رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د. ثاني عبدالحميد ألاحو 21 مارس، 2019 0 تعليق

ترشيد الخطاب الدعوي الإعلامي (1)

الدعوة هي: تبليغ الناس جميعا دعوة الإسلام، وهدايتهم إليها قولا وعملا في كل زمان ومكان، بأساليب تتناسب مع المدعوين على مختلف أصنافهم وعصورهم، قال -عليه الصلاة والسلام-: «من دعا إلى هدى، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا، ومن دعا إلى ضلالة، كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه، لا ينقص ذلك من أوزارهم شيئا»؛ فعلى ضوء هذا الحديث الشريف يمكن القول إن هناك دعوتين: دعوة إلى خير، ودعوة إلى شر، والدعوة إلى الخير هي المقصود هنا.

مفهوم الخطاب الدعوي

     هو مخاطبة الناس ودعوتهم إلى التوحيد ودين الحق دين الإسلام، ويتنوع بحسب حال المخاطبين وزمانهم ومكانهم، وبحسب حال الداعي، فتكون بالقول وبالفعل وبالقدوة الحسنة، أو هو البيان الذي يستهدف إفهام الناس الدين الإسلامي الحقيقي، وحثهم على الالتزام بتعاليمه وأحكامه عملا وقولا.

فإيصال الخطاب الدعوي إلى الجمهور يتم عن طريق وسائل الإعلام، وهي تختلف من زمن إلى آخر؛ فوسائل الإعلام في الحاضر قد تطورت كثيرا عما كانت عليه في الماضي، ويلزمنا الاهتمام بها وتطويرها لتواكب تغيرات العصر.

مواصفات الخطاب الدعوي في القرآن والسنة

لينجح الخطاب الدعوي، لابد أن يتسم بأمور:

الحكمة

أ- أن يكون بالحكمة واختيار أحسن الوسائل في إيصال الدعوة إلى المدعوين، قال الله -تعالى-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (النحل:125).

أسس علمية

ب- أن يبنى على أسس علمية سليمة ومعارف صحيحة لبلوغ نتائج مميزة؛ امتثالا لقوله -تعالى-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف:108).

القوة والوضوح

ج- أن يتسم بالقوة والوضوح، لقوله -تعالى-: {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} (مريم:12)، وقال -عليه الصلاة السلام-: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير»، فتمتع الخطاب الدعوي بالقوة في إطار الحكمة الرشيدة له أثر كبير في نفس المتلقي.

الرفق واللين

د- أن يتخلق بالرفق واللين حتى مع المخالف في الرأي والعقيدة، قال -تعالى-: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى (43) فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى (44)} (طه)، وفي حديث أبي موسى الأشعري -]- قال: بعثني رسول الله -[- ومعاذ بن جبل إلى اليمن فقال: «بشرا ولا تنفرا، ويسرا ولا تعسرا»، وقال -عليه الصلاة والسلام-: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله»، وقال: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه».

التنوع

هـ- ضرورة التنوع في استخدام وسائل إيصال الخطاب الدعوي، فعلى سبيل المثال: من خطبة في المسجد إلى درس أو محاضرة في الإذاعة، فموعظة في مكان عام أو مجلس من المجالس.. إلخ.

عدم الرتابة

و- عدم الرتابة في وتيرة الإلقاء؛ فينبغي في الخطاب الدعوي ألا تكون النغمة واحدة ومستوى الصوت واحدا، وإنما الأفضل خفض الصوت ورفعه، مع مراعاة مصاحبة ذلك بحركات الجسد المناسبة للموقف.

عدم الإكثار

ز- عدم الإكثار من إلقاء الخطبة في كل وقت وحين حتى لا يمل المستمعون؛ ففي الصحيحين من حديث الأعمش عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: «كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتخولنا بالموعظة في الأيام مخافة السآمة علينا».

أحوال الناس

ح- ضرورة مراعاة أحوال الناس؛ فالداعية رسول للناس، يخاطبهم ولا يخاطب نفسه، فكان لزاما عليه أن يراعي أحوالهم ومستوياتهم الفكرية والمعرفية والاجتماعية والبيئية، ولنا في المصطفى -عليه السلام- خير مثال؛ حيث إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يجيب عن سؤال واحد بإجابات مختلفة، فهذا يحثه على الصلاة، وآخر يأمره ببر الوالدين، والثالث بالجهاد؛ وهكذا كل حسب حاجته، وهو نهج صحابته -رضوان الله عليهم أجمعين.

مآلات الأمور

ط- مرعاة مآلات الأمور: فذلك معتبر مقصود شرعا سواء كانت الأفعال موافقة أم مخالفة؛ لأن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد النظر إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل من مصلحة تستجلب أو مفسدة تدرأ.

مراحل الخطاب الدعوي

تنقسم إلى ثلاث مراحل:

- المرحلة الأولى: مرحلة الاستكشاف: وتبدأ بدراسة استكشافية لمعرفة طبيعة المجتمع الذي تتوجه إليه الدعوة، ونوعيات الجماهير المستهدفة، ومستوياتهم الفكرية، وحالاتهم الاقتصادية، وأوضاعهم الاجتماعية، وآمالهم وآلامهم، وطبيعة النظام الذي يحكم حياتهم، ونوعية المعارف السائدة بينهم، وذلك من خلال منهج علمي سليم، وأدوات بحثية ملائمة، وطاقات بشرية متمكنة.

- المرحلة الثانية: مرحلة التخطيط: يتم فيها وضع الخطة موضع التطبيق العلمي، آخذين في الاعتبار المتغيرات التي تكفل الوصول للجماهير وتزويدها بالحقائق، ومتابعة كل جديد يطرأ على أوضاعها، وتوظيف الوسيلة الإعلامية التي تصلح لكل واحدة من الشرائح الجماهيرية المستهدفة لتحقيق الغرض المطلوب.

- المرحلة الثالثة: مرحلة التقييم: يتم فيها تقييم ما تم إنجازه من أهداف الخطة، وما حصل فيها من نقص، وتقديم المقترحات التي تعالج جوانب الخلل، وتدفع عجلة العمل، وتحقق استمرارية النشاط الفعال والأداء المثمر.

سلبيات الخطاب الدعوي

ألا يكون مواكبا لتطورات العصر وظروفه وحاجة الأزمان وطبيعة الأماكن؛ فمن الحكمة مخاطبة الناس على حسب عقولهم وظروفهم وأماكنهم، وفيما يلي بعض سلبيات الخطاب الدعوي:

أ- الافتقار إلى الحكمة

فعلى الداعي أو الخطيب عند تناول موضوع ما أن يتحلى بالحكمة، وإذا عدمت فسيحصل إقصاء بين الناس؛ لأن كل طرف سيسعى للانتصار لنفسه، وهذا بعيد عن هدي المصطفى - صلى الله عليه وسلم .

ب- إغفال وسائل الإعلام الحديثة

     يلاحظ استخدام وسائل الإعلام التقليدية في الخطابات الدعوية، وهذا يعطي نتائج أقل من المرجوة؛ حيث إن وسائل الإعلام الحديثة ووسائل التواصل الاجتماعي تحظى باهتمام ومتابعة أكثر من الوسائل التقليدية؛ فيجب الجمع بين الوسيلتين القديمة والحديثة للخروج بمردود مرض.

ج- عدم التنسيق

انعدام التنسيق بين المشتغلين في المجال الدعوي، يؤدي إلى قيام بعض الدعاة بخطابات ارتجالية، وقد يؤدي ذلك إلى إلقاء خطابات غير مخطط لها فتأتي النتائج عكسية، والله المستعان.

د- التشهير

     ومما يندى له الجبين أن يتحول الخطاب الدعوي إلى خطاب تشهير؛ حيث يقوم الداعي في إنكاره لمعصية ما بالتصريح باسم المخطئ أو ذكر بعض القرائن الدالة عليه، وهذا ليس من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم-؛ فإن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقول عند إنكاره المنكر: «ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا»، دون التصريح باسم ذلك الشخص رغم علمه به، ولا ريب أن نتائج مثل هذا الأسلوب تكون مثمرة ومقبولة.

هـ- المرجعية الشرعية وتحكيمها

     الخطاب الدعوي الناجح يجب أن تكون مرجعيته شرعية توقيفية؛ فمن الخطأ الانشغال بإثارة قضايا تعد من المسلمات والثوابت؛ فعلى الداعي الرجوع إلى الله ورسوله عند التنازع، لقول الله -تعالى-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء:59).

و- عدم الشمولية

     ينبغي أن يكون الخطاب الدعوي شاملا فئات الناس جميعا؛ لأن الأمر الذي ندعو الناس إليه هو الإسلام، والإسلام دين عالمي، قال -تعالى-: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (سبأ:28)، كما نعني بذلك أيضا: الشمولية في طرح الموضوعات واستخدام الأساليب.

ح- عدم تقويم الأداء

     إن تقويم الأداء في كل ما يقوم به المرء مهم جدا، وبما أن العمل الدعوي أشرف عمل يقوم به الإنسان، فلا بد من تقويم أدائه، وذلك بوضع الأهداف الواضحة أولا، ثم تحديد الوسائل المناسبة للوصول إليه، ثم تقييم ما تم القيام به للاستمرار على الجيد وتصحيح الخطأ.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك