رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 11 مارس، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية -5- المعتدي في الصدقة كمانعها

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .

المعتدي في الصدقة كمانعها، قاعدة دليلها ما روي بالسند إلى أنس بن مالك رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «المعتدي في الصدقة كمانعها»(1). ودلالة هذا الحديث أن على المعتدي من الإثم، كما على المانع إذا منع .

- والتعدي لغة: المجاوزة مطلقاً، أي تجاوز في الشيء وتقدم  لما ينبغي أن يقتصر عليه، والعادي: الذي يعدو على الناس ظلماً وعدواناً، ومنه العدوان والاعتداء والتعدي، والعدوان: «الظلم الصراح، والاعتداء: مشتق من العدوان(2). والاعتداء: مجاوزة الحق، كما في قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ}(البقرة: 178).

     وقد أفرد الترمذي بابا أسماه: باب في المعتدي في الصدقة، وذكر حديث أنس رضي الله عنه . وقال المباركفوري في شرحه للحديث: الاعتداء مجاوزة الحد، فيحتمل أن يكون المراد به المزكي الذي يعتدي بإعطاء الزكاة غير مستحقيها ولا على وجهها أو العامل. قال التوربشتي: إن العامل المعتدي في أخذ الصدقة عن المقدار الواجب هو في الوزر كالذي يمنع عن أداء ما وجب عليه(3). 

وقيل: المعتدي في الصدقة هو الذي يجاوز الحد في الصدقة؛ بحيث لا يبقي لعياله شيئا، وقيل. هو الذي يعطي ويمن ويؤذي، فالإعطاء مع المن والأذى كالمنع عن أداء ما وجب عليه، قال تعالى: {قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى ۗ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ}(البقرة: 263). قلت: الظاهر أن المراد بالمعتدي في الصدقة العامل المعتدي في أخذ الصدقة(4).

وقال ابن الأثير في النهاية : «المعتدي في الصدقة كمانعها هو أن يعطي الزكاة غير مستحقها، وقيل: أراد أن الساعي إذا أخذ خيار المال ربما منعه في السنة الأخرى فيكون سببا في ذلك فهما في الإثم سواء»(5).

     ومن فضل الله تعالى على عباده أن جعل المشارك في الطاعة مشاركاً في الأجر؛ فالصدقة طاعة وقربى إلى الله، والمتصدق له الأجر العظيم من رب العالمين، وهذا الأجر لا يناله فقط صاحب الصدقة، بل من كان مسلماً وخازناً أمينا لها، يرعاها ويؤديها بحقها، ملتزماً شروطها، مع الرضى والسرور، وطيبة النفس منه، فله بذلك أجر كما لصاحب الصدقة أجر ، أخرج مسلم في صحيحه، بالسند عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الخازنَ المسلمَ الأمينَ، الذي يُنْفِذُ «وربما قال يُعطي» ما أُمرَ به، فيعطيه كاملاً مُوَفَّراً، طيبةً به نفسُهُ، فيدفعُه إلى الذي أُمر له به؛ أحدُ المتصدقين»(6).

يبشرنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بأن  الخازن المسلم المؤتمن، الذي عمل على حفظ الأمانة ورعاها، وأداها كما أَمر بذلك صاحبها، مع طيب نفس منه، فهو بهذا يكون أحد المتصدقين.

     وكل من يعمل في المجال الخيري والوقفي والتطوعي هو مؤتمن ، ومكلف برعاية ما أؤتمن به، فإن أدى هذه الأمانة موفرة كاملة، غير منقوصة أو مستغلة، مع طيب نفس ورضا وسرور منه، بهذا يكون هو أحد المتصدقين، أي له ثواب كالمتصدق؛ لأنه أعان صاحب المال على إيصال المال والصدقة إلى مستحقيها . 

لذا أنصح كل من عمل في القطاع الخيري والوقفي حسن التعامل مع الآخرين سواء كانوا من أهل الحاجة أم غيرهم، فالعاملين على الصدقات والأوقاف تسلط عليه الأنظار؛ لأن أهل الخير قد أمّنوهم على صدقاتهم ومشاريعهم، فكل فعل محسوب عليهم، فلابد أن يكون لدي الشخص الذي يتصدى لهذه المهمة السامية إخلاص في القصد والنية من خلال ابتغاء وجه الله عز وجل وحده بهذا العمل، كما يجب أن يكون متبعا فيه للكتاب والسنة، وعليه أن يكون نموذجاً للشخص المتفاني في خدمة المسلمين، وأن يتعامل مع أهل العوز والحاجة بالحسنى والكلمة الطيبة،  فالكلمة الطيبة صدقة، وتبسمك في وجه أخيك صدقة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

الهوامش:

1 - صحيح الترغيب ، برقم 785.

2 - انظر مقاييس اللغة، (4/249) .

3 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، لأبي العلى محمد بن عبد الرحمن المباركفوري، ط 3، مكتبة ابن تيمية 1407هـ _ 1987م ، ( 3/ 308).

4 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ( 3/ 308).

5 - تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، ( 3/ 310).

6 - أخرجه البخاري في صحيحه، برقم ( 1438). ومسلم في صحيحه، كتاب الزكاة، باب أجر الخازن الأمين برقم (1023)، واللفظ لمسلم .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك