
سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 7- حسن الأدب في الظاهر عنوانُ حسن الأدب في الباطن
نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي؛ ليسهل على من جنَّد نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية.
«حسن الأدب في الظاهر عنوان حسن الأدب في الباطن» (1)؛ قاعدة من قواعد الأدب. قال المقري: وضابط ذلك: أن تكون حالة العامل موافقة لمقصود العمل أو غير مخالفة له، كالقيام في الأذان والسكون في الصلاة وحسن الهيئة.
قال أبو حفص السّهرورديّ: «حسن الأدب في الظّاهر عنوان حسن الأدب في الباطن»، فالأدب مع الله باتّباع أوامره وإيقاع الحركات الظّاهرة والباطنة على مقتضى التّعظيم والإجلال والحياء»(2).
وقال ابن القيّم- رحمه الله-: «وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه. وقلّة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدّنيا والآخرة بمثل الأدب ولا استجلب حرمانها بمثل قلّة الأدب»(3).
وقال بعضهم: «الزم الأدب ظاهرا وباطنا؛ فما أساء أحد الأدب في الظّاهر إلّا عوقب ظاهرا، وما أساء أحد الأدب باطنا إلّا عوقب باطنا»(4).
والأدب في الأعمال الخيرية، يتوزع بين ثلاث: أدب أهل العطاء، وأدب أهل الحاجة، وأدب المؤتمنين على الأموال والتبرعات، فلا يقصد أهل العطاء من التبرع السمعة والرياء ولا المن في الصدقة وأذى المتصدق عليه، وكذلك من أدب أهل الحاجة أن لا يتعدى في الطلب ولا يفتح باب مسألة وهو ليس من أهلها.
وأما من أؤتمن على أموال المتبرعين، والعاملين في المؤسسات الخيرية عليهم حسن الاستماع للمتبرعين وكذلك لأهل الحاجة، وليس مسوغاً أن يعامل أهل الحاجة بسوء خلق أو بقسوة كون أن بعض المراجعين قد امتهن الاستجداء حتى لو كان من غير أهل الحاجة، فانسحب التعامل بهذا الأسلوب والتشكيك في مصداقيتهم على جميع المراجعين؛ فلا بد أن يدرب العاملون على أدب التعامل مع الآخرين، وطرق معرفة أهل الحاجة من غيرهم بمهارة وفراسة، وقدرة علي فهم الناس وحسن التصرف معهم في شتى الظروف على اختلافها.
ومن الأدب الظاهر والباطن أن يتعامل العاملون في المؤسسات والمشاريع الخيرية والوقفية مع النساء بتعاليم الشرع وضوابط الخلق والعُرف، وكذلك التعامل مع الشيوخ والضعفاء بأدب واحترام بلا كِبرٍ واستعلاء.
والعاملون في دائرة العمل الخيري هم أكثر من تسلط عليهم الأنظار؛ لأن أهل الخير قد أمّنوهم على صدقاتهم وزكاتهم ومشاريعهم، فكل فعل محسوب عليهم، فلا بد أن يكون لدى الشخص الذي يتصدى لهذه المهمة السامية إخلاص في القصد والنية من خلال ابتغاء وجه الله عز وجل وحده بهذا العمل، كما يجب أن يكون متبعا فيه للكتاب والسنة، في الوقت نفسه يجب أن تكون لديه رغبة وقدرة علي تنمية قدراته الذاتية وذلك لاحتياجه الدائم للتواصل مع الناس لإنجاح مهمته.
الهوامش:
1- القواعد للمقري 2/423، القاعدة 177.
2- مدارج السالكين، 2/ 392.
3- مدارج السالكين (2/ 407).
4- (المرجع السابق (2/ 397).
لاتوجد تعليقات