
قل مع الكون: لا إله إلا الله (1)
طلب مِنَّي أثناء وجودي في (مكة المكرمة) الشيخ: عبد الرحمن السُديسي أن أجمع مادة علمية تتحدث عن بعض أسماء الله وصفاته بطريقة ميسرة على المسلمين وسهلة القراءة والفهم، فاستعنت بالله تعالى وبدأت في تجميع المادة، وكان أكثر ما لفت انتباهي فيما أكرمني الله به من أدلة هو عبودية الكائنات لله سبحانه وحبها له وطاعتها لأمره، ومن المثير أيضًا أنك تجدها تفقه في أحكام الإيمان وتغار على الله وتوالي وتعادي من أجله سبحانه وبعضها يدعو إلى الله والإيمان به، قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } (الإسراء: 44)، فالكون كله يعرف الله، يحبه ويخشاه، يعبده ويوحده، يسبحه ويقدسه، وسميتها: «قل مع الكون: لا إله إلا الله».
تمهيد في تاريخ الشرك والتوحيد
إن الله سبحانه قد خلق العباد جميعًا مسلمين موحِّدين لله سبحانه، ولكن الشياطين جاءتهم فبدلت لهم دينهم، وأفسدت إيمانهم. قال تعالى في الحديث القدسي: «خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا»(1).
فكلما وقع الناس في نوع من الشرك بعث الله إليهم أنبياءه بما يناسبه من أنواع التوحيد.
فمنهم من كفر بالرب الخالق؛ كثمود وفرعون... فبعث الله الأنبياء ليعرفوهم بربهم وخالقهم كما قال موسى لفرعون: {وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}(النازعات: 19).
ومنهم من كفر من باب أسماء الله وصفاته؛ كاليهود والنصارى، الذين قالوا: «إن الله ثالث ثلاثة»، وإن «له زوجة وولدا» سبحانه وتعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4)} (الإخلاص: 1-4).
والأكثرية منهم لو عرفوا الله بأنه الرب وعرفوا بعض أسمائه وصفاته فقد وقعوا في الشرك من جهة عبادة الله واتخاذه إلهًا، كما قال تعالى: {وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون} (يوسف: 106)، فبعث الله الأنبياء جميعًا وآخرهم وخاتمهم النبي محمد صلى الله عليه وسلم ليدعوا إلى عبادة الله وحده ونبذ عبادة غيره والتبرأ منها واتخاذه إلهًا واحدًا معبودًا لا شريك له. قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36).
فلما كان زمننا هذا فيه فتن آخر الزمان؛ فقد ظهرت فيه أنواع الشرك كلها في أنواعه الثلاثة، بل وظهرت فيه عبادة الشيطان، «وحسبنا الله ونعم الوكيل»، وانتشر الجهل وقُلِّبت الأمور، كما أخبر بذلك المعصوم ^ قال: «فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنا، ويمسي كافرًا ويمسي مؤمنا ويصبح كافرًا، يبيع أقوامٌ دينهم بعرض من الدنيا»(2).
ولا نجاة منها إلا بالعلم الصحيح والعمل الصالح، كما جاء في رواية عند ابن ماجه: «ستكون فتنٌ يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسى كافرًا إلا من أحياه الله بالعلم».
نسأل الله تعالى أن يقينا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
قيد الله؟ وما أسماؤه وصفاته؟
ما هو ظنك بالله سبحانه؟
- هل تظن أن الله بهذا الجمال والجلال والعظمة والكبرياء؟
- ما ظنك بربٍّ رحمته وسعت كل شيء؟
- ما ظنك بربٍّ يتودد إلى خلقه وهو غني عنهم؟
- ما ظنك بربٍّ رحمته سبقت غضبه وإحسانه سبق عقابه؟
- ما ظنك بربٍّ غفر لرجل قتل مائة فتاب عليه وأدخله الجنة؟
- ما ظنك بربٍّ غفر لامرأة من البغايا؛ لأنها سقت كلبًا؟
- ما ظنك بربٍّ غفر لرجلٍ نزع عود شجرة من طريق الناس؟
- ما ظنك بربٍّ أدخل امرأة الجنة بتمرة أطعمتها بنتها؟
- ما ظنك بربٍّ يجزيك بالحسنة عشر أمثالها ثم إلى سبعمائة ضعف؟
- ما ظنك بربٍّ يفرح بتوبتك ويضحك من أجل طاعتك ويجيب دعوتك ويفرج كربتك؟
- ما ظنك بربٍّ يتنزل إلى السماء الدنيا فيناديك ليغفر لك، ويتوب عليك، ويحقق آمالك وذلك كل ليلة.
- ما ظنك بربٍّ يستحيي «نعم والله يستحيي من خلفه»؟ وإله يستحيي من عبيده؟
- ما ظنك بربٍّ «جميل- طيب- حليم- رفيق- عفو- كريم- غفور- رحيم...» (سبحانه وتعالى) و (جلَّ جلاله).
أجمل ما في الحياة معرفة الله بأسمائه وصفاته
قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأعراف: 180).
قال ابن القيم- رحمه الله-: «عجبت لمن عرف الله ولم يحبه، وعجبت لمن عرف مقدار الربح في معاملته ثم لم يعبده، وعجبت لمن عرف مقدار الخسارة في البعد عنه ثم هو يعصبه».
أعظم أسباب دخول الجنة هو إحصاء أسمائه والإيمان والعمل بها. قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إن لله تسعة وتسعين اسمًا مائة إلا واحدًا من أحصاها دخل الجنة»(3).
- أعظم ما يُعبد الله به معرفته بأسمائه وصفاته.
قال أبو القاسم التيمي: قال بعض العلماء: أول فرض فرضه الله على خلقه معرفته فإذا عرفه الناس عبدوه(4).
وقال البخاري - رحمه الله-: العلم قبل القول والعمل. قال تعالى {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} (محمد: 19).
- أعظم آية في القرآن تتحدث عن أسماء الله وصفاته:
وهي (آية الكرسي) تلك الآية المباركة تحتوي على عشرة مقاطع تتحدث كلها عن أسماء الله الحسنى وصفاته العلا.
عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: «أتدري أيَّ آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال: قلت: { اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} (البقرة: 255) قال: فضرب في صدري وقال: «والله ليهنك العلم أبا المنذر»(5).
الهوامش:
1- رواه مسلم (5019).
2- رواه الترمذي.
3- رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه.
4- «النهج الأسمى» للنجدي.
5- رواه مسلم.
لاتوجد تعليقات