتقسيم الخلافة العثمانية إلى دولة عربية ودولة تركية، مع إلحاق دول الشمال الأفريقي بأوروبا؛ إلا أنها سرعان ما تغيرت عبر اتفاقية (سايكس - بيكو) إلى إعادة تقسيم قبل خروجها إلى النور باستقطاع دولة إسرائيل: (سوريا ولبنان)، وكانت الجزيرة العربية خارج الحسابات الدولية بطبيعة الحال)؛ فإن الجديد في فكرة (بريجينسكي») هو تسويق فكرة (الدولة - الأمة)، أي: الدولة التي جميع شعبها ينتمي إلى عرق واحد، ودين واحد، أي استنساخ صورة دولة إسرائيل ليصبح جميع جيرانها متقاربين معها «في المساحة - عدد السكان» بعد ما يفصل لكل مجموعة تتفق في الدين والعرق دويلة أو (كانتون) على حد تعبير بريجينسكي.

وأما نقطة العسل التي يمرر بها هذا المشروع، فهي: حق إمكانية التعاون الكونفدرالي بين هذه الكانتونات، وبالطبع فإن الضغوط الدولية سوف تمنع وجود هذا الاتحاد أو اتجاهه إلى الكيانات التي تكون محققة لأهداف السياسة الغربية!

     والجدير بالذكر، أن (بريجينسكي) ما زال على قيد الحياة، وأنه صرح بتوقعه أن تسهم (ثورات الربيع العربي) في تطبيق فكرة (الكانتونات) التي روج لها في السبعينات، وصرح بأن مرحلة الاتحادات الكونفدرالية لن تأتي إلا بعد حروب حول القيادة، ربما تكون إحداها بين إيران وإسرائيل، وأخرى بين مصر والسعودية، وأن مِن ضمن الاتحادات المتوقعة اتحاد كونفدرالي بين إسرائيل وفلسطين.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك