
شرح كتاب فضل الإسلام للشيخ محمد بن عبدالوهاب (24) فطرة الإسلا م
مازال حديثنا موصولاً في باب فطرة الإسلام وشرح الشيخ لقول الله تعالى:{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} حيث ركز الشيخ على أن الإنسان خلقه الله تعالى على الفطرة السليمة وأن هذه الفطرة هي الإسلام والتوحيد والإيمان بالله تعالى.
فتنة عمياء
ثم قال حذيفة - رضي الله عنه -: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم، فتنة عمياء، أي متغلغلة لا يردها راد لقوتها وصعوبتها، لا يرى الإنسان فيها الحق. والفتن إذا حدثت يصعب الخلاص منها؛ لذلك تُدفع قبل أن تحدث. ثم أكمل النبي -[-: «ودعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها»، وهؤلاء شر محض؛ فهم لا يقتصرون على فساد أنفسهم، إنما يُفسدون الآخرين، كما قال -تعالى-: {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ}، هم ينظرون إلى كل طريق يوصل إلى النار فيفتحونه للناس والعياذ بالله، سواء في العقيدة أم الأخلاق أم الشريعة، فهو لا يحب الخير لك أبدا، إلا أنه يتظاهر أنه من أهل الخير، فهؤلاء يجب الحذر منهم، والانحياز إلى أهل العلم المتمسكين بالكتاب والسنة.
دعاة على أبواب جهنم
وهذا النوع (دعاة على أبواب جهنم) يشمل كل إنسان دعا إلى ضلالة أو بدعة أو فتنة، كهؤلاء الذين دعوا للخروج على الأئمة، ألم يورد الناس المهلكة؟ بلى أوردهم الهلاك، هؤلاء الدعاة ينقسمون إلى قسمين:
- القسم الأول: قسم التبس عليه الأمر وجعل من نفسه داعية، يظن أنه يدعو إلى الخير وهو يدعو إلى الباطل، وجريرته أنه لم يتثبت قبل أن يتكلم؛ لذلك عُدّ من دعاة جهنم.
- أما القسم الثاني: فهو يعرف أنه على باطل ومعاند ويدعو إلى باطله.
هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا
ثم قال حذيفة: صفهم لنا يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا»، وهذه هي خطورتهم، أنهم منا وفينا، فلو كان أجنبيا كنا نعرفه ونعرف خطره، وهنا فائدة، وهي أن المسلم يكون حَذِرا، ولا يغتر ويتأثر بكل متكلم؛ فكثير من الناس إذا كان في أمر من أمور دنياه، مريضا يريد أن يتطبب، يختار أفضل طبيب، ويستشير أحسن مستشار، وهذا جيد، لكن لماذا إذا أتيت في الدين تسأل أي إنسان؟! هنا يجب الحذر، فلا يُسأل إلا أهل الخير الذين على الكتاب والسنة بفهم السلف.
تلزم جماعة المسلمين وإمامهم
قال حذيفة: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، كأن النبي - صلى الله عليه وسلم - هنا عدّ الوقت الذي يظهر فيه أئمة يُنابذون ولاة الأمور ويُناصبونهم العداء، عدّهم من الدعاة الذين على أبواب جهنم؛ لذلك قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. أي تلزمهم بالسمع والطاعة في المعروف، وإن كان على معصية ما لم تر كفرا بواحا؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا في هذه الحال كما أمر حذيفة بلزوم الجماعة، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يد الله على الجماعة ومن شذّ، شذّ في النار»؛ فمن يترك ولي أمره بحجة أنه على معصية أو كذا هذا شذّ في النار، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من خالف الجماعة فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه». ويقول - صلى الله عليه وسلم -: «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله وسنتي».
الجماعة التي نلزمها
والجماعة التي نلزمها في مثل هذه الأحوال لابد لها من أمرين:
- الأمر الأول: المنهج الحق، كتاب الله وسنة النبي على فهم السلف.
- الأمر الثاني: إمام، يحوطهم بالخير والرعاية، ويقوم على شأنهم، ويحميهم، ويجمع كلمتهم.
فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟
ثم سأل حذيفة النبي - صلى الله عليه وسلم -: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ وهذا نوع من أنواع المجتمعات الممزقة، ليس لهم إمام، قبائل متناحرة، وأحزاب متناحرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: «أن تعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»، بعض الناس يفهم أنه لو في مجتمع هادئ فيه خلافات وجماعات أنه يعتزلها كلها، لا تتسرع وابحث عن الحق وأهله في مجتمعك، هذه الصورة تنطبق على المجتمع الذي فيه أجندات خاصة كلها على باطل، في هذه الحال أعتزلها كلها، ولو حاربوني أو جوعوني أعض على أصل شجرة، هذا معنى كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا فيه تهيئة للنفس على الصبر، وهذا فقه يجب أن يُتنبه له.
وهذا الحديث منهج لطالب العلم، كيف يتعلم الحق؟ وتضلع فيه حذيفة من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - بمثل هذه الأسئلة، كالذي يشرب بماء زمزم يتضلع منه لأنه خير.
أعظم فتنة يتعرض لها الناس
وقال الشيخ -رحمه الله تعالى-: وزاد أبو داود –أي في حديث حذيفة السابق- قال حذيفة يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام-: ثم ماذا؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: يخرج الدجال معه نهر ونار، فمن وقع في ناره وجب أجره وحُطّ وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحُطّ أجره، قال، قلت: ثم ماذا؟ قال: ثم هي قيام الساعة. أخرجه أبو داود وأحمد، هذا الحديث يبين جانبا من الفتن، بل أعظم فتنة يتعرض لها الناس، وهي المسيح الدجال؛ حيث إن خروجه من علامات الساعة الكبرى، وسُمّي بالمسيح لسرعة سيره في الأرض؛ لأن الله –تعالى- يهيئ له الأسباب فيمكنه السير بسرعة عظيمة فتنة وابتلاء للناس، وقيل أيضا لأنه أعور العين، وسُمي بالدجال لكثرة كذبه فهو كذاب، ويخرج في بني يهود، وتحصل معه فتنة عظيمة، فعنده مثلا جنة ونار، وعبّر عنها في الحديث بنهر ونار. يقول -عليه الصلاة والسلام-: «من وقع في ناره وجب أجره وحُط وزره، ومن وقع في نهره وجب وزره وحُطّ أجره» فجانب من الناس يُكذبه ولا يصدقه فيكون هذا من الناجين في الفتنة، أما من صدقه وسار وراءه وكثّر سواده فهذا وقع في نهره فوجب وزره وحُط أجره.
أصل من أصول أهل السنة والجماعة
فخروج المسيح الدجال والتصديق به أصل من أصول أهل السنة والجماعة؛ لهذا قال الإمام البربهاري -في شرح السنة وهو يؤصل منهج أهل السنة والجماعة-: والإيمان بخروج المسيح الدجال.
التحذير من الفتن صغيرها وكبيرها
هذا الحديث فيه التحذير من الفتن صغيرها وكبيرها، وأن الإنسان لا يستعجل في الجري وراء كل ناعق، وسرعة الدخول في كل فتنة، وتصديق كل متكلم، والأخذ بكل جديد في الدين –ولا جديد في الدين- بل الثبات على الأمر الأول؛ لذلك علمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نستعيذ في التشهد الأخير من كل صلاة من أربع نقول: نعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدخال. فأنت تتعوذ من الدجال في كل صلاة نافلة كانت أو مفروضة.
قال حذيفة: ثم ماذا؟ قال: ثم هي قيام الساعة؛ لأن خروج المسيح الدجال من علامات قيام الساعة الكبرى.
لاتوجد تعليقات