رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: فلسطين - ميرفت عوف 6 نوفمبر، 2012 0 تعليق

د. حمزة ذيب عميد كلية الدعوة بالقدس: نتحدى الكثير لتبقى الكلية تتربع على عرش الكليات المماثلة على المستوى العربي والإسلامي

 

لمّا كانت مدينة القدس بمكانتها العريقة للأديان السماوية، وأهميتها التاريخية والحضارية للوطن الفلسطيني والعالم العربي والإسلامي، كان لابد من تدعيم تلك المكانة عبر العناية المباشرة بحركة الفكر والتعليم فيها بإيجاد كلية الدعوة وأصول الدين ضمن جامعة القدس لتكون نواة لإعداد القادة والدعاة القادرين بإذن الله على الانتصار لها ولقضاياها الجوهرية العادلة.

قبل ثلاثين عامًا افتتحت الكلية، ونجحت في بناء جيل يعتز بدينه وحضارته وانتمائه لأمته، جيل استطاع أن يستوعب مقاصد الشريعة الإسلامية ويتميز بشخصية تجمع بين الأصالة والتجديد، مؤهل على أعلى مستوى مهنيًا وأكاديميًا وأخلاقيًا لأن يؤدي رسالته النابعة من مسؤوليته تجاه مدينته «القدس » ووطنه «فلسطين ».

ويشهد المجتمع الفلسطيني في الأراضي المحتلة على الدور الذي برعت في تأديته كلية الدعوة وأصول الدين على مر سنوات تأسيسها، فيما يشهد الجدار على عزيمة إدارتها وطلابها التي لا تبلى في الاستمرار لتأدية الأمانة بتعميق العقيدة الإسلامية وقيمها الروحية والأخلاقية في حياة الفرد والمجتمع.

(الفرقان) تحاور عميد الكلية د. حمزة ذيب، وتبحث معه البدايات من حيث النشأة والتأسيس والأهداف، ثمَّ نعرج على الدور والعقبات وآلية المواجهة والانتصار لمدينة المسرى من خلال إعداد جيل يحمل هم القدس ويرقى بجهوده من أجلها:

- بدايةً، الدكتور الفاضل نرجو منكم أن تضعنا في صورة نشأة كلية الدعوة وأصول الدين وتطورها بمدينة القدس، وماذا عن الأهداف التي أنشئت من أجلها؟

-  تعود البدايات الأولى للكلية إلى عام 1978، فقد كانت أول كلية شريعة على مستوى فلسطين، وبفضل الله حرصنا خلال السنوات السابقة على بناء جيل متدين واعٍ قادر على التعامل مع الظروف الاستثنائية التي تمر بها المدينة.

     أما فيما يتعلق بالأهداف فهي متعددة، ويقع على سلم أولوياتها تعميق العقيدة الإسلامية وقيمتها الروحية والأخلاقية في نفس الطالب، وإعداده جيدًا ليكون قادرا على الدعوة الإسلامية وفقًا للأسس المنهجية؛ ليتمكن فيما بعد من القيام بدوره في الإسهام في حل المشكلات المعاصرة التي تمر بمجتمعه، فالكلية تسعى إلى رفد المجتمع المحلي والعربي والإسلامي بالمتخصصين في العلوم والمجالات الشرعية المختلفة ليقوموا بمهام تدريس العلوم الشرعية أو العمل في مجال القضاء الشرعي بتأهيل قضاة شرعيين مطلعين على ثقافة العصر ومعطياته الحضارية ومتفاعلين معها.

     كما نهدف إلى تزويد المساجد بالأئمة والخطباء والوعاظ والمرشدين، ونقوم بربط الكلية بالمجتمع المحلي من خلال المشاركة في النشاطات المختلفة التي تدخل في اختصاصات الدراسات الإسلامية.

     وهنا أستطيع أن أقول: إن 90% من أئمة المساجد والوعاظ والخطباء قد تخرجوا في كلية الدعوة وأصول الدين، وذلك ليس على مستوى القدس فحسب وإنما الضفة الغربية وقطاع غزة قبل انتفاضة الحجر عام 1987 حيث لم تكن الحواجز ولا الجدار.

- تحدثتم أن الكلية كانت الأولى من نوعها في فلسطين، هل كان ذلك سببًا لتكون وجهة الباحثين عن دراسة العلوم الشرعية، حدثني قليلًا عن المجتمع الطلابي للكلية آنذاك؟

- بالتأكيد وجود كلية الدعوة وأصول الدين بنسختها الأولى في فلسطين عام 1978 جعلها وجهة الباحثين عن دراسة العلوم الشرعية، ولعل سهولة التواصل بين بقاع الوطن الفلسطيني من الضفة وغزة والأراضي المحتلة عام 48، وذلك قبل الانتفاضة الأولى عام 1987، كان عامل جذب آخر، فدرس لدينا طلبة من عارة وعرعرة واللد وعكا والرملة ويافا وغزة والناصرة وحيفا وأم الفحم وغيرها، وتميزت بدور مهم في رفد كلية الدعوة والعلوم الإسلامية في مدينة أم الفحم بالعديد من الأساتذة والمختصين في العلوم الشرعية سواء الخريجون المتميزون أم أساتذة الكلية، وأؤكد أن كلية الدعوة وأصول الدين في جامعة القدس كان لها بصمات كبيرة في المجتمع الفلسطيني ككل وعلى المجتمع المقدسي بشكل خاص.

- لعل وجودكم في القدس واهتمامكم بقضاياها من خلال أهداف الكلية ورسالتها، يضعكم في مواجهة دائمة مع المحتل الصهيوني، حدثني عن أوجه المعاناة لديكم؟

- لا شك أن أي مؤسسة في مدينة القدس لا بد أن تنال ألوانًا من عذابات الاحتلال وممارساته الصلفة، فتلك طبيعة الاحتلال وتلك سياسته لإفراغ المدينة والاستيلاء عليها بوصفها أرضاً بلا سكان أو بأدنى عدد من السكان، ولعل بداية العوائق التي حاول من خلالها المحتل الحد من انتشار الكلية والتحاق الطلبة بفروعها: الاعتقال والتضييق على كل من يؤمها من طلبة وأساتذة أكاديميين وإداريين، فالاحتلال في كثير من الأحيان يصدر أوامر للحد من حركة المواطنين وتنقّلهم من وإلى القدس، ناهيك عن الملاحقة والمطاردة والتهديد بالقتل أو الاعتقال أو النفي أو مراجعة المخابرات الصهيونية كل حين، وأخيرًا الجدار العنصري العازل وما أثمره من تمزيق عضد وبناء الكلية فلا يفصل بين الجدار وباب الكلية سوى متر واحد لا يمكن معه القيام بأي نشاطات داخل الكلية أو خارجها، ونحن نعي تمامًا ما يريده المحتل ولن نمكنه منه أبدًا وستبقى شيمتنا الصبر والصمود ورسالتنا كشف مخططات الاحتلال وإبرازها بوجهه الحقيقي.

- ذكرتم الجدار، فكيف أثر على عملية الالتحاق بالكلية وهل كان عائقًا أمام تقدم الكلية وارتقائها؟

- لقد أحاط الجدار بكلية الدعوة وأصول الدين وجامعة القدس والمدينة بأكملها، كما يحيط السوار بالمعصم، وفي تأثيره كان كالأفعى التي تملكت فريستها لتسد شره جوعها، وبلا شك أدى ذلك إلى تراجع نسبة التسجيل للالتحاق بالكلية، ففي السابق كانت أعداد الطلبة تتجاوز 300 طالب، بينما بعد بناء الجدار باتت في تناقص مستمر، ولكن أؤكد أنه على المستوى الأكاديمي والمهني وحتى البحثي ما زالت الكلية تتربع على عرش المراتب الأولى بين الكليات المماثلة على المستوى العربي والإسلامي، وحقيقةً شكلت أيضًا مضايقات الاحتلال لجمهور الطلبة على الحواجز ومحاولات اعتقالهم هاجسًا لدى الكثير من الطلبة ومنعتهم من التسجيل فيها؛ خشية ممارسات الجنود ولاسيما بعد فرض الغرامات المالية المقدرة بألفي دولار على مرتادي الجامعة من طلبة الضفة الغربية دون تصريح دخول، ناهيك عن افتتاح العديد من الكليات الشرعية في الجامعات الفلسطينية.

- كيف واجهتم جدار الفصل العنصري بعد أن شطر الكلية؟

- كان لابد من المواجهة وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي عاجزين عن درء خطر الاحتلال وكشف مخططاته التهويدية التجهيلية، فتم نقل مباني الجامعة بمحاذاة الجدار لتخفيف واقع المأساة عن الطلبة ولكن النتائج كانت محدودة بسبب الأوضاع المعيشية والاقتصادية التي أثمرها الجدار فكثير من الطلبة اضطروا لتأجيل الفصول الدراسية لأكثر من مرة ثم انسحبوا نظرًا لعدم تمكنهم من إيفاء الرسوم الدراسية، والاحتلال حقيقةً أراد ذلك وللأسف الشديد واستطاع إلى حدّ ما أن يُبعد أهل القدس وروادها عنها ليحكم سيطرته عليها ولكننا ما زلنا نجاهد حتى رمقنا الأخير ونعمل على كشفه ولفت أنظار العالم لمعاناة أهل القدس جميعهم.

- المخاطر التي تتعرض لها القدس كثيرة هل تفرض عليكم التركيز في المساقات الدراسية على تعزيز قيمة القدس الدينية ومكانتها الحضارية؟

- بالتأكيد، فأحد أهم أهداف الكلية إبراز مكانة القدس الدينية، والعلمية ورفع المستوى العلمي في الضفة الغربية ولاسيما القدس، وتشجيع روح البحث العلمي، وكذلك إعداد جيل من الدعاة إلى الله على أسس علمية تربوية سليمة تؤهلهم للدخول في مجال الوعظ والإرشاد، والدعوة إلى الله، وسد حاجة البلاد من الدعاة ومدرسي الشريعة الإسلامية والمرافعين في المحاكم الشرعية، وسبلنا لتحقيق ذلك إيجاد البرامج والمساقات الدراسية التي تتحدث عن القدس وتاريخها والقضية الفلسطينية لتبقى القدس حية في النفوس والأرواح، فضلاً عن التعاون مع كافة المؤسسات المعنية وذات العلاقة كالهيئة الإسلامية العليا للعمل على دعم الطالب المقدسي، فإذا نحن لم يكن لدينا برامج لأجل تثبيت هذه الفئات والشرائح والمؤسسات؛ فستخلو القدس بعد فترة قصيرة من أهلها الشرعيين، ولاسيما في ظل الهجمة المسعورة من الاحتلال الصهيوني وإحلال المستوطنين مكانهم.

- كيف تدعمون الثقافة الإسلامية في نفس الطالب خلال مرحلة الدراسة؟

- كلية الدعوة وأصول الدين تسعى إلى تجذير الثقافة الإسلامية في نفس الطالب منذ اليوم الأول لانتسابه إلى الكلية وعلى مدار سنوات الدراسة لتُخرجه للمجتمع قد ازداد علمًا وثقافة شرعية وفقها، فالطالب ينهي حوالي 132 ساعة معتمدة في مختلف العلوم الشرعية والفكر والثقافة الإسلامية، فضلاً عن  حفظ إجباري لستة أجزاء من القرآن الكريم، ولا يُسمح للطالب بأن يتخرج إلا إذا حفظ، وكذلك يتلقى الطالب120 ساعة عمل ميداني يقضيها بالتدريب في المدارس والمساجد، وساعات العمل هذه ليس لها درجات في الخطة الأكاديمية ولكن الطالب لا يتخرج ولا يُمنح الشهادة إلا إذا استكملها بنجاح فيتخرج ناضجا واعيا فاهما ما له وما عليه تجاه دينه وشعبه وقدسه وقضيته.

- من أهم المشكلات التي تواجهها جامعة القدس عدم الاعتراف بشهادتها من قبل الكيان، فما أسباب ذلك؟

- الأسباب برأيي واضحة، هم لا يريدون علمًا أو تعليمًا عربيًا في القدس؛ لأن ذلك سيثبت أقدام المقدسيين ويعزز تواجدهم، والحقيقة أن هذا الإجراء جاء ليجبر الخريجين المقدسيين على العمل خارج الوطن وبالتالي يحققون حلم إفراغ المدينة من أهلها، وأعتقد أنها سياسة مقصودة لتهويد القدس ونفي أهلها بالهجرة بحثًا عن سبيل للحياة الكريمة.

- ولكن على صعيد قضايا مدينة القدس وآلامها، كيف تعمدون إلى تسويقها إلى العالم العربي والإسلامي؟

- نحن دائمًا نسعى للكشف عن آلام القدس وأهلها وإبرازها للعالم العربي والإسلامي ليتخذ خطوات النصرة اللائقة والدعم الشامل للمدينة، والمشاركة في المؤتمرات الإقليمية العربية الإسلامية والدولية عامل مهم لتعريف العالم بوجع القدس جراء ممارسات الاحتلال.

     وحقيقةً تلك المشاركة تحقق دعمًا للمدينة وصمود أهلها ولكنها ليست كافية، مطلوب وضع المدينة على أولويات أجندة زعماء الدول ليس قولًا وقرارات إعلامية فقط وإنما تطبيقًا على أرض الواقع، فمن المحزن جدًا أن نعلم بحجم الدعم الهائل المعلن عنه خلال قمة سرت الليبية ولم نر منه شيئًا يذكر إلا 50 ألف دولار من إجمالي المبلغ وهو نصف مليار دولار.

     ونحاول من خلال المشاركة في المؤتمرات أن نُلقي بشيء من الأمانة في أعناق العرب والمسلمين وذلك لا يعني انسلاخنا وعدم تحملنا لمسؤولياتنا تجاه القدس، لكن أؤكد أن ما نبذل من جهود يبقى ضئيلا في حضرة الجهود العربية والدولية التي تملك القرار السياسي والأموال أيضًا.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك