
درر وفوائـد من كــلام السلف
حاجة العبد للمغفرة
- عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه -عز وجل- أنه قال: «يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعا، فاستغفروني أغفر لكم». (جزء من حديث رواه مسلم). قال ابن رجب رحمه الله: «وأما الاستغفار من الذنوب، فهو طلب المغفرة، والعبد أحوج شيء إليه؛ لأنه يخطئ بالليل والنهار، وقد تكرر في القرآن ذكر التوبة والاستغفار، والأمر بهما، والحث عليهما».
(جامع العلوم والحكم 41/2).
آيتان في فضل قيام الليل
قال تعالى: {تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴿١٦﴾فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. (السجدة:16-17).
قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} أي: ترتفع جنوبهم، وتنزعج عن مضاجعها اللذيذة، إلى ما هو ألذ عندهم منه وأحب إليهم، وهو الصلاة في الليل، ومناجاة اللّه تعالى.
ولهذا قال: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ} أي: في جلب مصالحهم الدينية والدنيوية، ودفع مضارهما. {خَوْفًا وَطَمَعًا} أي: جامعين بين الوصفين، خوفًا أن ترد أعمالهم، وطمعًا في قبولها، خوفًا من عذاب اللّه، وطمعًا في ثوابه.
{وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} من الرزق، قليلاً كان أم كثيرًا {يُنْفِقُونَ} ولم يذكر قيد النفقة، ولا المنفق عليه، ليدل على العموم، فإنه يدخل فيه، النفقة الواجبة، كالزكوات، والكفارات، ونفقة الزوجات والأقارب، والنفقة المستحبة في وجوه الخير، والنفقة والإحسان المالي، خير مطلقًا، سواء وافق غنيًا أم فقيرًا، قريبًا أم بعيدًا، ولكن الأجر يتفاوت، بتفاوت النفع، فهذا عملهم.
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (17)
وأما جزاؤهم، فقال: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ} يدخل فيه جميع نفوس الخلق، لكونها نكرة في سياق النفي. أي: فلا يعلم أحد {مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} من الخير الكثير، والنعيم الغزير، والفرح والسرور، واللذة والحبور، كما قال تعالى على لسان رسوله: {أعددت لعبادي الصالحين، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر}.
فكما صلوا في الليل، ودعوا، وأخفوا العمل، جازاهم من جنس عملهم، فأخفى أجرهم، ولهذا قال: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
تفسير السعدي - سورة السجدة -آية ١٦- ١٧.
من هم الدعاة الصادقون؟
هم أتباع النبي عليه الصلاة والسلام.. دعاة إلى الله ودينه مخلصون.. لا إلى ماسواه.. على بصيرة واتباع لا على جهل وهوى وابتداع.. وعلى توحيد لاعلى شرك.
حمد عبدالرحمن الكوس
فتوى حول كتاب (تبليغي نصاب) وما شابهه من كتب الصوفية
- س: أنا رجل مسلم أعيش في بريطانيا، أرغب في اتباع منهج أهل السنة والجماعة في جميع أمور حياتي، وبناءً على هذا أحاول قراءة كتب دينية بالأوردية، وأثناء قراءتي لبعض الكتب الدينية المؤلفة من العالم الشهير والبارز الهندي المنتسب إلى جماعة التبليغ (الديوبندية)، اسمه: الشيخ (محمد زكريا كاندهلوي شيخ الحديث)، وجدت في كتابه المسمى: (تبليغي نصاب) على
(الجزء رقم: 2، الصفحة رقم: 98)
الصفحة رقم (113) في الفصل الخامس، قصة نقلها المؤلف من كتاب اسمه (رونق المجالس)؛ حيث ذكر قصة التاجر الذي مات، وقسم ميراثه بين ابنيه، وقد ترك المتوفى إلى جانب المال الكثير شعر رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، فأخذ الابن الأصغر شعر رأس الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتنازل عن ماله الذي كان يستحقه من وراثة أبيه في حق أخيه الكبير، والذي حصل أن الذي أخذ المال قد أفلس بعد قليل، والذي أخذ الشعر صار غنيًّا، وبعد وفاة الأخ الصغير الذي لديه شعر رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، رأى بعض الصالحين النبي صلى الله عليه وسلم في منامه؛ حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: «من له حاجة فعليه أن يذهب إلى قبر هذا الأخ الصغير ويدعو الله -سبحانه وتعالى- عند قبره لاستجابة دعائه» نقلاً عن كتاب (تبليغي نصاب)، وكذلك قرأت كتابًا آخر اسمه (تاريخ مشائخ جثت) للمؤلف السالف ذكره الشيخ: محمد زكريا في صفحة رقم (232)؛ حيث ذكر في هذا الكتاب، مرة الشيخ حاجي إمداد الله مهاجر مكي كان في مرض موته فزاره أحد معتقديه وحزن على حاله التي كان هو فيها، فعرف الشيخ حزنه عليه، فقال: «لا تحزن إن الزاهد العابد لا يموت، بل ينتقل من مكان إلى مكان آخر، وإنه يقضي حاجة الناس وهو في قبره، كما كان يقضي حاجتهم في حياته»، نقلاً من كتاب: (تاريخ مشائخ جثت)، والمطلوب أحب أن أسمع عن آرائكم الرشيدة في حق كل من ذكر. وكذلك:
أ - هل هو يبقى مسلمًا أي المؤلف وراوي القصة بعد هذه العقيدة التي ظهرت لنا من خلال كتبه وكلامه؟ بينوا لنا مستدلين بالكتاب والسنة.
ب - إذا لم يبق مسلمًا، فما الدليل من الكتاب والسنة على خروجه من الملة؟
ج: ما نُقل في هذه الكتب مما ذُكر في السؤال من البدع المنكرة والخرافيات التي لا تستند إلى حقيقة شرعية، ولا إلى أصل من كتاب الله أو سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ولا يقول بذلك ولا يعتقده إلا من انتكست فطرته، وعميت بصيرته، وضل سواء السبيل. وادعاء أن شعر الرسول لا يزال موجودًا وأن من حازه سبب له الغنى، وادعاء رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يوصي بالدعاء عند قبر هذا الرجل - كل ذلك كذب وافتراء لا دليل عليه، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان لا يتمثل بي فكيف يأمر النبي صلى الله عليه وسلم الناس بدعاء الله عند القبور وقد نهى عن ذلك في حياته وحذر منه أشد التحذير؟! ونهى عن الغلو في الأنبياء والصالحين والتوسل بهم بعد موتهم، ولم يمت صلى الله عليه وسلم إلا وقد أتم الله به الدين، وأكمل به النعمة، فلا يزاد على ما شرعه ولا ينقص منه، واعتقاد أن الدعاء يستجاب عند القبور بدعة لا أصل لها في الشرع المطهر، وقد تؤول بصاحبها إلى الشرك الأكبر إذا دعا المقبور من دون الله أو معه، أو اعتقد النفع والضر في المقبور، فإن النافع الضار هو الله سبحانه. وكذلك اعتقاد أن الزاهد العابد لا يموت، بل ينتقل من مكان إلى مكان أخر، وأنه يقضي حاجات الناس في قبره، كما كان يقضي حاجاتهم في حياته، اعتقاد فاسد من معتقدات الصوفية المنحرفة، ولا دليل على ذلك، بل دلت الآيات والأحاديث الصحيحة على أن كل إنسان في هذه الدنيا يموت، قال الله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}، وقال تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} الآية، كما دلت الأحاديث الصحيحة أن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له أو صدقة جارية، وأن الميت في قبره لا يملك لنفسه ضرًّا ولا نفعًا، ومن كانت هذه حاله فإنه لا يملك ذلك لغيره من باب أولى، ولا يجوز طلب قضاء الحاجات إلا من الله وحده فيما لا يقدر عليه إلا الله، وطلبها من الأموات شرك أكبر، ومن اعتقد غير ذلك فقد كفر كفرًا أكبر يخرجه من الملة والعياذ بالله؛ لإنكاره الأدلة الثابتة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الدالة على ذلك، وعليه أن يتوب من ذلك توبة نصوحًا، ويعزم على عدم العودة لذلك العمل السيئ، وأن يتبع ما عليه السلف الصالح أهل السنة والجماعة ليفوز برضا الله وجنته ويسلم من عذابه.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله
لاتوجد تعليقات