قناديل على الدرب- الجماعات الإسلامية- حزب التحرير (2)
فرق حزب التحرير بين العقيدة والشريعة بالاعتماد على الظن، فأجاز بناء الأحكام الشرعية على الظن، بينما حرم بناء الاعتقاد على الظن، فزعموا أن هناك فرقا بين الأحكام الشرعية والعقائد من حيث الدليل، فالأحكام الشرعية يجوز أن يكون دليلها ظنيًا، ويجوز أن يكون قطعيًا، بخلاف العقيدة التي يجب أن يكون دليلها قطعيًا، فالعقائد لا تؤخذ إلا عن يقين، فما كان دليله مقطوعًا به يجب أن يعتقد به ومنكره يكفر، وما كان دليله ظنيًا يحرم على المسلم أن يعتقده.
وكانت حجتهم في ذلك بأن كون الشيء عقيدة، يعني: أن يكون مقطوعًا به، فتعريف العقيدة عندهم تعني: «التصديق الجازم المطابق للواقع عن دليل» (الدوسية صـ3-4) فالشيء حتى يكون عقيدة لابد أن يكون تصديقًا جازمًا؛ فالتصديق فقط دون جزم لا يكون عقيدة، فالعقيدة تعني: الجزم.
فضلا عن أن الله -سبحانه وتعالى- قد ذم في القرآن اتباع الظن في العقائد في آيات كثيرة في سور عدة، منها قوله تعالى: {وَمَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}(النجم: 28).
والرد عليهم بأن دلائلهم أسست على عقيدة القوم ومضمونها: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص؛ لذلك فالعقيدة عندهم: تصديق جازم قاطع لا يقبل زيادة ولا نقصًا، لذلك لم يعدوا أصل التصديق عقيدة. بل الأصل في الأمر أن الإيمان يزيد وينقص ويختلف من فرد لآخر، قال تعالى: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (التوبة:124). وقال تعالى: {وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا}(الأنفال:2).
فالآيات كثيرة في هذا الباب وهذه عقيدة أهل السلف الصالح؛ حيث قالوا صراحة: إن الإيمان يزيد وينقص.
وقد نبه على هذا الشيخ أحمد شاكر –رحمه الله– فقال: «ودع عنك تفريق المتكلمين في اصطلاحهم بين العلم والظن، فإنما يريدون بهما معنى آخر غير ما نريد ومنه زعْم الزاعمين: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص إنكارًا لما يشعر به كل واحد من الناس من اليقين بالشيء ثم ازداد هذا اليقين، قال تعالى: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}(البقرة:260)، وإنما الهدى هدى الله» (الباعث الحثيث صـ37).
كذلك العقيدة لا تعني التصديق بل تعني الإيمان، وفرق شاسع بين الكلمتين. وأما استدلالهم بآيات الظن فلا يصح هذا الاستدلال؛ لأن الله سبحانه و-تعالى- أنكر اتباع الظن إنكارًا مطلقًا، ولم يقيده بالعقيدة دون الأحكام، فهذه الآيات تشمل العقائد والأحكام معًا.
لاتوجد تعليقات