
علماء اليمن بين نشر السنة ومواجهة الرفض
الشيخ عبد الله بن غالب الحميري (*)
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
السنة فطرة الله
فلقد وصف الله تعالى أهل اليمن وبلدتهم بأنها بلدة طيبة، فقال سبحانه: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15)، كما أخبر تعالى أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، فقال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} (الأعراف:58)، ومعلوم أن هذا الوصف يقتضي الاستمرار والديمومة والبقاء عبر الزمان، ويقتضي اتساع المكان واستيعابه.
وهذا يقتضي أن اليمن بلد سنة، وهو كذلك منذ بزوغ فجر الإسلام، وإن قطعت بعض محافظاته في بعض حقب التاريخ عن انتسابها إلى السنة، لكن السنة لم تخل من هذه المحافظات، ولو كان على جهة الأقلية أحياناً، لكن ثلاثة أرباع أهل اليمن على السنة، ويتسع فيها أهل السنة ليشمل ذلك المحافظات الجنوبية بلا استثناء، ويشمل ذلك المحافظات الشمالية إلا القليل منها.
وكما هو معروف أن السنة ليست مذهباً من المذاهب، وإنما هي امتداد طبيعي للإسلام، والسنة هي الإسلام التي تمثل نقاءه وصفاءه وجوهره؛ ولهذا فأهل السنة في اليمن -والحمد لله- كُثر، وهم الأغلبية المطلقة، وهذا الكلام ليس فيه مبالغة بل هو الحقيقة التي يجب أن نعلمها جميعاً، لكنهم يحتاجون إلى اجتماع كلمتهم، وتوحد صفوفهم، ومعرفة الخطر المحدق بهم من المذاهب الأخرى الهدامة كالرافضة والباطنية وغيرهم.
ومعلوم أنه دخل اليمن طائفتان، هما: الزيدية والباطنية، وانقرضت الباطنية انقراضاً شبه كلي من اليمن إلا بلداناً صغيرة بقي فيها هذا المذهب، وتوجد فيها أقلية لا تكاد تذكر محصورة منكمشة منقبضة على نفسها، أما الزيدية فبحكم غلبة دولة الأئمة الذين حكموا اليمن, فقد بقي لهم شأن ووجود، خصوصاً في بعض محافظات الشمال العليا، فالزيدية الذين نقصدهم في اليمن هم أقرب فرق الشيعة إلى السنة، وكان بينهم وبين أهل السنة تعايش وتوافق إلى حد كبير، ولم يعرفوا ما يعرف بالحروب الطائفية ومحاولة استئصال الآخر، وبعد حدوث الثورة التي مر عليها ثمان وأربعون سنة انتشرت السنة انتشاراً كبيراً بحكم توحد المنهج الدراسي، وبحكم السماح لها.
والسنة لأنها الفطرة، ولأنها الدين الصافي النقي إذا فسح لها المجال قبلها الناس، وانقادوا لها، وأحبوها، أما بالنسبة لغيرها من المذاهب فهي تحتاج إلى مقومات أخرى: تحتاج إلى قوة، تحتاج إلى مادة، تحتاج إلى إغراءات. كما هو الحال في مذهب التشيع، أما السنة فهي فطرة الله يقبلها كل إنسان الصغير والكبير، والشيخ والطفل، {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (الروم:30).
دور العلماء البارز في نشر العقيدة الصحيحة
أما عن دور العلماء والدعاة في نشر الإسلام والعقيدة الصحيحة في اليمن، فالعلماء لهم دور بارز في نشر هذه العقيدة الصحيحة الصافية، وخصوصاً من بعد حصول الثورة في اليمن، وانتشار وتوحد المناهج الدراسية، والسماح للدعاة بالانتشار في بلاد الزيدية، فانتشرت السنة في صعدة، وهي موطن الهادي يحيى بن الحسين الرسي، وانتشرت في محافظة صنعاء، وانتشرت في محافظة ذمار التي كانت تسمى بكرسي الزيدية، وانتشرت في بقية المحافظات الأخرى كحجة والمحويت وغيرها من المحافظات التي كان للزيدية فيها تواجد كبير.
انتشرت السنة بحكم قبول الفطرة لها، ولأنها تعتمد على الدليل الصافي النقي، ولأنها بعيدة عن الخرافة كل البعد.. بل هي ضد لها، انتشرت السنة وكان للعلماء في ذلك دور بارز، وخصوصاً من خريجي الجامعات الإسلامية الذين كانوا في المدينة النبوية وغيرها، والذين كانوا في معهد دار الحديث في مكة، وكذلك العلماء الذين كانوا في اليمن كان لهم دور بارز، وخصوصاً الذين تتلمذوا على كتب الإمام الشوكاني، وكتب الإمام الصنعاني، وكتب محمد بن الوزير، وغيرهم من علماء اليمن المشهورين، هذه المدرسة كان لها ولطلابها دور بارز في نشر العقيدة الصحيحة السلفية النقية، والخرافة بحكم وجود الرفض في اليمن الأعلى، والتصوف في اليمن الأسفل كانت موجودة ومعشعشة، وبحكم غلبة الجهل، وبحكم قلة العلماء أيضاً كان للخرافة وجود كبير، فعندما جاءت السنة، وجاءت الدعوة الصحيحة -بحمد الله تعالى- تبددت تلك الخرافات وانقرضت، ولم يبق بلد إلا وعمته السنة؛ لأن الخرافة والبدعة والجهل كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وإذا جاء نور الله وجاء الحق زهق الباطل، واتضح لكل ذي عينين.
والعلماء لهم دور بارز في توضيح هذه العقيدة من خلال إنشاء المراكز والمواقع في الشبكة العنكبوتية، وإنشاء مراكز متخصصة لنشر كتب السنة، ونشر الكتب التي تفضح الرفض، من خلال المناظرات، ومن خلال المنشورات، ومن خلال المقابلات، ومن خلال الندوات، ومن خلال الزيارات، فلهم دور بارز -والحمد لله على ذلك- ونرجو أن تكون الجهود أكثر تكثيفاً مما هي عليه.
مصادمة مذهب الرفض للفطر السوية ولدين الإسلام
مذهب الرافضة لا تتقبله الفطر السليمة، وهذا المذهب لا يعشعش ولا يفرخ ولا يجد له مكاناً ووجوداً إلا في بيئة جاهلة تسودها الخرافة والجهل، ليس فيها نور العلم؛ ولذلك نلحظ أنه لم يتغلغل إلا في البلدان الأعجمية، الذين هم أبعد الناس معرفة عن لسان العرب، ولغة العرب، وفهم العرب، وصفاء عقلية العرب؛ فعشعشت فيهم خرافة الرافضة.
وهذا المذهب الذي يقوم على التشكيك في كتاب الله المعصوم، ويقوم كذلك على الطعن في نقلة هذا الكتاب العظيم، وهم الصحابة الذين هم عدول الأمة، والذين هم تربية النبي صلى الله عليه وسلم، والذين هم يمثلون جوهر الإسلام النقي، ومدرسة النبي صلى الله عليه وسلم الصافية النقية، والذين يطعنون في أمهات المؤمنين،.
فاليمن ليس بلداً صالحاً لهذه البذرة، كما سبق أن ذكرنا أن الله سبحانه وتعالى وصف اليمن بأنه: {بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15)، وقال: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً} (الأعراف:58).
وقد وجد من يعتنق مذهب الرفض في اليمن، وهؤلاء دُخل عليهم أولاً من قَبيل أو طريق التشيع الموجود في اليمن، وهو الذي يمثل المذهب الزيدي، فبحكم هذا التوافق أو التقارب في المسمى، وبحكم النسب الهاشمي، وكذلك بحكم بيئة الخرافة والجهل اللذين يوجد فيهما السحر، وتعشعش الخرافة، اعتنق البعض مذهب الرافضة، والبعض أيضاً من قبيل الإغراء.. أغروا بالمادة ممن جعلهم يبعثون بأبنائهم وفلذات أكبادهم إلى المدارس الرافضية في قُم والعراق وغيرهما، فجاءوا وقد خصبت فيهم هذه الفكرة فبدأوا ينشرون الرفض، ولكن -والحمد لله- تصدى لهم أهل الحق من علماء السنة، وطلاب العلم، فلم يعد هناك بلد ليس فيه أهل السنة، صحيح أن البلد الذي كان فيه المذهب الزيدي معشعشاً هو أكثر الضحايا أمام الرافضة، ولكن مع ذلك يوجد من عقلاء الزيدية وعلمائهم من حذروا من هذا الفكر، وتصدوا له بقوة كما تصدى له أهل السنة، ووجد البعض نفسه ضحية لهذا المذهب بحكم الإغراء، بحكم البعثات، بحكم المادة، بحكم الإشاعة والدعاية التي يمتلكها هؤلاء الروافض، ولكنها تتبخر -إن شاء الله عز وجل- مع مرور الأيام وانتشار الحق وزهوق الباطل.
واجب العلماء في مواجهة الرفض
العلماء في اليمن الحقيقة -كما سبق أن ذكرت- لهم دور بارز في الدفاع عن ثوابت أهل السنة من خلال إنشاء المراكز الشرعية، وإنشاء المواقع الإلكترونية، والندوات التي أقاموها، والكتب التي نشروها، والمطويات، والزيارات.. إلى غير ذلك، ولو وجد في اليمن إعلام حر وقنوات حرة تهتم بهذا الأمر لكان الخير أكثر وأعم، ولكن نحن محاصرون في اليمن بإعلام رسمي يمسي ويصبح وهو يسبح بحمد السلطة والثناء عليها، وإعلام آخر ضعيف ولكنه متحيز لطائفة أخرى أو لتحزب آخر لا اهتمام له بهذا الباب، ولذلك لو وجد لأهل اليمن قناة، ولو وجد لهم منبر حر واسع لتصدوا من خلاله لكل فتنة توجد في اليمن، سواء كانت فتنة طائفية مذهبية، أو كانت غير ذلك من الفتن، لكن أهل السنة الحقيقة أنهم محاصرون من خلال القنوات والمنابر لا يستطيعون أن يتحدثوا إلا في نطاق محصور، وهذا يحتم عليهم أن يسعوا لإيجاد قناة، وأن يسعوا لتكثيف المواقع الإلكترونية، وإيجاد مراكز بحثية قوية وكبيرة، وتكتل كبير وقوي، وأن يسعوا كذلك لتوحيد الصفوف في الشمال والجنوب، في الشرق والغرب، من أجل أن يكون لهم كيان قوي يمثلهم، ويتحدث باسمهم، ويبين حقائق هذه المذاهب الوافدة التي ليس لها جذور، وليس لها أصول، وليس لها قبول في المجتمع اليمني.
نسأل الله تعالى أن يجمع الكلمة، ويوحد الصف، ويؤلف بين القلوب، ونسأله تعالى أن يعلي راية الحق وأهله، وأن يدحض راية الباطل وحزبه، وأن يجعلنا من عباده المخلصين، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر.
(*) من علماء اليمن المتخصصين في الفرق الباطنية والروافض
لاتوجد تعليقات