رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: المحرر الشرعي 27 مارس، 2023 0 تعليق

مختارات من كتاب: (الآن ياعمر) – تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم  وتوقيره وتعزيزه

 

إعداد: نادي النخبة لحفظ وفقه القرآن والسنة

 

هذه سلسلة مقالات منتقاة من بحث مبارك، خرج بتعاون مثمر بين مجموعة من الأخوات أعضاء حملة: (الآن يا عمر)، التي انطلقت بهدف التعاون على نصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيفية الرد على المسيئين له، وقد أتت فكرة هذا البحث بأن يجمع طريقة النصرة النبوية بطريقة مكتوبة مختصرة شاملة، وبعبارة ميسرة وبأنشطة محفزة، حتى أضحى دليلًا لكل مسلم فيما لا يسعه جهله من السيرة النبوية، ومما يجب عليه عقيدة تجاه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فالكتاب يحمل دعوة لتقديم محبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على كل محبة والسعي في التعرف على سيرته ونصرته وتعظيمه، واليوم نتكلم عن تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتوقيره وتعزيزه.

     وحتى يحقق العبد النصرة النبوية في نفسه، يلزمه تحقيق اليقين والمحبة والاعتزاز والغيرة، وغيرها من مشاعر النصرة النبوية التي تدفع سلوكه وجوارحه للعمل والاتباع والاقتداء بنبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم -، وفيما يلي بيان هذه الجوانب.

1- العلم والمعرفة التامة بأن الله قد تكفل بنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم

     إننا على يقين بأن الله -تعالى- ناصر لنبيه وخاذل لأعدائه كما قال -تعالى-: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} (الحجر:95). وهذا وعد من الله لرسوله، ألا يضره المستهزئون، وأن يكفيه الله إياهم بما شاء من أنواع العقوبة، وقد فعل -تعالى- فإنه ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة.

     ويـــــدل على ذلك قـــوله -تعالى- : {مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (الحج:15) قال ابن عباس -رضي الله عنهما- في تفسير هذه الآية: «من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب أي بحبل إلى سماء بيته ثم ليختنق به»، والمعنى: من كان يظن أن الله ليس بناصر محمدا ودينه وكتابه فليذهب فليقتل نفسه إن كان ذلك غائظه، فإن الله ناصره لا محالة، والاستفهام هنا بمعنى النفي وأنه لا يقدر على شفاء غيظه بما يجعله من الأسباب، قال -تعالى-: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51)، أي إننا لننصر رسلنا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد.

     وقال السعدي -رحمه الله-: ومعنى هذه الآية الكريمة: يا أيها المعادي للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -، الساعي في إطفاء دينه، الذي يظن بجهله، أن سعيه سيفيده شيئا، اعلم أنك مهما فعلت من الأسباب، وسعيت في كيد الرسول، فإن ذلك لا يذهب غيظك، ولا يشفي كمدك، فليس لك قدرة في ذلك، ولكن سنشير عليك برأي، تتمكن به من شفاء غيظك، ومن قطع النصر عن الرسول -إن كان ممكنا- ائت الأمر مع بابه، وارتق إليه بأسبابه، اعمد إلى حبل من ليف أو غيره، ثم علقه في السماء، ثم اصعد به حتى تصل إلى الأبواب التي ينزل منها النصر، فسدها وأغلقها واقطعها، فبهذه الحال تشفي غيظك، فهذا هو الرأي: والمكيدة، وأما ما سوى هذه الحال فلا يخطر ببالك أنك تشفي بها غيظك، ولو ساعدك من ساعدك من الخلق. وهذه الآية الكريمة، فيها من الوعد والبشارة بنصر الله لدينه ولرسوله وعباده المؤمنين ما لا يخفى، ومن تأييس الكافرين، الذين يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره، ولو كره الكافرون.

2- استحضار عظيم لفضله وإحسانه - صلى الله عليه وسلم - وحرصه على أمته وصحابته

     قد فاقت شفقته ورحمته على أمته كل تصور، بأبي وأمي يا رسول الله، كان يتضرع بالدعاء إلى الله لأمته، ويدعو لهم بكل صلاة، كان حريصًا أشد الحرص لهدايتهم، وإن شفقته على أمته كانت سبب بكائه - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحديث أَنه النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم -: تَلَا قَوْلَ اللهِ -تعالى- فِي إِبْرَاهِيمَ: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي} (إبراهيم:36) الْآيَةَ، وَقَالَ عِيسَى -عليه السلام-: {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (المائدة:118) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى، فَقَالَ اللهُ -تعالى-: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، وَرَبُّكَ أَعْلَمُ، فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ -عليه السلام-، فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ، فَقَالَ اللهُ: « يَا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ، وَلَا نَسُوءُكَ».

3- التعرف على جميل صفاته الخَلقية والخُلقية

     جاء في حديث علي - رضي الله عنه - في وصفه - صلى الله عليه وسلم - أنه: «أَجْوَدُ النَّاسِ صَدْرًا، وَأَصْدَقُ النَّاسِ لَهْجَةً، وَأَلْيَنُهُمْ عَرِيكَةً، وَأَكْرَمُهُمْ عِشْرَةً. مَنْ رَآهُ بَدِيهَةً هَابَهُ، وَمَنْ خَالَطَهُ مَعْرِفَةً أَحَبَّهُ يَقُولُ نَاعِتُهُ : لَمْ أَرَ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ مِثْلَهُ، - صلى الله عليه وسلم ».

4- استحضار أن متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - عبادة جليلة وأن طاعته - صلى الله عليه وسلم - طاعة الله -تعالى

      قال -تعالى-: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} (المائدة:92)، أي أن طاعة الله وطاعة رسوله واحدة، فمن أطاع الله، فقد أطاع الرسول، ومن أطاع الرسول فقد أطاع الله، وذلك شامل للقيام بما أمر الله به ورسوله من الأعمال، والأقوال الظاهرة والباطنة، الواجبة والمستحبة، المتعلقة بحقوق الله وحقوق خلقه، والانتهاء عما نهى الله ورسوله عنه كذلك، وهذا الأمر أعم الأوامر، فإنه كما ترى يدخل فيه كل أمر ونهي، ظاهر وباطن، وقوله: {وَاحْذَرُوا} أي: من معصية الله ومعصية رسوله، فإن في ذلك الشر والخسران المبين. {فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ} عما أمرتم به ونهيتم عنه. {فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ} وقد أدى ذلك. فإن اهتديتم فلأنفسكم، وإن أسأتم فعليها، والله هو الذي يحاسبكم، والرسول قد أدى ما عليه وما حمل به.

5- الاعتزاز بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وبدعوته

     وهي العِزَّة الحقيقيَّة، التي يكون صاحبها عزيزًا ولو كان ضعيفًا مَظْلومًا، شامخًا ولو كان طريدًا مُستضَامًا، فتجده يعتـز بكونه فردًا من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ينتسب إليه إذا انتسبت الأمم، ويفاخر به إذا ذكر القادة والمصلحون العظماء، يرجو شفاعته، ويتمنَّى لقائه، ويسأل الله أن يوفِّقه للسِّير على نهجه وإحياء سنَّته، والقيام بحقوقه، قال -تعالى-: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} (آل عمران:164).

6- اليقين بحفظ الله لسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - من الزيادة والنقص والتبديل

     فقد سخر الله لخدمة السنة النبوية علماء أجلاء جهابذة يحفظونها من تحريفَ الغالينَ، وانتحالَ المبطلينَ، وتأويلَ الجاهلينَ على مرّ العصور المختلفة، فبينوا صحيحها من سقيمها، وجمعوها في السنن والمسانيد، على أدق الأصول والقواعد والضوابط، كالإمام مالك والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم وأصحاب السنن الأربعة وغيرهم، فحفظوا أقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعماله وتقريراته، وهذه من الخصائص التي انفردت بها هذه الأمة المحمدية عن غيرها من سابق الأمم.

7- التسليم التام والتحاكم لشرعه - صلى الله عليه وسلم

      وهذا هو شأن المؤمن والمؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً لا يمكن لهما الحيدة عما أمر الله به ورسوله، ومعلوم أن كمال الإيمان لا يتحقق في العبد إلا إذا أعلن كمال الاستسلام لما جاء به الوحي قال -سبحانه-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء:65).

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك