
تشنّج تعديل مناهج التربية الإسلامية
مناهج المرحلة الثانوية لم يمض عليها بثلاث سنوات فكيف تكون قديمة ولاتواكب الواقع
تغيير المناهج لايمكن أن يتم بحسب أهواء بعض الاتجاهات، ومناهجنا تعالج معالجة تربوية وتعزز الوسطية والاعتدال
لفت انتباهي مقال رئيس مجلس إدارة مجموعة الراي الإعلامية الأخ جاسم بودي، الذي عنونه بـ:(تعديل مناهج الدين... من دون تشنج)، وفرض نفسه لأمرين، الأول: لأنه يتعلق بمناهج التربية الإسلامية وهي القضية التي تشغل اهتمامنا ومتابعتنا، وسبق أن وجهنا أسئلة لوزير التربية حولها ولم نغلق موضوعها بعد، والثاني: أن كاتب المقال هو جاسم بودي صاحب المقالات المؤثرة في كثير من الأحيان.
وقبل أن أعلق على المقال المذكور، أود ان أسرد باختصار حكاية الوزير مع المناهج؛ فاللافت للنظر أن الدكتور بدر العيسى أعلن نيته تغيير مناهج التربية الإسلامية منذ اليوم الأول لتسلمه زمام الوزارة، ونشرت عنه الصحف تصريحه بتاريخ 27 /10/ 2014م قوله: «كل وزارة تحتاج نفضة.. وملف المناهج على رأس أولوياتي في وزارة التربية»!
وبدأ بعد ذلك بخطوات عملية لتغيير مناهج التربية الإسلامية واللغة العربية، فكوّن لجنة - بحسب تصريحه - من مسؤولي الوزارة وعدد من المستشارين، وبدأ «تنقية» منهج التربية الإسلامية، عن طريق بحث الآيات والأحاديث التي تدعو للتطرف - بزعمه - والتفسير السلبي لها!.. وهذا الأمر يجعلنا نتساءل ما إذا كان العيسى دخل الوزارة بأيديولوجية فكرية وأجندة يريد أن يفرضها، ومن أبرز بنودها تغيير مناهج التربية الإسلامية، والآيات والاحاديث الموجودة ضمن مناهج اللغة العربية!
والغريب أن اللجنة «المجهولة» التي كونها الوزير لبحث مناهج التربية الإسلامية ليس من بينهم التوجيه الفني لمادة التربية الإسلامية وهم أهل الاختصاص!!
لجنة المناهج
نحن لسنا ضد تطوير المناهج الدراسية لمصلحة العملية التعليمية، الأمر الذي ينعكس على تطور البلد عموما، إلا أن ذلك يجب أن يكون لجميع المناهج لا التربية الإسلامية على وجه الخصوص! كما يجب أن يأتي من التواجيه الفنية للمواد أهل الاختصاص، لا من لجنة مجهولة الأعضاء والميول والاتجاهات!
التغيير يكون حينما تدعو إليه الحاجة، والحاجة يحددها أهل الميدان، ويتم التغيير عن طريق لجان مختصة يشرف عليها توجيه التربية الإسلامية!
وأؤكد على ما ذكره الأخ بودي في مقاله فـ«نحن نرفض أن نكرر كالببغاوات فرضية أميركية وأوروبية تعلق كل التطرف الإسلامي على شماعة المناهج الدينية، ومن يكرر هذه الفرضية من العرب والمسلمين لا يريد أن يستخدم عقله؛ فيلجأ إلى الاستسلام الدائم لـ«الآخر» كي يحل عنه ويحل مشكلاته»، وما الأحداث المتسارعة وتتابع تصريحات الوزير إلا دليلا قاطعا على إيمانه بفرضية تعلق كل التطرف على شماعة المناهج!.
جنوح للتطرف
وإن كان المقال المذكور لا يبرئ مناهج الدين من بعض المسؤولية في جنوح كثيرين للتطرف، فإن الواقع يثبت عكس ذلك الاتهام، فحالات التطرف الفردية المعدودة إن وجدت لم ترتبط بالمناهج، بل بمواقع الشبكة العنكبوتية مجهولة المصدر، يتابعها الشاب فيتأثر بها، ويؤمن بأفكارها، ويترجمها تطرفا فرديا يرفضه الدين والقانون، ومناهج التربية الإسلامية الجديدة!
وبالمناسبة فالتطرف لا يعرف دينا ولا مذهبا، فهل المتطرفون من الأديان أو المذاهب الأخرى كانوا بسبب مناهج التربية الإسلامية في الكويت؟! أجزم أن العقل والمنطق يرفض هذا الزعم.
وإذا كانت القاعدة تؤكد أن «الحكم على الشيء فرع عن تصوره»، فلا بد من معرفة أن مناهج التربية الإسلامية للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة لا إشكال فيها، وإنما ما يتصوره بعضهم إشكالا بفهمه هي مناهج المرحلة الثانوية، وأستغرب ممن يزعم أنها قديمة ولا تواكب الواقع! فمناهج المرحلة الثانوية لم يمض على العمل بها ثلاث سنوات، وفي التفصيل: نجد أن منهج الصف الثاني عشر تم العمل به هذا العام 2014 /2015 للمرة الأولى، وعُمِلَ بمنهج الصف الحادي عشر في العام الدراسي الماضي 2013 /2014، ومنهج الصف العاشر تم العمل به في العام الدراسي 2012 /2013، فبالله عليكم كيف تكون هذه المناهج قديمة؟! وهناك مناهج مواد أخرى أكثر قدماً منها لم يتعرض لها الوزير ولا مستشاروه!
أضف إلى ذلك أن مناهج التربية الإسلامية هي الوحيدة التي تستخدم مهارات التفكير العليا، منهج الكورت، في كتبها الدراسية، وهو من المناهج التربوية الحديثة التي تعتمد على التفكير والمناقشة والإبداع الذهني، بدلاً من أسلوب الحفظ والتلقين، وما مؤتمر (شغف التفكير) الذي تم في الشهر الماضي برعاية وكيل الوزارة وتنظيم توجيه التربية الإسلامية عنا ببعيد، فقد عرض نتيجة تطبيق مهارات الكورت في مناهج التربية الإسلامية وأثر ذلك على الطلبة، والنتائج كانت مذهلة.
لجان فنية متخصصة
بعد أن عرفنا أن المناهج حديثة وليست قديمة، بقي أن نتفق على أمر منطقي جداً، وهو أن أي تغيير ينبغي ألا يكون بعيداً عن التوجيه العام لمادة التربية الإسلامية، ونرفض أن تأتي لجنة بـ«البراشوت» لتقيّم مناهج التربية الإسلامية وهي غير مختصة لا بالمناهج ولا بالتربية الإسلامية والشريعة الغرّاء!.
لماذا الإسلامية خصوصاً
ثم يحق لنا أن نتساءل.. لماذا هذا التشنج مع مناهج التربية الإسلامية بالذات؟ رغم أنها الأحدث تأليفاً، لماذا الإصرار على تغيير مناهج اعتمدت لجان التأليف فيها مبدأ الوسطية في كتبها للمراحل الدراسية المختلفة؟ ما الذي طرأ على المناهج لتستحق التغيير؟
لجان التأليف تجنبت الخلافات، وبعدت عن المغالاة والتطرف، ودعت إلى وحدة الصف، ففلسفة بناء المناهج الدراسية الحالية قامت على جملة من الأسس الرامية إلى جعل الدروس أكثر جذباً وتشويقاً، وأيسر فهماً واستيعاباً وتطبيقاً عملياً في الحياة اليومية.
تعزيز منظومة الأخلاق
إن الزعم ببروز كثير من مظاهر التطرف والغلو في المجتمع على إطلاقها دعوى باطلة، وبدلا من أن نفترض أموراً ونبني عليها، فلنتكاتف من أجل تعزيز منظومة الأخلاق والقيم التي بدأت تتفلت من شبابنا، وهذه بالفعل هي الظاهرة التي تستحق أن تحمل محمل الجد، وتأخذ الاهتمام اللائق بها، جرائم القتل، المشاجرات، المخدرات، الشبو، التشبّه بالجنس الآخر، عقوق الوالدين، معاكسات كلا الجنسين للآخر، الدعوة إلى شرب الخمور والسماح بها وغيرها من الظواهر السلبية الغريبة على مجتمعنا، ويرفضها ديننا وعاداتنا الكويتية الأصيلة، هذه التي يجب أن نعالجها في مختلف المناهج الدراسية، حتى العلمية منها.
وختاماً، فالقضية مستحقة، ولاسيما بعد التشنج الملحوظ من الطرف الداعي لتغيير مناهج التربية الإسلامية! هذه المناهج التي تم عرضها على أهل الميدان، وعقدت من أجلها حلقات نقاشية، وتم حصر الأخطاء المطبعية فيها ليتم تداركها في الطبعات الجديدة.. فتغيير المناهج لا يمكن أن يتم بحسب أهواء بعضهم أو الاتجاه السياسي لآخر، فهي مناهج تعالج معالجة تربوية وتعزز الوسطية والاعتدال.
حفظ الله الكويت وشعبها من كل مكروه، ووفّق القائمين على هذا البلد إلى تطبيق شرعه الحكيم؛ فالاستقرار والأمان في تطبيق شريعة الرحمن.
لاتوجد تعليقات