
شبهات حول الحجاب الشرعي
جلست مع صفية التي عادت من دولة أوربية قضت فيها بضعة أشهر تتعلم اللغة الانجليزية، حتى تتمكن من الالتحاق بالكلية، عادت صفية وقد أتقنت اللغة الانجليزية، ولكنها حملت معها بعض التشغيبات حول لبس المرأة المسلمة للحجاب، ويبدو أن شبهة وقعت في قلبها فغيرت عليها اعتقادها، نعم صفية تفكر بطريقة جدية في خلع الحجاب، وهي ليست وحدها فالكثيرات من بنات المسلمين اليوم تأثرن بهذه الشبهات الخطيرة التي لبَّست عليهن أمر دينهن، وقد تُحبك بطريقة متينة، تتيه فيها العقول، ويسقط في وحلها الكثيرون.
وقبل أن نتطرق إلى ما حدث مع صفية نتساءل، لماذا صار الهجوم على الحجاب واضحًا، ومُركّزاً، في الفترة الأخيرة؟
- نقول: إن ظاهرة الهجوم على الحجاب لم تتوقف موجاتها منذ زمن بعيد، وهي في ازدياد مطّرد كمّا وكيفا، سواء كان هؤلاء المهاجمون مفكرين، أم إعلاميين، أم سياسيين، أم حتى -مع الأسف- من بعض الدعاة المنتسبين لحقل الدعوة، وسواء كانوا في البلاد العربية أم غيرها، وتباينت هذه التصريحات، ففي حين يُعده بعضهم ظاهرة دخيلة على المجتمعات العربية، عده آخرون تخلفًا ورجعية، وذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فأنكروا أن يكون منَ الشريعة الإسلاميَّة في شيءٍ، فعدوه عادة، ونفوا عنه صفة العبادة، وغيرهم عدوه إهانة للمرأة وحجابا لعقلها.
الحجاب يقمع الحريات
صفية هي إحدى المتأثرات بهذه الشبه، ومن أهم الشبه التي تأثرت بها صفية قولها: إنَّ الحجاب يقمع الحريات، وليس فيه مساواة بين الرجل والمرأة، فالمرأة المسلمة يجب أن تتمتع بالحرية المطلقة، وهي من تقرر لبس الحجاب أو عدم لبسه، ثم لماذا تتحجب المرأة ولا يطالب الرجل بالحجاب؟ لماذا لا تكون هناك مساواة بين الرجل والمرأة؟
هكذا تحدثت صفية بانفعال، ولا شك أن دعوى الحرية والمساواة من أهم مرتكزات الشبهات التي تثار حول الحجاب، ويكررها دومًا أدعياء الحرية، والمغالطة في هذه المناداة هي أن الحرية كلمة براقة، تسحر العقول، ولكنها ليست دليلا يقاس عليه صحة الشيء، والمرأة المسلمة حريتها منوطة بتعاليم الإسلام، كما أن البشر عموما محكومون بشرائع وقوانين وعادات وتقاليد لا يمكن لهم تجاوزها، وإلا فلو تُرك الحبل على الغارب لقتل الناس بعضهم بعضا، ولما عوقب لص أو مرتشٍ؛ بزعم أنهم يمارسون حريتهم المطلقة، ثم إن المساواة بين الرجل والمرأة في كل شيء أمر ينافي الفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما أن العرف يأبى ذلك.
تشغيبات عبثية
ومن الشبهات الواهية، تغريدة أطلقها أحدهم يقول فيها: «لو أن الله أراد للمرأة أن تتحجب لخلقها بحجاب»، فيقال لمثل هذا: كيف تمشي بين الناس مستترا وقد خلقك الله عاريا؟ وكيف تسعى لطلب العلم والمعرفة وقد خلقك الله جاهلا؟ ومنهم من يتهم الحجاب بالتخلف والرجعية وأنه عادة جاهلية توارثتها الأمة! فنقول: وما العيب في أن يكون الحجاب إرثا ولا سيما أنه فضيلة من الفضائل؟ فالإسلام أقر ما وجده محمودا من شيم عند العرب مثل الشجاعة والكرم وغير ذلك، بل قد ثبت عن طلحة بن عبد الله بن عوف أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا، ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أدعى به في الإسلام لأجبت» (صحيح). فلم لا يُقَرُّ السترُ وفيه مصلحة للأمة؟ ثم إنّ التخلف له أسبابه، والتقدم له أسبابه، وإقحام شريعة الستر والأخلاق في هذا الأمر خدعة مكشوفة، لا تنطلي على أصحاب الفكر والنظر، ومنذ متى كان التقدّم والحضارة متعلّقَين بلباس الإنسان؟! إنّ الحضارة والتقدم والتطور لم يكن إلا نتيجةَ أبحاث توصَّل إليها الإنسان بعقله وإعمال فكره، ولم تكن بثوبه ومظهره.
تاريخ الحجاب
ومن التخبطات التي يقع فيها أعداء الحجاب أن ينفي بعضهم وجود الحجاب قبل الإسلام، وهو رأي يدل على جهل متبنيه، فلو قلب صفحات التاريخ لاكتشف أن الحجاب قد عرف بين العبرانيين من عهد إبراهيم -عليه السلام-، واستمر خلال مبعث جميع أنبيائهم إلى ما بعد ظهور المسيحية، وشاع في أمم بابل وآشور وفارس والروم والهند.
شبهة مضللة
ومن الشبهات المتعمدة التي أطلقها المضللون مستغلين جهل الناس وبعدهم عن قرآن ربهم قولهم: «عدم وجود نص من القرآن يلزم المرأة بالحجاب»، والحقيقة أن الآيات الدالة على إلزام المرأة المسلمة لبس الحجاب في القرآن كثيرة، كقوله -تعالى-: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (النور: 31)، وقوله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}. (الأحزاب: 59)، وقوله -تعالى-: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا}. (الأحزاب: 55).
موقف نساء المهاجرات
وفي هذا المقام نستذكر موقف نساء المهاجرات الأول -رضي الله عنهن-، فعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الْأُوَلَ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}: شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهَا. رواه البخاري.
قال الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: «قوله: (مروطهن): جمع مرط، وهو الإزار. وقوله: (فاختمرن) أي: غطين وجوههن، وصفة ذلك: أن تضع الخمار على رأسها، وترميه من الجانب الأيمن على العاتق الأيسر، وهو التقنع» انتهى.
وقال ابن حجر في (فتح الباري): ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية ما يوضح ذلك ولفظه: «ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت: «إن نساء قريش لفضلاء، ولكنى والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار: أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان» كما جاء موضحاً في رواية البخاري المذكورة آنفاً، فترى عائشة -رضى الله عنها- مع علمها وفهمها وتقواها، أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، وهو دليل واضح على أنهن فهمن لزوم ستر الوجوه من قوله -تعالى-: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} من تصديقهن بكتاب الله وإيمانهن بتنزيله، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال، وسترهن وجوههن تصديق بكتاب الله وإيمان بتنزيله كما ترى، فالعجب كل العجب ممن يدعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة ما يدل على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصحيح كما تقدم عن البخاري، وهذا من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما ترى». (أضواء البيان 6 / 594 -95)
دعوى أن الحجاب لا يصنع للمرأة عفتها
تعلو أصوات اليوم لنساء مسلمات غير متحجبات يتفاخرن بتبرجهن، ويضربن مثلا للمرأة المستقيمة والناجحة دون أن تضيق على نفسها بالحجاب، مرددات: «إن اللباس لا يهب المرأة عفتها، ولا يقوم أخلاقها, فكم من متبرجة عفيفة وكم من متحجبة غير مستقيمة!»، وقد جعل الله -تعالى- التزام الحجاب عنوانا للعفة، فقال -تعالى-: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (الأحزاب: 59) لتسترهن بأنهن عفائف مصونات {فَلَا يُؤْذَيْنَ} فلا يتعرض لهن الفساق بالأذى، وفي قوله -سبحانه-: {فَلَا يُؤْذَيْنَ} إشارة إلى أن معرفة محاسن المرأة إيذاء لها ولذويها بالفتنة والشر.
المحافظة على عفة الرجال
وأيضا شرع الله حجاب النساء حفاظا على عفة الرجال الذين تقع أبصارهم عليها، وإن كانت تطالها من العفة فوائد ولكن الشطر الأكبر للرجال؛ فإن فتنة الرجال بما يقع عليه أبصارهم من تبرج النساء عظيمة، ولا يوجد سبيل مثل الحل الإلهي في لبس الحجاب الذي يحمي الرجل من الوقوع في الفتنة، وما يجره من سوء للمرأة والمجتمع كله.
هل الحجاب إهانة للمرأة؟
كل شيء ثمين خلقه الله حجبه عن الأعين، كالذهب واللؤلؤ والمرجان.... إلى آخره. فالمرأة عندنا أغلى وأثمن من كل هذا، لكن الإهانة الحقيقية حين تستخدم صورها شبه عارية للتسويق التجاري، أو حين يعتدى عليها بسبب تبرجها، فنسبة المعتدى عليهن من المتبرجات كبيرة جداً مقارنة بغيرهن من المحجبات؛ فإذا كان الحجاب عادة مجتمعية قديمة فما الذي حمل النساء قديماً على ارتدائه؟! إنه الحياء، والحياء قيمة فطرية محمودة متفق عليها من جميع الثقافات.
وقد صح في الحديث: «إن لكل ديناً خلقاً، وخلق ديننا الحياء»، فإذا كان الدافع للحجاب هو الحياء فقط فنعمت العادة و نعمت العبادة.
جاءت الشريعة لتهذيب الفطرة
الشريعة جاءت لتهذيب الفطرة وتنظيمها لا لكبتها ومعارضتها؛ فالمرأة تحب الزينة وقد فطرت على ذلك فلم تمنعها الشريعة منها، بل نظمتها وجعلت لها حدوداً فقط، كالصبغ و التطريف( مثل طلاء الأظافر ) والحناء والتعطر و........الخ
لكن ذلك يكون أمام محارمها فقط، ودائرة المحارم واسعة ( المحارم بالنسب و المحارم بالرضاع )، أو أمام نساء أو أطفال، وأمرتها بالتستر والحجاب أمام غير المحارم.
الحجاب عبادة:
الحجاب عبادة ثابتة في الأديان السماوية كافة، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهميته وقدره الكبير، وعناية الله الخاصة به، فمريم العذراء -عليها السلام- كل صورها المزعومة في الكنائس بالحجاب، والأم (تريزا) التي ينسب إليها مساهمات خيرية كثيرة وأياد بيضاء أيضاً كانت محجبة.
المجتمع الإسلامي الطاهر
إن الله -تبارك وتعالى- حيي ستّير، وهو -عز وجل- يحب الفضائل، ويكره الرذائل، وقد حذرنا خطوات المنافقين لإشاعة الفاحشة، فقال -تعالى-: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} (النور:19)، ومعنى تشيع: أي تنتشر، وتشتهر بالقول والفعل.
فالله يريده مجتمعًا إسلاميًا، طاهرًا نقيًا، تنتشر فيه الفضائل، وتحارب فيه الرذائل، ويسعى لتنفيذ حكم الله ورسوله، والله -عز وجل- خلق العباد وهو أبصر بهم، ويعلم ما في نفوسهم، وما يصلح لهم، ولذلك حرم الزنا، وحرم الخلوة بين الذكر والأنثى الأجنبيين، وأوجب الحجاب، وفرض حد القذف، وحد الزنا، وشرع الزواج وأكّده، ففتحت الشريعة طرائق العفاف، وسدت طرائق الشر والرذيلة.
لاتوجد تعليقات