
ضربة قاصمة للنفوذ الصفوي بغرب أفريقيا-جامبيا تقطع صلاتها بإيران وأفريقيا تنتفض ضد المد الطائفي
فجّر قيام السلطات النيجرية بتوقيف سفينة شحن إيرانية محملة بالسلاح أوراقًا توضح أن وجهتها جامبيا مزيدًا من التساؤلات حول تنامي النفوذ الإيراني والخطر الصفوي في مناطق الغرب الأفريقي الذي يعد مركزًا تقليديًا للإسلام ويتميز بأغلبية مسلمة تدين بالإسلام وفق مذهب أهل السنة والجماعة.
ورغم تعدد الاجتهادات حول هوية ووجهة السفينة الإيرانية فإن السلطات النيجيرية لم تقتنع بالحجج التي ساقتها نظيرتها الإيرانية حول توجه السفينة إلى جامبيا تنفيذًا لاتفاق كانت شركة سلاح إيرانية قد أبرمته مع الحكومة الجامبية لتوريد شحنة سلاح كبيرة، بل قدمت أبوجا شكوى إلى مجلس الأمن باعتبار أن إيران وفقًا للعقوبات الأممية محظور عليها تصدير سلاح للخارج.
وقد ترددت أنباء متضاربة عن وجهة السلاح الإيراني ولاسيما أن حكومة جامبيا بقيادة الرئيس يحيى جامع وبعد أن تلقت تقارير موثقة من الحكومة النيجيرية قد قامت بقطع جميع علاقاتها مع إيران وإلغاء كافة المشاريع المرتبطة معها وحظر دخول السفير الإيراني في داكار للأرضي الجامبية باعتباره رئيس قسم رعاية المصالحة في العاصمة بانجول.
وترجح سرعة وقوة القرار الجامبي الرواية التي تؤكد أن السفينة الإيرانية كانت موجهة لأطراف مناوئة للرئيس يحيى جامع، وأن جهات استخباراتية أجنبية قدمت تقارير إلى جامع تفيد بتورط إيران في دعم محاولات لإسقاط النظام الجامبي، ولاسيما أن الأخير قد أعلن منذ فترة قصيرة حملة شعواء على عرابي نشر الفكر الصفوي في صفوف سكان البلاد ذات الأغلبية السنية الكاسحة، وقام بإغلاق عدد من الحسينيات بالعاصمة بانجول تحمل أسماء أهل البيت وشباب أهل البيت مما أغضب بشدة السلطات الإيرانية.
وكانت جماعة علماء الإسلام الجامبية قد شنت حملة مكثفة خلال الفترة الأخيرة على مؤسسات نشر الفكر الصفوي بعد أن أمدها طالب جامبي يدرس في الجامعة الإسلامية بالسعودية وحسب ما رددت أنباء متطابقة بكتاب يفضح نية إساءة الصفويين للصحابة وأمهات المؤمنين وحظر هذا الأمر على عقيدة أهل السنة والجماعة بعنوان: «مغني العقلاء في معرفة حقيقة شاتم الصحابة الفضلاء» بل كثفت من ضغوطها على الرئيس الجامبي للتصدي للنفوذ الإيراني المتنامي في بلاده.
حملة مكثفة
وكان عرابو الفكر الصفوي قد دشنوا حملة مكثفة خلال الفترة الأخيرة لإيجاد موطئ قدم قوي لهم في جامبيا ودول عديدة في غرب أفريقيا لدرجة أن تقريرًا لا نعلم مدى مصداقيته أكد أن أعداد من تبنوا الفكر الطائفي في هذه المنطقة الاستراتيجية من العالم قد تجاوز سبعة ملايين شخص حيث استخدمت السياسة الإيرانية وسائل عديدة لتفعيل وجودها منها توثيق صلاتها مع الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان عبر ضخ استثمارات اقتصادية وبناء مصانع، فضلا عن وجود جمعيات خيرية وإغاثية إيرانية تعمل في هذه البلدان وتقدم الدعم لمواطنيها مستغلة الأوضاع الاقتصادية الصعبة وسيطرة الفساد والبيروقراطية على مؤسسات هذه البلاد وانهيار البنية التحتية.
تجاهل عربي
وتعد ولاية كادونا النيجيرية من أكثر مراكز الفكر الطائفي في غرب أفريقيا؛ حيث بلغت أعداد من اعتنقوا هذا الفكر حوالي 50 ألف شخص أغلبيتهم كانوا يدينون بمذهب أهل السنة والجماعة، غير أن التجاهل العربي والإسلامي وغياب المنظمات الخيرية الإسلامية السنية عن هذه البلدان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، واشتعال ما يطلق عليه الحرب على الإرهاب، كل ذلك قد أسهم في تفريغ الساحة لهذه المنظمات لتعيث فسادًا في هذه المنطقة.
واستغلت إيران تعرض عدد من دول هذه المنطقة لموجة الاضطرابات السياسية والانقلابات العسكرية لتثبت أقدامها عبر تقديم الدعم الفني واللوجيستي للأنظمة الحاكمة هناك، فضلا عن قيام الحرس الثوري الإيراني بتدريب الحرس الرئاسي وتأهيل قوات الأمن وتقديم منح دراسية لعشرات من أبناء هذه الدول لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإيرانية وفي مختلف التخصصات سعيًا لتكرار سيناريو الرئيس القمري أحمد عبد الله سامبي في جزر القمر في هذه البلدان والعمل على تصعيد العناصر المقربة من طهران لسدة الحكم في بلدان الغرب الأفريقي.
تمويل مشروعات
وكانت لإيران تجربة سابقة داخل السنغال البلد الذي يشكل المسلمون فيه حوالي 95% من سكانه، حيث كثفت من اتصالاتها بالحكومات السنغالية المتعاقبة والتي توجت بزيارات قام بها الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وخلفه أحمدي نجاد، حيث مولت إيران عددا من المشروعات وضخت استثمارات في عدد من المجالات وأهمها مصنع لإنتاج سيارات الركاب ومد شبكات سكك حديدية، بل قدمت دعمًا ماليًا كبيرًا لحكومة الرئيس عبد الله واد قبل استضافة العاصمة داكار لمؤتمر قمة منظمة المؤتمر الإسلامي وهو ما جعل الحكومة السنغالية تغض الطرف عن تمدد النفوذ الطائفي وإنشاء معابد عديدة في العاصمة داكار ومدينة ريجنشور باسم (حوزة الرسول الأعظم) بشكل جعل السنغال تتحول إلى قاعدة لنشر الفكر الصفوي في غرب أفريقيا، بل إن تقارير صادرة من معهد دار الحكومة في طهران أكدت أن 5% من الشعب السنغالي قد تحول لاعتناق الفكر الطائفي خلال السنوات الأخيرة.
مراكز تعليمية
وما يحدث في جامبيا ونيجيريا والسنغال ليس بعيدًا عن دول أخرى وفي مقدمتها غينيا؛ حيث استغلت طهران العزلة التي عاناها نظام الكابتن موسى كمار السابق في غينيا، فمدت طهران يديها له وقدمت له دعمًا سياسيًا واقتصاديًا وأبرمت معه اتفاقيات اقتصادية ودعمت عددا من المشروعات ومنها بناء مستشفيات ومراكز تعليمية في العاصمة كوناكري وأمدت هذه المراكز بكتيبات تدعو وتبشر بالنهج الطائفي، ناهيك عن مراكز اجتماعية تقدم دعمًا للفقراء والمعوزين مقابل غض النظام الطرف عن محاولات نشر المذهب الطائفي في بلد يتمتع بأغلبية مسلمة سنية كاسحة.
ولعل خطورة التحركات الإيرانية في منطقة الغرب الأفريقي تتمثل في خلو الساحة لها وعدم وجود منافس قوي في هذه المنطقة إلا النفوذ الإسرائيلي الذي عكسته الجولات المتتالية التي يقوم بها المسؤولون الإسرائيليون لمختلف بلدان الغرب الأفريقي ناهيك عن وجود آلاف الخبراء الصهاينة الذين يعملون في مواقع أمنية حساسة جدًا في هذه الدول، وهو ما يشير إلى أن مسلمي الغرب الأفريقي قد وقعوا بين المطرقة الإيرانية والسندان الإسرائيلي دون أن يتوافر لهم بديل قوي قادر على حثهم على عدم التعاطي الإيجابي مع جهود البلدين لتوسيع دائرة نفوذهما في المنطقة مما يشكل خطورة شديدة على هوية بلدان هذه المنطقة التي تعد تقليديًا محطة للدين الإسلامي ولعدد من الدول العربية والإسلامية ولكن الواقع يشير إلى أن النفوذ الإسلامي في المنطقة قد تقلص بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة ولاسيما من قبل دول مثل المملكة المغربية والجزائر وعدد من دول الخليج حيث تراجع الدعم المقدم من هذه الدول لبلدان الغرب الأفريقي مما أفسح المجال لكل من الصهاينة في فلسطين المحتلة وإيران للسيطرة على دول المنطقة.
صمت عربي
ومما يزيد من خطورة الموقف أن تنامي النفوذ الصهيوني الإيراني يواجه بصمت عربي تام فلم يستحث هذا النفوذ واحدة من الدول العربية على العودة لهذه المنطقة الإستراتيجية، حيث ما زال عدد من الدول وبضغوط من واشنطن يقف دون عودة الجمعيات الخيرية الإسلامية لهذه المنطقة بكثافة كما كان قبل أحداث الحادي عشر من سبتمبر ولم يتجاوز عدد المنظمات الخيرية الإسلامية في المنطقة إلا القليل جدا، غير أن كل جهود هذه الجمعيات رغم أهميتها لا تقارن بالنفوذ المتنامي للصهاينة والصفويين.
ولعل قضية قطع العلاقات بين جامبيا وإيران قد تحرك وتشحذ همم عدد من الدول العربية للعودة لمنطقة الغرب الأفريقي واستعادة النفوذ التقليدي للإسلام في منطقة غدت تاريخيًا مركزا لنشر الإسلام في وسط وجنوب القارة السمراء.
ابتلاع الإسلام
ويوافق على هذه الرؤية د. السيد فليفل العميد السابق لمعهد الدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، الذي وجه انتقادات شديدة لاكتفاء الدول العربية بالتحذير من خطورة التمدد الإيراني في هذه الدول وعدم نزول الساحة لمواجهة هذا النفوذ.
وتابع: انفراد إيران بالغرب الأفريقي يهدد بابتلاع الإسلام السني تدريجياً من هذه البلدان، مطالبًا المؤسسات الإسلامية كرابطة العالم الإسلامي والأزهر بالعودة إلى ابتعاث مدرسين وفتح فروع له في هذه البلدان لمواجهة الحوزات الطائفية المنتشرة في هذه البلدان.
ويلفت فليفل إلى أن كل من إسرائيل وطهران تتقاسمان النفوذ في هذه البلدان وتراقبان الأوضاع السياسية في هذه المنطقة وترسلان خبراء لبحث احتياجات هذه الدول مما يساعدها على اكتساب رضا أنظمة وشعوب هذه البلدان في وقت يغط العالم العربي في سبات عميق.
وتساءل فليفل عن حجم الوجود العربي والإسلامي بهذه المنطقة وعن حجم الزيارات التي قام بها القادة والمسؤولون العرب لدول الغرب الأفريقي بالمقارنة بنظيراتها في إسرائيل وإيران، معتبرًا أن استمرار هذه الأوضاع على حالها يهدد بعواقب وخيمة.
وشارك الدكتور فليفل مخاوفه الدكتور مصطفى الشكعة عضو مجمع البحوث الإسلامية في مصر؛ حيث طالب بضرورة البناء على خطوة قطع العلاقات بين جامبيا وإيران باعتبار أن هذه علامة على رفض الأغلبية الساحقة من شعوب الغرب الأفريقي لتنامي الوجود الصفوي في منطقة سنية بالفطرة.
ونبه الشكعة إلى أن هناك مخاوف شديدة على الهوية السنية لبلدان هذه المنطقة في ظل غياب مراكز دينية إسلامية سنية في هذه البلدان وتراجع أعداد المعاهد الأزهرية في هذه المنطقة في السنوات الأخيرة مما يهدد باقتلاع جذور الإسلام السني.
ولم يستبعد الشكعة وجود تحالف ثلاثي (إيراني ـ صهيوني ـ فرانكوفوني) للقضاء على الهوية السنية لبلدان المنطقة باعتبار أن الهوية الإسلامية قد لعبت الدور الأهم في التصدي للمد الفرانكوفوني.
وشدد الشكعة على ضرورة التوسع في تقديم منح تعليمية لأبناء هذه المنطقة لاستكمال دراساتهم في الجامعات الإسلامية باعتبار أن الأوضاع الاقتصادية السنية قد توفر فرصة لإيران لاجتذاب أبناء هذه البلدان ما داموا يعانون برودًا عربيًا وإسلاميًا عن الاهتمام بهم.
لاتوجد تعليقات