رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: القاهرة - (الفرقان): محمود الشرقاوي 18 ديسمبر، 2012 0 تعليق

بعد عام على تنفيذ المبادر الخليجية .. مصير الحوار الوطني على المحك- اليمن يواجه المخاض الصعب

 راهن اليمنيون طويلا على قدرة المبادرة الخليجية على تسوية الأزمة بين الرئيس السابق علي عبد الله صالح وخصومه وأنها ستكتب النهاية لهذه الأزمة التي اشتعلت لأكثر من عام، إلا أن نتائج هذه المبادرة بعد عام من توقيعها لم تحقق الكثير لليمنيين، فرغم أن هذه المبادرة أجبرت صالح على التخلي عن الحكم وأوصلت رئيس توافقي هو عبد ربه منصور هادي لسدة السلطة وأفضت إلى تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة باسندوة وأوقفت شلالا من الدماء وقطعت الطريق على تكرار السيناريو الليبي أو السوري، إلا أن المحصلة النهائية لهذه المبادرة لا تبدو مرضية لقطاع واسع من اليمنيين حتى الآن ولا سيما أنها لم تتعاط بشكل إيجابي مع مجمل القنابل الموقوتة المسيطرة على المشهد اليمني ولم تقدم حلولا لأزمة البلاد المزمنة ومنها الوضع في الجنوب والتوتر في صعدة.

نفوذ وهيمنة

     حتى إن الإيجابية الوحيدة لهذه المبادرة وبحسب قطاع عريض من اليمنيين المتمثلة في تخلي صالح عن السلطة، واجهت حملة تشكيك في صفوف قطاع عريض من الشعب اليمني ولا سيما من جهة استغلاله لهذه المبادرة   للبقاء   بعيدا عن سيف الملاحقة القضائية عن التهم الموجهة إليه خلال سنوات حكمه هو وعدد من المقربين منه ومسؤولون نافذون في الأجهزة الأمنية، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى احتفاظه بدرجة عالية من النفوذ في مؤسسات الحكم كونه مازال يترأس حزب المؤتمر الشعبي العام الشريك الرئيس في حكومة باسندوة وهو نفوذ آمن له وللمقربين أدى دوراً في إشاعة أجواء من الاضطراب والفوضى عرقلت مساعي الرئيس هادي لتنفيذ بنود المبادرة الخليجية وفي مقدمتها إعادة هيكلة الجيش اليمني وتسوية الخلافات مع الحوثيين في الشمال والحراك في الجنوب.

 تعثر الهيكلة

     وكان تعثر ملف إعادة هيكلة الجيش اليمني واستمرار سيطرة مقربين قد قدم دلالة على الصعوبات التي تواجه هذه المبادرة، فما زال أركان حكم صالح يسيطرون على الجيش وفي مقدمتهم نجله أحمد قائد الحرس الجمهوري ونجل شقيق صالح المهيمن على قوات الأمن المركزي؛ حيث فشلت محاولات مؤسسة الرئاسة في الإطاحة بهما وتمهيد السبيل أمام إعادة بناء الجيش اليمني وفق أسس وطنية؛وهو الأمر الذي عزاه مهتمون بالشأن اليمني إلى ضغوط إقليمية ودولية تمارس على الرئيس هادي ولا سيما من الجانب الأمريكي في ظل ارتباط نجل صالح بصلات وثيقة مع جهات أمريكية في إطار الحرب على الإرهاب  التي بدأت مع الأجهزة الأمريكية منذ إسقاط المدمرة الأمريكية وتصاعد أنشطة تنظيم القاعدة في الأراضي اليمنية.

 دعم دولي

     ومن جانبها لم تترك قوى المعارضة اليمنية وفي مقدمتها قوى الحراك الجنوبي استمرار هيمنة نجل صالح وابن شقيقه على المؤسستين العسكرية والأمنية لتمر مرور الكرام، بل سعت لخلق رأي عام يؤكد أن الأوضاع ما زالت على حالها بعد تنحي صالح فما لازال حزبه ورجاله ونهجه في إدارة الملف اليمني يسيرون على المنوال نفسه ولم يؤد وصول رئيس ورئيس وزراء جنوبيين إلى السلطة لإحداث اختراق مهم في مجمل الهم اليمني لدرجة أن هناك اتهامات لصالح بالتعاون مع قوى إقليمية ودولية في الضلوع في مؤامرة تغض الطرف عن تطلعات الشعب الجنوبي المشروعة لاستعادة دولته والتقليل من مطالب الحراك بالانفصال وإنهاء دولة الوحدة، وهو ما شكل عقبة كبيرة حتى الآن أمام إتمام عدد من الاستحقاقات الخاصة بهذه المبادرة وعلى رأسها الحوار الوطني الذي تم تأجيله لأكثر من مرة بأسباب وذرائع مختلفة.

 تجاهل تام

     واستمرت قوى الحراك الجنوبي في وضع العقبات أمام إمكانية حضور مؤتمر الحوار متمسكة بضرورة انتزاع اعتراف جميع الأطراف اليمنية بعدالة قضيتهم وحقهم في الانفصال واستعادة دولتهم التي سلبها منهم صالح وحكمه الاستبدادي الذي أمعن في تهميشهم وممارسة أقصى أنواع التمييز ضدهم، ولكن نزعة الجنوبيين الانفصالية لم تجد آذانا مصغية لدى أغلب مكونات الشعب اليمني ولا القوى الإقليمية ولا الدولية، فجميع التحركات داخل الساحة اليمنية تجري في إطار الحفاظ على وحدة البلاد ومنع العودة لخيار تقسيمها لشطرين، وهو أمر أعلن عنه المبعوث الأممي للأزمة اليمنية السفير جمال بن عمر في عدة مرات وكان آخرها خلال لقائه برموز قوى الحراك والمعارضة الجنوبية في القاهرة وهو ما دفع بالبعض للتأكيد أن المنظمة الدولية تتعامل مع تطلعات الجنوبيين لاستعادة دولتهم بشيء من هذه الاستخفاف.

فيدرالية ووحدة

     بل إن هذه التطورات وصعوبة انتزاع موقف مؤيد من عدد من القوى الإقليمية والدولية لخيار الانفصال قد خلفت نوعا من الانقسام داخل الساحة الجنوبية فيما بين داعم للانفصال ومتمسك به وبين القبول بين الفيدرالية مع صنعاء أو إمكانية إعادة هيكلة دولة الوحدة، فهناك تيار متنامي النفوذ داخل الجنوب يؤمن بإعادة بناء الوحدة وفق معايير جديدة كما يؤكد الدكتور عبد الله الأشعل أستاذ العلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية بالقاهرة في ظل غياب شمس صالح وتراجع نفوذ الفريق الموالي داخل مؤسسات الدولة النسبية، وهو أمر قد يمهد السبيل لخيار استمرار البلاد موحدة.

     وتابع: عدم وجود دعم إقليمي ودولي لخيار الانفصال خلق صعوبة أمام استعادة الجنوبيين لدولتهم ولا سيما أن دول الجوار الخليجي ومنها المملكة العربية السعودية والتي كانت له، تحفظ على دولة الوحدة صارت من أكبر الداعمين لها بل ووصلت إلى توافق مع القوى الكبرى على ضرورة الحفاظ على دولة الوحدة باعتبار أن انفصال الجنوب قد يفتح الباب أمام متغيرات منها تنامي نفوذ تنظيم القاعدة وتشكيله خطرا على بلدان المنطقة انطلاقا من الجنوب الذي يحظى فيه بنفوذ كبير.

     ويرى الأشعل أن مشكلة الجنوب رغم ذلك تبقى من المشكلات الحيوية التي تعرقل إتمام الحوار الوطني حيث تحتاج لنوع من التوافق الوطني، لضمان إيجاد تسوية لها تلبي رغبات جميع الأطراف وتحفظ مصالحها ولا سيما أن أي انفصال للجنوب سيدشن دخول البلاد لأزمات متعددة اقلها احتمالات انتشار عدوى الانفصال لمناطق أخرى في اليمن، وهو ما يجب أن تحاول القوى الوطنية منعه عبر الحوار الوطني رغم ما يثار عن غموض موقفه وتأجيله لأكثر من مرة. 

ظلال قاتمة

     ورغم مراهنة القوى الوطنية في اليمن على هذا المؤتمر بوصفها قاطرة لإعادة الاستقرار للبلاد إلا أن تأجيل هذا الحوار   عدة مرات وإعلان أغلب القوى الجنوبية مقاطعتها له قد ألقى بظلال قاتمة على مستقبل هذا الحوار ووضع عددا من علامات الاستفهام حول مصيره في ظل صدور تصريحات من الناشط الجنوبي أحمد الربيزي تؤكد أن المبادرة الخليجية جاءت لتسوية الصراع على السلطة في صنعاء ولا تعني إلا من وقع عليها فنحن لسنا طرفا فيها، مناشدا القادة الخليجيين طرح مبادر يمنية لتسوية الثورة المشتعلة في الجنوب منذ 2007 ولكن رغم هذه الأجواء فهناك من يتحدث عن إمكانية أن تؤتي الضغوط الدولية على الجنوبيين أكلها وتدفعهم للتراجع عن مقاطعتهم   لهذا المؤتمر الذي ينظر له من أطر عديدة على أنه الفرصة الأخيرة لليمنيين.

أزمة وتدخلات

     ولا تقف المشكلات التي تجابه اليمنيين في الذكرى الأولى للمبادرة الخليجية عند هذا الحد، فالأوضاع داخل منطقة صعدة ما زالت على حالها، فالحروب الست التي شنها صالح على الحوثيين تركت تداعيات سلبية في المنطقة في ظل ما يتردد عن استمرار الدعم الإيراني لهم مستغلين انشغال مؤسسات الدولة اليمنية بإعادة بناء البلاد وإصلاح القطاعات الخدمية والبنية الأساسية، وهو انشغال جعلها لا تولي المنطقة الاهتمام التام ولا ترصد هذا التدخل بشكل واضح ولا تسعى للدخول في أزمة مع الحوثيين في ظل حرصها على الوصول لتسوية معهم في ظل عدم تبنيهم موقف متشدد من الحوار الوطني وعزمهم على المشاركة سعيا لتفكيك أزمتهم وصياغة دستور يراعي حقوقهم، إعداد البلاد لانتخابات برلمانية ورئاسية في عام 2014.

عقبات متعددة

     وتمتد العراقيل أمام تنفيذ بنود المبادرة الخليجية لقضايا الوضع الداخلي إلى مناحي عدة، فحكومة الرئيس هادي لم تنجح في تحقيق اختراق مهم على الصعيدين الاقتصادي والخدمي في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية وعدم قدرة الدولة على تبني مشروعات قادرة على التصدي للمشكلات المزمنة مثل اتساع حزام الفقر لدرجة جعلت اليمن يتصدر قائمة الدول العربية الأكثر فقرا، فضلا عن انهيار البنى التحتية وتراجع الخدمات، وهي مشاكل يحمل الكثيرون مسؤوليتها لفلول نظام صالح الساعين بقوة لإفشال جهود حكومة باسندوة لاستعادة الأمن وضخ الدماء في عروق الخدمات الضرورية من خلال سيطرتهم على جميع مفاصل الدولة وحرصهم على إبقاء الانفلات الأمني ودعم بعض العمليات الإرهابية لتشويه صورة الرئيس هادي وحكومته.

     وفي ظل هذه الأجواء المعقدة باليمن فإن المشهد السياسي هناك وبعد عام من المبادرة لا يخلو من إيجابيات، فيكفي رحيل صالح ووصول رئيس يحظى بالتوافق الوطني وحكومة ائتلافية رغم الانتقادات الموجهة لها، إلا إنها نجحت في تحقيق بعض الإنجازات منها العمل على استعادة الأمن وإنهاء حالة الاستقطاب الشديد في الشارع اليمني ووقف محاولات تخريب بنيان الدولة ومنع انجرارها لحرب أهلية، وهي نجاحات وإن كانت محدودة إلا أنه يمكن البناء عليها لتوفير جميع سبل النجاح للحوار الوطني والمأمول منه العبور بالبلاد من حالة عنق الزجاجة التي يعاني منها منذ سنوات.

الطريق الصحيح

     إلا أن وجود بعض التفاؤل لا ينفي وجود حزمة من القرارات التي ينبغي على الرئيس هادي اتخاذها لينجح هذا الحوار، وذلك كما يؤكد الدكتور السيد عوض عثمان لدفع قوى الحراك الجنوبي للتراجع عن تأكيدهم المستمر على مقاطعة الحوار الوطني المعتزم عقده خلال ديسمبر، ومنها ضرورة إبعاد نجل صالح أحمد من قيادة الحرس الجنوبي وتكرار نفس الأمر في الأمن المركزي، ونبه إلى أهمية الوصول لتسوية مع الحوثيين لتأمين مشاركتهم بإيجابية في الحوار الوطني والاستعانة بأطراف غربية وخليجية لدفع الجنوبيين للتخلي عن نزعتهم الانفصالية والقبول بشراكة وطنية ضمن يمن موحد، وهي خطوات ستؤمن النجاح لهذا المؤتمر وستجعله يضع اليمن على الطريق الصحيح.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك