رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 21 أبريل، 2014 0 تعليق

سلسلة الأعمال الخيرية- القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 11- الجزاء من جنس العمل

نكمل في هذا العدد ما بدأناه من ضوابط وقواعد للعمل الخيري والوقفي ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع؛ الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من الكتب الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية .

     «الجزاء من جنس العمل»(1) قاعدة شرعية فقهية عدلية، مستقاةٌ من النصوص الشرعية؛ تدل على حكمة الله تعالى وعدله وإنصافه في أقضيته وأقداره؛ فالجزاء مماثل للعمل ومن جنسه إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وكما تُجازِي تُجازَى، فهي سُنةٌ إلهيةٌ،  قال ابن القيم - رحمه الله -: «الجزاء من جِنس العمل قاعدة مستقرَّة في الشريعة»(2). ويقول الشيخ عبد الرحمن السعدي عن تلك القاعدة إنها أصل من أصول الدين(3).

والقاعدة مُرغِّبة مُرهِّبة، دافعة للأعمال الصالحة، ناهية عن الظلم، وأولى الناس بمعرفة هذه القاعدة وتطبيقاتها العاملون في المؤسسات الخيرية والأعمال التطوعية والدعوة إلى الله تعالى؛ فهم بحاجةٍ ماسةٍ إلى فهم هذه القاعدة وإلى اليقظة والحذر من التغافل عن عواقبها.

     فهي دافع للبذل والعطاء في أعمالهم، والسداد في تصرفاتهم، والصبر على ما يلاقوه من أصحاب الحاجة من شدة أو أذى، فلا بد من استحضار النية الصادقة الخالصة لله تعالى في كل عمل يعملوه، وأن تكون تلك القاعدة ماثلة أمامهم للمزيد من التضحية والاحتساب، والرضى بما يلقوه في سبيل الله تعالى، قال بعض السلف: إنَّ من ثواب الحسنةِ الحسنةَ بعدها، وإن من عقوبة السيئةِ السيئةَ بعدها.

     وقال الإمام ابن القيِّم - رحمه الله -: «ولذلك كان الجزاء مُماثلاً للعمل من جنسه في الخير والشر، فمن ستر مسلمًا ستره الله، ومن يسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن نفَّس عن مؤمنٍ كُرْبة من كُرَب الدنيا نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن أقال نادمًا أقال الله عثرتَه يوم القيامة، ومن تتبَّع عورة أخيه المسلم تتبَّع الله عورتَه، ومن ضارَّ مسلمًا ضارَّ الله به، ومن شاقَّ شاقَّ الله عليه، ومن خذَل مسلمًا في موضع يجب نصرتُه فيه خذَله الله في موضِع يجب نصرتُه فيه، ومَن سمَح سمَح الله له، والراحمون يرحَمهم الرحمن، وإنما يرحَم الله من عباده الرحماء، ومن أنفَق أنفَق الله عليه، ومن أوعى أوعى عليه، ومن عفا عن حقِّه عفا الله له عن حقِّه، ومن تجاوَز تجاوَز الله عنه، ومن استقصى استقصى الله عليه»(4).

ومن أدلة هذه القاعدة قوله تعالى قوله تعالى: {جَزَاءً وِفَاقًا}(النبأ: 26). وقوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}(الشورى: 40).

ومن أدلة القاعدة من سنة النبي صلى الله عليه وسلم قوله صلى الله عليه وسلم : «اعمل ما شئت فإنك مجزي به»(5). وقوله صلى الله عليه وسلم : «اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه»(6).

وقوله صلى الله عليه وسلم : «من ضار ضار الله به. ومن شاق شق الله عليه»(7). وقوله صلى الله عليه وسلم : «ولا يفتح عبد باب مسألةٍ إلا فتح الله له باب فقرٍ»(8). فالجزاء من جنس العمل.

ولا شك أن اليقين بهذه القاعدة يمنح العاملين في المؤسسات الخيرية والوقفية والتطوعية وقودا إيمانيا مستمراً لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقا بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل، فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر.

ومن التطبيقات الخيرية لهذه القاعدة:

الذي يشق على أهل الحاجة بالطلبات حتى يساعدهم، ويعمد إلى إذلالهم فإنه ينال جزاؤه من جنس عمله .

وكذلك الذي يضيق في الصرف على أهل الحاجة ويؤخر مستحقاتهم بلا مبرر، فإن الله تعالى يضيق عليه، فالجزاء من جنس العمل .

ومن تتبّع عورات المسلمين وفضح المستور من عيوبهم فصحاً لهم، تتبّع الله عورته وأظهر عيوبه، ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في قعر داره، ومن ستر عليهم ستره الله وأخفى عيوبه؛ لأن الجزاء من جنس العمل.

     وأن من تواضع للخلْق رفعه الله، ومن تكبّر عليهم وضعه الله؛ ومن لبس ثوب شُهرةٍ ألبسه الله يوم القيامة ثَوب مهانة؛ ومن تركَ شيئًا لله عوَّضَه الله خيرًا منه؛ ومن يسر على معسر يسر الله عليه، ومن فرَّج عن مسلم كُربة فرّج الله عنه كربة من كُرَبِ يوم القيامة، والله في حاجة العبد ما كان العبد في حاجة أخيه، ومن سلك طريق يلتمس فيه علماً سهّل الله له به طريقاً إلى الجنة، ومن هدى الناسَ وعلّمهم هداه اللهُ.

ومن أخذ من أموال الصدقات كقرض حسن ويريد أداءها أدّاها الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله، ومن ظلم قيد شبر من الأرض طُوِّقَهُ من سبع أرضين يوم القيامة.

المقابلة بالمثل عدل، وسنة يعامل الله بها خلقه، وشرع نتعامل به بيننا، فمن أحب أن يقابل الله إساءته بالإحسان فليقابل هو إساءة أهل الحاجة وسوء أخلاق بعضهم  إليه بالإحسان والكلمة الطيبة .

وكذلك الذي يسيء لأهل العوز من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمرضي، بأن يشيع عنهم الشائعات بأنهم لا يستحقون تلك المساعدة بلا أدلة، فإن كذلك الجزاء من جنس العمل.

     منع الضرر والمضارة، وأنه «لا ضرر ولا ضرار»، فلا تفوت مصلحة لأصحاب الحاجة ، ولا تحصل مضرة للمستفيد بسبب إعانته، أو إذلال له أو إهانة. فمن ضار وشاق ضره الله وشق عليه، ومن أزال الضرر والمشقة عن المسلم فإن الله يجلب له الخير، ويدفع عنه الضرر والمشاق، جزاء وفاقا، سواء كان متعلقا بنفسه أو بغيره .

الهوامش:

1- بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الأخيار في شرح جوامع الأخبار، للشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي،  الطبعة الأولى مكتبة جرير 1424هـ-2003م ، ص 42.

2 - جَلاء الأفهام، ص (87- 88).

3- انظر : بهجة قلوب الأبرار ، للسعدي، ص 42.

4 - إعلام الموقعين عن رب العالمين (1/214)

5 - صحيح الترغيب للألباني، برقم 824، وهو حسن لغيره .

6 - أخرجه مسلم في صحيحه، برقم 1828 .

7 - رواه الترمذي وابن ماجة ، وهو في صحيح الجامع برقم ( 6372) .

8 -  صحيح الجامع، للألباني، برقم 3024.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك