قناديل على الدرب – ادعاءات الثوار الجدد
يدعي كثير من الثوار أن ثوراتهم ومظاهراتهم جزء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونوع من النصح والمراقبة؛ وذلك حتى يؤلبوا الناس، ويجمعوا حولهم الشتات باسم الدين الذي يضعف معه كثير من عوام الناس؛ لأنهم متدينون بطبعهم. الغريب في الأمر أن هذا الادعاء ليس وليد اللحظة، بل له أصول قديمة، قال ابن كثير في (البداية والنهاية) في أحداث سنة 42 هـ: «وفي هذه السنة تحركت الخوارج الذين كانوا قد عفا عنهم علي يوم النهروان، ثم بدؤوا بالهجوم على ديار المسلمين مثل الكوفة والبصرة وغيرها من بلدان المسلمين؛ بدعوى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصرة الدين فيقتلون الأنفس المعصومة، ويسلبون الأموال، ويروعون المسلمين، ويفسدون في الأرض».
لا أحد يختلف على أن كل ولاة المسلمين بلا استثناء معرضون للوقوع في الأخطاء، فهم بشر يصيبون أحيانا، وأحيانًا أخرى يخطئون، فلا تصبر النفوس على ذلك الخطأ ولا على ظلمهم للناس، ولكن لا يمكن للناس دفع ظلم الحاكم إلا بما هو أعظم فسادًا منه، فأصحاب المظالم لا ينظرون إلى الصالح العالم بل ينظرون إلى صالحهم فقط، ولا يتصور أحدهم حجم الفساد العام الذي يتولد عن فعلهم. فيتصيد أعداء الإسلام هذا الأمر ويدّعون أنهم بردّهم لولي الأمر أو الحاكم فهم بذلك يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فتنتشر الدعوات للخروج في مسيرات، فتتحول المسيرات إلى مظاهرات ومن ثم إلى ثورات، وفي ظل الثورات يتحول المجتمع إلى مجتمع جاهلية، والجاهلية ليس فيها معرفة الحق ولا قصده، فيختلط الحابل بالنابل، وتضيع الحقوق، وتنتشر الفوضى وعدم الاستقرار. لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : «فاصبروا حتى تلقوني على الحوض؛ فإنه ستصيبكم أثرة بعدي» (رواه البخاري). وخوفًا على الأمة الإسلامية من خطر الثورات والمظاهرات وما ينتج عنها من فتن تموج كموج البحر؛ فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم المسلمين بأن يصبروا على الحكام، وأن يطيعوهم ولا ينازعوهم الأمر؛ حيث قال صلى الله عليه وسلم : «على المرء المسلم السمع والطاعة في يسره وعسره ومنشطه ومكرهه وأثرة عليه» (رواه مسلم).
والله الموفق والمستعان.
لاتوجد تعليقات