رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. إبراهيم حمّامي 24 ديسمبر، 2012 0 تعليق

سيناريو سوري قاتم بتوقيع روسي أمريكي

واهم من يؤمن بالصدفة في عالم السياسة، وأكثر وهماً من يعتقد أن ما يجري هو من قبيل التزامن البريء بين موقف وآخر، ولاسيما في ظل تبادل الأدوار الممارس في الشأن السوري بين الشرق والغرب وتحديداً بين روسيا والصين من جهة وبين الولايات المتحدة وأوربا من جهة أخرى، والذي ظهر جلياً في مهزلة مجلس الأمن وعجز العالم عن وقف نزيف الدم السوري في مجلس الأمن تحت حجة الفيتو، وهو ما لم يكن سبباً للعدوان على العراق أو التدخل في البوسنة وكوسوفو.

     فجأة لم يعد يشغل كل هؤلاء إلا السلاح الكيماوي الذي يستعد نظام بشار لاستخدامه، لم يبق مسؤول أو زعيم إلا عبّر عن قلقه ومخاوفه من استخدام الكيماوي، وهدد آخرون أنهم على أهبة الاستعداد للتدخل لمنع النظام السوري من استخدام الكيماوي ضد شعبه - وكأن استخدام باقي الأسلحة الفتاكة مسموح ومقبول – وبدأ الإعلام يتحدث عن خطط جاهزة ومناورات في الأردن، وقوات أمريكية إسرائيلية مدربة للسيطرة على الأسلحة الكيماوية خلال دقائق بعد رصد أماكنها، فضلاً عن أفلام إثارة على بعض المنابر الإعلامية.

وفي تزامن غير بريء وصدفة ليست بصدفة خرجت تصريحات وتقارير لمراكز أبحاث ومواقف جديدة نرصد منها:

-  أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، اعتراف الولايات المتحدة بالائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة ممثلا شرعيا للشعب السوري – 11/12/2012.

- أقر المشاركون في اجتماع «أصدقاء سوريا» بمراكش، الذين مثلوا 114 دولة بالاعتراف به ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب السوري- 13/12/2012.

- نقلت صحيفة الديلي تلغراف تقريرا للمخابرات الأميركية أنها تقدر نهاية رئيس العصابة الأسدية بثمانية إلى عشرة أسابيع فقط بعد النجاحات التي أحرزها الجيش الحر- 07/12/2012.

- روبرت فورد، السفير الأمريكي لدى سوريا: “أيام نظام الأسد في الحكم باتت معدودة، ولاسيما مع تزايد وتيرة المعارك في محيط العاصمة دمشق”- 07/12/2012.

- رئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي يتوقع “سقوط نظام الأسد في غضون أسابيع قليلة”، داعيا الثوار السوريين إلى “التعامل بحكمة مع أبناء الطائفة العلوية”، مضيفاً: «المعلومات تشير إلى أن الأمور ستتغير في سوريا خلال أسابيع»، 06/12/2012.

- ذكرت صحيفة “كومرسانت” الروسية، أن روسيا تقاوم ضغوط الولايات المتحدة؛ كي تقنع الأسد بالاستقالة وقال تقرير الصحيفة إن “روسيا لا تعتزم إقناع الرئيس السوري بترك منصبه طواعية” وإن “موسكو مقتنعة بأن الأسد لن يخرج طواعية”، وتابع التقرير أن وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون أبلغت نظيرها الروسي سيرجي لافروف، خلال اجتماعها مؤخرا في دبلن أن حكومة الأسد ستسقط إن عاجلا أو آجلا، وأنه إذا لم تكن هناك حكومة انتقالية فمن المرجح أن تسقط سورية في الفوضى والعنف والاقتتال الطائفي، 12/12/2012.

- قالت صحيفة (ذي كريستيان ساينس مونيتور) الأمريكية: إن المشهد السوري الآن في ظل حصار المعارضة السورية للعاصمة دمشق، يشير إلى أن أيام الرئيس السوري بشار الأسد باتت معدودة، 10/12/2012.

- عدّ نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف أن النظام السوري يفقد سيطرته على البلاد، دون أن يستبعد احتمال انتصار المعارضة. ونقلت قناة “روسيا اليوم”عن بوغدانوف، قوله في كلمة ألقاها أمام الغرفة الاجتماعية الروسية: “يجب النظر إلى الوقائع.. النظام والحكومة السوريان يفقدان السيطرة على البلاد أكثر فأكثر» 13/12/2012.

- خبراء: سقوط نظام الأسد ليس وشيكاً، تقرير لصحيفة الحياة 16/12/2012.

     مقابل ذلك، اتخذت الولايات المتحدة خطوة غير مفهومة - في حينها - بإدراج أحد التشكيلات السورية على لائحة الإرهاب الخاصة بها - جبهة النصرة - لتتبعها الاستخبارات الإسرائيلية بتقرير يتحدث عن قرب سيطرة جبهة النصرة - هكذا - على أسلحة كيماوية؛ حيث ذكر تقرير استخباراتي إسرائيلي نُشر الأسبوع الماضي أنه “إذا فشل الأسد في منع مقاتلي “القاعدة” من الوصول إلى مخازن السم والأسلحة الكيماوية في “السفيرة” وبالتالي ينجح تنظيم القاعدة ويتسلح بالأسلحة الكيمائية لأول مرة، ساعتئذ تضطر الولايات المتحدة إلى القيام بهجوم جوي – ليس على جيش الأسد بل على مقاتلي المتمردين الذين يقاتلونه؛ لأنه إذا تمكن مقاتلو القاعدة من السيطرة على مخازن الأسلحة الكيماوية، فمن المتوقع أن يطلقوا الصورايخ ذات الرؤوس الكيماوية ضد مراكز نظام الأسد في دمشق، فسقوط “السفيرة” يحول الحرب الأهلية السورية إلى حرب الصواريخ الكيماوية».

وتكتمل الصورة بالتحذيرات التي وجهتها أجهزة بشار حول احتمال إطلاق أسلحة كيماوية على المناطق السكنية من قبل «مجموعات إرهابية» لاتهام النظام بها.

     زاوية أخرى لا تقل أهمية، وهي التقارير المتواترة التي تتحدث عن فرار قيادات «علوية» كبيرة مع عائلاتها للساحل، وخبر آخر عن فرار أحمد جبريل - حوّل فصيله الفلسطيني إلى فصيل شبيح - من مخيم اليرموك إلى طرطوس، وأنباء  سابقة عن فتح فرع للمصرف المركزي السوري في منطقة الساحل، وتأهيل مطار زراعي في طرطوس ليصبح مطاراً مدنياً – تصريحات نزار إسماعيل موسى محافظ طرطوس في 20/09/2012، وغيرها من الاستعدادات القائمة على قدم وساق لتجهيز جيب ساحلي – دويلة - يشكل ملاذاً حصيناً لعصابات البعث وبشار، ومن ثم بداية تطبيق السيناريو المرسوم.

لماذا كل ما سبق؟

نضع الإجابة في النقاط الآتية:

- وقف العالم “المتحضر” متفرجاً تاركاً الشعب السوري يواجه آلة القتل والإجرام وحده.

- من مصلحة روسيا والولايات المتحدة، ومن أجل عيون “إسرائيل” أن يتم تدمير سوريا بلداً ووطناً ومؤسسات، وهو ما قام به نظام الإجرام بقيادة بشار.

- إطالة أمد الثورة السورية سيحقق المزيد من الدمار، وإضعاف البلاد سنوات طويلة.

- تبادلت الولايات المتحدة وروسيا الأدوار لإجهاض أي قرار في الأمم المتحدة، وتسويغ عدم دعم الشعب السوري.

- التدخل سيكون فقط في اللحظات الأخيرة لمنع تحقيق انتصار شعبي على النظام، ولإبقاء الوضع في موضع المراوحة، تماماً كما حدث في البوسنة.

- لا بد من إيجاد مسوغات للتدخل في اللحظات الأخيرة.

- لذلك لا بد من وجود طرفين «رسميين» متحاربين، وهو الأمر الذي لم يكن حتى تم الاعتراف الأخير بالائتلاف الوطني قبل أيام.

- أصبح الآن هناك نظام رسمي هو نظام بشار، وائتلاف يعد ممثلاً شرعياً لكن ليس وحيداً، وبالإمكان التدخل للفصل بين الطرفين.

- بعد الضربات والهزائم المتتالية سينكفئ بشار وعصابته إلى الساحل لتنفيذ مخططهم بإقامة دويلة حصينة، وهو ما سبق ووضحته تفصيلياً في تقرير مطول تحت عنوان خيار الأسد الأخير – الدولة العلوية: http://www.drhamami.net/lasthope.pdf.

- الخيـــار بات متداولاً وبشكل كبير، واليوم تتحدث إحدى الصحف البريطانية وبوضوح؛ حيث تشير صحيفة (صنداي تايمز) إلى أنه “لن يعترف بدويلة الجيب العلوي في الساحل السوري لو قامت سوى إيران وكوريا الشمالية وفنزويلا” 16/12/2012.

- سيستخدم بشار السلاح الكيماوي من منطقة الساحل ضد باقي المناطق السورية، بعد أن يضيق عليه الخناق، وربما يتهم “العصابات المسلحة” الموضوعة على “قوائم الإرهاب” بذلك؛ لأنه جزء لا يتجزأ - أي النظام- من الخطة والمؤامرة على تدمير سوريا.

     وهنا يأتي تنفيذ السيناريو المنتظر والمتفق عليه بين روسيا والولايات المتحدة إضافة للمجرم بشار، والذي هيؤوا له الأسباب والمسوغات على مدى الأسبوعين الماضيين!

سيتم التدخل الدولي العسكري المباشر في سوريا، ليس دفاعاً عن الشعب السوري ولكن إجهاضاً لثورته، ومنعاً له من تحقيق الانتصار الكامل على الطاغية.

     يقول ماجد آل عبد الجبار وباختصار شديد لهذا السيناريو: «هجرة علوية للساحل مع استعداد عسكري غربي وتهديد بالتدخل عند استعمال الكيمياوي! استخدام!فتدخل!ففصل بين الطرفين وحماية لدولة علوية». ما يجري ليس صدفة أو تزامنا، لا التصريحات ولا التقارير ولا المواقف ولا الاعترافات ولا إدراج جبهة النصرة على قوائم الارهاب، كله يأتي في إطار التمهيد والاستعداد!

هذا ما يريدونه وهذا ما يخططون له وهذا ما ساعدهم ويساعدهم عليه نظام بشار المجرم.

     لكننا على ثقة أن الشعب السوري البطل الذي سجل أروع الملاحم في التضحية والفداء والإصرار على نيل الحرية، لن يقبل أبداً بإجهاض ثورته، ولا بتدخل عسكري سافر يأتي فقط لتنفيذ مخطط حماية «إسرائيل» بعد أن أصبح سقوط النظام الحامي لها وشيكاً، حتى لو تطلب الأمر ثورة أخرى جديدة ضد غزاة جدد، تآمروا عليه وشاركوا في ذبحه.

لا نامت أعين الجبناء!

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك