رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: إيمان الوكيل 11 مارس، 2014 0 تعليق

مفاهيم غائبة عن حياتنا الأسرية(3) «الصــبـــر»


 
الأسرة هي المؤسسة الأولى المسؤولة عن إعداد الطفل ليكون عنصراً صالحاً فعّالاً في المجتمع، ولكن لا تخلو أي أسرة من وجود مشكلات عديدة لسبب أو لآخر وبدرجات متفاوتة، وقد تؤدي هذه المشكلات إلى تفكك الأسرة وانفراط عقدها، ولكن إذا تم تشخيص الداء.. سهل وصف الدواء؛ لذا كان لابد من التعرض لبعض المفاهيم التي غابت عن حياتنا الأسرية التي على أساسها تبنى العلاقات السوية وتستمر، ونتناول ذلك في سلسلة أسبوعية نحاول من خلالها تسليط الضوء باختصار على كل مفهوم لعله يكون طوق نجاة لكثير من الأسر التي غابت عنها هذه المفاهيم، ونتناول اليوم أحد هذه المفاهيم وهو (الصبر).

     (الصبر) هو مفتاح لجميع الأبواب المغلقة، وأول خطوات السعادة الأسرية، وأوسع عطاء للزوجين تنبسط به الحياة، ونور وضياء لهما في حياتهما يتحملان به المشاق، وتهون عليهما الصعاب فحاجتهما إليه ملحة في كل شأن من شؤونهما، فهو قوة نفسية لتخطي الآلام والأزمات والتغيرات والأخطاء التي تمر بها سفينة الحياة الزوجية، ولهذا جاء في الصحيحين عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: «ما أعطى أحد عطاء أوسع ولا خيراً من الصبر».

     ولكي ننجح في استمرارية علاقة زوجية ناجحة فعلينا أن نضيء حياتنا بالصبر؛ لأنه أهم ركيزة من ركائز بناء العلاقات الناجحة، وهو أمر مطلوب ولاسيما لو أدرك كل طرف من العلاقة أن شريكه يختلف عنه كثيراً، فالصبر أهم خطوة في حل النزاع وبقاء الودّ ومقاومة الفشل ولاسيما في بداية الزواج فهذه أكثر فترة في الحياة الزوجية تحتاج إلى صبر من الزوجين حتى تمر بسلام؛ فإنهما يكونان غير متفاهمين بالدرجة الكافية، ويحاولان التأقلم على العيش معاً رغم اختلاف الطباع والصفات.

الصبر في القرآن والسنة:

     أوصى الله المؤمنين بالصبر في سبيل المحافظة على الكيان الواحد في آيات كثيرة قال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46)

     امرأة خلدها التاريخ في صبرها مع زوجها عليه السلام، وهي (ليا) زوجة أيوب عليه السلام، فقد كان عليه السلام أحد أغنياء الأنبياء، كانت (ليا) قد آمنت مع أيوب وبدعوته، فكان عليه السلام برا تقيا رحيما، يحسن إلى المساكين، ويكفل الأيتام والأرامل، وكان شاكرا لأنعم الله عليه، مؤديا لحق الله عز وجل، ورزقه الله البنين والبنات ما تقر به عينه ولا يحزن، وأوسع عليه وعلى زوجته من الرزق شيئا مباركا، وفضلهما على كثير من خلقه، إلا أنهما خضعا لامتحان رباني فيما آتاهما الله، قال الحسن رحمه الله: ضُرب أيوب بالبلاء ثم البلاء بعد البلاء بذهاب الأهل والمال، وصبر أيوب عليه السلام وصبرت زوجته صبرا جميلا، إلا أن أيوب قد ابتلي في جسده، ومسه الضُر وطال بلاؤه ومرضه أياما وأعواما، وهو في ذلك كله صابرٌ محتسب، ذاكر الله في ليله ونهاره وفي كل وقت، طال مرضه عليه السلام حتى كاد ينقطع عنه الناس، ولم يبق أحدٌ يحنو عليه سوى زوجته، فقد كانت ترعى له حقه، وتعرف قديم إحسانه إليها عندما كان في بحبوحة من العيش، وبسطة من الصحة والجسم، ولهذا وصفها ابن كثير رحمه الله بقوله: الصابرة، والمحتسبة، المكابدة، الصديقة، البارة، والراشدة، رضي الله عنها فقد أشفقت على زوجها عليه السلام إشفاقا شديدا ورثت لحاله، فلما رأت أن زوجها طال عليه البلاء، ولم يزدد إلا شكرا وتسليما قال تعالى:{إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا ۚ نِعْمَ الْعَبْدُ ۖ إِنَّهُ أَوَّابٌ} (ص:44)، عندئذ تقدمت منه وقالت له فيما رواه ابن عباس رضي الله عنه: يا أيوب، إنك رجل مجاب الدعوة، فادع الله أن يشفيك قال تعالى: {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ (40) وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} (ص:41-44)، يقول ابن عباس: لم يكرمه الله هو فقط بل أكرم زوجته أيضا التي صبرت معه أثناء هذا الابتلاء.

فحينما نقرأ مثل هذه المعاني الجميلة نحن معشر النساء، علينا أن نتأمل حالنا، ونتفقد كيف نكون مع أزواجنا حال الصحة، وحال الابتلاء هل نصبر؟ أم لا؟.

أثر الصبر في استقرار الأسرة وسعادتها:

     لا تستقيم الأسرة المسلمة إلا بالصبر بدءاً بأقرب من يعاشرك وهي الزوجة وانتهاءً بأبعد الناس عنك، وقد قال الله تعالى مبيناً ما ينبغي أن يتحلى به الزوج من صبر في مواجهة مشاكل الزوجية قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (النساء: 19)، وكذلك ازرعه بجسد أبنائك ليصبروا على التعلم والمعلم، وهذا ما حدثنا عنه في القرآن عندما ذهب موسى إلى الخضر ليعلمه مما علمه الله، قال له الخضر إما لأن الله أخبره بالحقيقة أو تهييجاً على الصبر قال تعالى: {قالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا (67) وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلى ما لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } (الكهف: 67- 68)، فتعهد موسى بالصبر قال: {قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} (الكهف: 69) لتدوم سعادتكما تعلما الصبر في حياتكما؛ فالسعادة والبشرى للصابرين، اصبرا على مرضكما، على نقص أموالكما، اصبرا على طبائعكما المختلفة، اصبرا على تربية أولادكما، فيا أيها الزوجان احذرا من الشكوى من حالكما، وارفعا أمركما إلى بارئكما فهو الذي بيده مفاتيح الفرج قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (آل عمران: 200) فهنيئا للصابرين، هل تعلموا أن السكوت وقت الغضب والصبر والحلم أنهى كثيراً من المشكلات وأطفأ نيراناً كان من الممكن أن تحرق بيت الزوجية ولاسيما عند تدخل الأهل في كل صغيرة وكبيرة، وليس المعنى أن الأهل عامل مساعد للمشكلات، ولكن فقط أعط نفسك الوقت الكافي للتفكير، وتذكر الحب والتضحيات، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : «إذا غضب أحدكم فليصمت»، أعط نفسك الفرصة والصبر على تخطي الأمواج؛ فالأسرة الواحدة مثل السفينة في البحر تنجو بتعاون الجميع من الغرق، وتؤدي الزوجة والأم في بيتها دوراَ أساسياَ ومهماَ يتمثل في قدرتها على نشر السعادة بالصبر وامتصاص ثورات غضب الجميع بدءاَ من نزوات أبنائها وانتهاء بمزاج زوجها المتعب من عمله.

     فلا نقلل من قيمة الصبر، قال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}(البقرة: 153)، معهم بالتوفيق والبركة والمعونة على شأنهم معونة حسية ونفسية وذلك لا ينال إلا بالصبر، فالسعادة موجودة حولنا على الدوام لكن لا بد من تحويل أفكارنا إلى اتجاه إيجابي في خلق السعادة، فلا يستطيع الشعور بها إلا من يستعد لها؛ لذا يجب على الإنسان تعلم كيفية استقبال إشارات السعادة وتعزيز الشعور بها، بأن يقول لنفسه مثلا: الآن لحظة سعادة جيدة تستحق الاستمتاع بها، فعلى الإنسان الاستمتاع بكل ما يوجد حوله من مؤثرات إيجابية ليوفر لنفسه السعادة، وليحاول الوصول إليها من خلال توفير المزيد من المسوغات لنشر السعادة والتركيز عليها والوصول إليها، فالمصائب والشدائد أمور مع الصبر تكون مؤقتة في الحياة.. كثير من الزوجات لا يشعرن بسعادة في حياتهن الزوجية؛ بسبب نظرتهن السلبية إلى أزواجهن، فهن لا ينظرن إلا في أوجه النقص والقصور، وقد تكون الجوانب الإيجابية في أزواجهن أكثر بكثير من الجوانب السلبية، إلا أن عدم الصبر والنظرة السوداوية للأمور قد تخطت كل فعل جميل، فعند الصبر وتحمل نقاط الضعف وتناسيها ومقابلتها الإساءة بالإحسان له تأثير بالغ في زوجهاً، ولربما كان سبباً في تبدل أسلوبه معها، واستبدال تلك الصفات السلبية بأخرى إيجابية محمودة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك