رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 8 مارس، 2015 0 تعليق

بعد سنوات من الجهود الطوعية – مجلس الأمة الكويتي يوافق على قانون جمع السلاح غير المرخص

تعاني دولة الكويت منذ تحريرها من الغزو العراقي عام 1991 ظاهرة انتشار السلاح غير المرخص؛ حيث خلَّف الغزو كميات كبيرة من الأسلحة بمختلف أنواعها، ولاسيما الخفيفة

وافق مجلس الأمة الكويتي نهاية يناير الماضي على قانون جمع السلاح غير المرخص، وأعطى فرصة أربعة أشهر للتسليم الطوعي للأسلحة والذخائر والمفرقعات غير المرخصة، وفي هذا السياق قال نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد: إن مهلة الأشهر الأربعة الواردة في المادة السادسة من القانون في شأن الإعفاء من العقوبة لمن يبادر بتسليم سلاحه ستواكبها حملة إعلامية لإسداء النصيحة لمن يحمل هذه الأسلحة بأن يسلمها إلى الوزارة في أي محافظة وبكل سرية و دون أن يذكر اسمه «ولو بلّغ عن ذلك باتصال هاتفي فالوزارة مستعدة للتواصل وتسلَّم ما لديه بسرية».

وأكد وزير الداخلية أن خصوصية المجتمع الكويتي وعاداته وتقاليده لا تسمح بانتهاك حرمة المنازل؛ ومن هذا المنطلق أعدت وزارة الداخلية كوادر نسائية لتفتيش المنازل.

     ولا شك أن الوقوف بقوة أمام هذه الظاهرة الخطيرة أصبح ضرورة ملحة، ولاسيما بعد تزايد موجة «العمليات الإرهابية» في العالم، ورواج عمليات التهريب للأسلحة، وتطور أساليب الجريمة وأدواتها؛ مما أدى إلى ترسخ مفهوم امتلاك السلاح الشخصي لدى شريحة كبيرة من أفراد المجتمع، بل والمتاجرة فيه بالخفاء.  

     وقد نشر مركز الجزيرة للدراسات تقريرًا متميزًا للباحث محمد بدري عيد المتخصص في الشؤون الخليجية سلِّط فيه الضوء على أبعاد مصادقة مجلس الأمة الكويتي على قانون جمع السلاح غير المرخص، ورصد من خلاله الأسباب المحفزة لذلك، ولاسيما المستجدات الأمنية في البيئة الإقليمية في المنطقة عمومًا وفي الدول المجاورة لدول الخليج العربي خصوصاً.

      وبحث التقرير المخاطر الإقليمية الراهنة وتداعياتها المحتملة على الأمن الوطني في دولة الكويت، والاستراتيجيات المستقبلية لتحصين الداخل الكويتي في مواجهة تعاظم التحديات والتهديدات الأمنية الإقليمية، وفيما يلي استعراض لأهم وأبرز ما جاء في هذا التقرير:

تاريخ السلاح غير المرخص في الكويت:

تعاني دولة الكويت منذ تحريرها من الغزو العراقي عام 1991 ظاهرة انتشار السلاح غير المرخص؛ حيث خلَّف الغزو كميات كبيرة من الأسلحة بمختلف أنواعها، ولاسيما الخفيفة.

     وقد حاولت الحكومات الكويتية المتعاقبة جاهدة سنَّ قانون لجمع السلاح غير المرخص، لاسيما في مرحلة ما بعد التحرير من الغزو العراقي عام 1991؛ فقد صدر المرسوم الأميري بقانون رقم 94 لسنة 1992، الذي نظَّم إجراءات التفتيش الخاصة بضبط الأسلحة والذخائر والمفرقعات المحظورة، وأجاز المرسوم بقانون للنائب العام أو المحامي العام أو رئيس النيابة الإذن لرجال الشرطة بتفتيش الأشخاص والأماكن ووسائل النقل العام والخاص إذا ما دلَّت التحريات الجدية على حيازة أسلحة أو ذخائر ومفرقعات، غير أن هذا التشريع حدَّد هذه الصلاحية لمدة عامين فقط.

      كما حصر المرسوم حيازة السلاح المرخص في المواطنين الكويتيين فقط، ووضع ضوابط تتعلق بسِنِّ طالب الترخيص ولياقته البدنية وحسن سيرته وسلوكه وسجله الجنائي، وحدَّد مدة سريان الترخيص بعام واحد، على أن تتم مراجعة تلك الشروط عند تجديد الترخيص.

     ورغم صفته المؤقتة وقِصر مداه الزمني؛ فقد حقَّق هذا المرسوم بقانون نتائج إيجابية في جمع الأسلحة والذخائر والألعاب النارية؛ حيث شكَّلت الحكومة الكويتية قوة لجمع السلاح الذي خلَّفه الغزو العراقي، ومارست هذه الفرقة المشكَّلة من المباحث الجنائية التابعة لوزارة الداخلية عــملها لمدة تجاوزت 8 سنوات، تم خلالها جــــمع ما يقـــارب 85 ألف قطعة سلاح متنوعة مـــن مسدســــات ورشاشات، ناهيك عن الذخائر.

      وفي الإطار ذاته، صدر القانون رقم 4 لعام 2005 بشأن إجراءات التفتيش الخاصة بضبط الأسلحة والذخائر والمفرقعات المحظور حيازتها أو إحرازها، وتم بمقتضاه إنشاء قوة جديدة لجمع السلاح، وحُدِّدت اختصاصاتها في إجراء التحريات وتفتيش الأشخاص والمساكن والأماكن ووسائل النقل العام والخاص، وتسلُّم المضبوطات وعرضها على الجهات المختصة، واتخاذ الإجراءات التي تحول دون وجود هذه الأسلحة والذخائر من دون تصريح وفق الاشتراطات المطلوبة.

     غير أن هذه الجهود الحكومية ظلَّت محدودة النتائج؛ بسبب معارضة بعض أعضاء مجلس الأمة، الذين عدوا القوانين المتعلقة بجمع السلاح، بما تتضمنه من منح صلاحيات لرجال الأمن بالتفتيش بحثًا عن السلاح المخالف، ربما تمثل انتهاكًا لحرمة المنازل وانتقاصًا من الحريات.

وبالتالي، تُرك أمر جمع السلاح، منذ ذلك الحين، ليكون طواعية لمن يرغب بتسليم ما لديه من أسلحة إلى الجهات المختصة.

 

ظاهرة مقلقة لا تجارة سلاح

     من الملاحَظ أنه على الرغم من أن انتشار الأسلحة الخفيفة والصغيرة في دولة الكويت أصبح بمرور الوقت يمثل ظاهرة مقلقة وخطيرة أمنيًّا واجتماعيًّا، إلا أنه لم يتحول إلى تجارة رائجة للسلاح. وربما يُعزَى ذلك إلى أسباب عدة، أهمها:

• صغر المساحة الجغرافية لدولة الكويت، الأمر الذي حال دون حدوث انفلات أمني على نحو يسهِّل من نشوء سوق لتجارة للسلاح.

• يقظة الأجهزة الأمنية الكويتية، وسرعة تحركها، وقدرتها المتواصلة على ضبط الحدود؛ مما أسهم، بدرجة كبيرة في الحد من عمليات تهريب الأسلحة وقلَّصها إلى حدودها الدنيا.

القانون الجديد: الدوافع والمضامين

     ساهمت معطيات محلية وإقليمية عدة في تحفيز جهود الحكومة الكويتية، وحثها على تسريع وتيرة إنجاز قانون جامع للقضاء على ظاهرة السلاح غير المرخص، ويتعلق بعض هذه المعطيات بالأوضاع المحلية، فيما يتصل بعضها الآخر -وربما الأهم- بإفرازات البيئة الأمنية في المنطقة، ولاسيما في بعض دول الجوار المباشر خلال السنوات الأخيرة، وتحديدًا على خلفية ما بات يُعرف بـ(ثورات الربيع العربي).

      وعلى الرغم من أن الجهود الحكومية الكويتية لسَنِّ تشريع لجمع السلاح غير المرخص لم تنقطع على مدى السنوات الماضية وحتى اليوم، إلا أن إمعان النظر في ماهية الظروف الإقليمية الراهنة وما تفرضه من تحديات متعاظمة على الأمن الوطني والجماعي لدول مجلس التعاون الخليجي، يشير إلى أن القانون الجديد الذي أقره مجلس الأمة الكويتي لجمع السلاح والذخائر والمفرقعات غير المصرح بها، جاء ليعكس النظرة المختلفة التي أصبح من المتعين على دول الخليج أن تنظر من خلالها إلى واقع الحال الجديد المثير للقلق في المنطقة.

      وبالتالي؛ يمكن النظر إلى هذا القانون بِعدِّه مؤشرًا على الاستشعار الخليجي لخطورة التطورات الإقليمية وتداعياتها المحتملة على الأمن الوطني لدول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن وخلال المستقبل المنظور وعموما، تتمثل المعطيات المحلية المحفزة لسَنِّ هذا القانون في الآتي:

- ارتفاع معدلات الجريمة المتعلقة بالأسلحة النارية، سواء من ناحية استخدامها في أعمال القتل والانتحار أحيانًا، أم الاستخدام غير المنضبط حتى للسلاح المرخص في المناسبات الاجتماعية ولاسيما الأعراس؛ وكذلك في مخيمات البَرِّ؛ مما أصبح يُنذر بخطرٍ داهم على الأرواح والممتلكات العامة والخاصة على السواء.

      وفي هذا السياق، سجَّلت وزارة الداخلية الكويتية ما يقارب 167 حالة إصابة أو وفاة بطلق ناري خلال الفترة (2000-2005)، و113 حالة في الفترة (2005-2010)، فيما رصدت 21 حالة إصابة أو وفاة في الفترة (2010–2013)؛ وتشمل هذه الإحصاءات حالات الوفيات والإصابات التي أدَّت إلى عجز جزئي أو كلي، فضلا عن الحالات التي يُحجم أصحابها عن تسجيل قضايا لعدم وجود خسائر بالأرواح.

-وقوع حوادث سرقة للذخائر، كما حدث من استيلاء مجهولين في شهر إبريل/نيسان عام 2013، على نحو 35 ألف طلقة وسمَّاعة خاصة بعملية الرماية وأدوات مكتبية وأخرى خاصة بتنظيف الأسلحة من أحد المستودعات الحكومية.
أما على صعيد المعطيات الإقليمية، فهناك عدد من العوامل:  أهمها على الإطلاق:

-استمرار حالة الانفلات والفوضى الأمنية في العراق، ولاسيما مع اجتياح تنظيم ما يُعرف (بالدولة الإسلامية في العراق والشام)، لمناطق واسعة داخل الأراضي العراقية منذ يونيو/حزيران 2014، والخشية من الامتداد الجغرافي لنشاط هذا التنظيم وانتقاله من الحدود مع دولة الكويت، أو إلى داخل الأراضي الكويتية.
وفي هذا الإطار، شدَّد وكيل وزارة الخارجية الكويتية خالد الجار الله على أن «تهديد داعش مباشر وحقيقي لدول المنطقة كلها»، داعيًا إلى ضرورة «أن تعي دول مجلس التعاون الخليجي خطورة هذه التهديدات، وأن تتصرف بما يحقق تحصين جبهاتها الداخلية، ويحقق لها القدرة على مواجهة مثل هذه التحديات الخطيرة والمتزايدة، وذلك من خلال التحرك جيداً على مستوى التنسيق الأمني فيما بينها».

     وحتى قبل ظهور تنظيم (داعش) على واجهة الأحداث الإقليمية، زخرت الصحف ووسائل الإعلام الكويتية بالعديد من الأخبار عن إحباط حرس الحدود والجمارك محاولة تهريب أسلحة وذخائر (بنادق وطلقات) عبر الحدود مع العراق، ولاسيما خلال الفترة من 2011 إلى 2013.

     وانطلاقًا من هذه المعطيات المحلية والإقليمية، بادر مجلس الوزراء الكويتي أواخر شهر أغسطس/آب 2014، إلى اعتماد مشروع قانون (تنظيم جمع الأسلحة والذخائر والمفرقعات) الذي اقترحه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح، وأحاله إلى مجلس الأمة الذي وافق عليه بأغلبية كبيرة في 27 يناير/كانون الثاني 2015.

     وجاءت موافقة مجلس الأمة على هذا القانون خلال زمن قياسي؛ حيث لم يستغرق أربعة أشهر منذ أن اقترحته الحكومة وأحالته إلى المجلس، وربما يعكس التوافق الحكومي النيابي على هذا القانون وسرعة إنجازه، الإدراك المتزايد لنوعية المخاطر وكثافتها والتحديات التي تحملها التطورات الإقليمية على أمن الكويت والمنطقة.

     وفي مؤشر على أهمية هذا التشريع والحرص الحكومي على إنفاذه بحزم وتطبيقه على الجميع دون استثناء، وجَّه نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية الشيخ محمد الخالد الحمد الصباح كتابًا إلى الديوان الأميري دعا فيه أبناء الأسرة الحاكمة للمبادرة بتسليم ما لديهم من أسلحة وذخائر لمراكز جمع السلاح؛ ليكونوا بذلك قدوة للجميع في الامتثال لسيادة القانون.

مزايا القانون الجديد:

     ومن أهم ما يتسم به القانون الجديد مقارنة بالتشريعات السابقة في هذا الخصوص، أنه أصبح قانونًا دائمًا، وليس مؤقتًا، كما تم تغليظ العقوبات الواردة فيه على كل من حاز سلاحًا غير مرخص؛ حيث يعاقب القانون -المشتمِل على 9 مواد- كل من حاز أسلحة أو ذخائر أو مفرقعات غير مرخصة أو محظور حيازتها، بالحبس لمدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة مالية لا تزيد على 10 آلاف دينار كويتي، أو بإحدى العقوبتين، ويُعفى من العقوبة كلُّ من يبادر بتسليم الأسلحة غير المرخصة إلى وزارة الداخلية خلال 4 أشهر من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.

الاستراتيجية المستقبلية لتحصين الأمن الوطني الكويتي:

     وخلص الباحث إلى مجموعة من التوصيات لضمان تفعيل هذا القانون على الوجه الأكمل قائلاً: لا شك في أن قانون تنظيم حيازة السلاح والذخائر والمفرقعات الجديد سوف يكون حجر زاوية في إستراتيجية الكويت لحماية أمنها الوطني في مواجهة ما قد يتهدده من تداعيات ارتدادات حالة الفوضى الأمنية الإقليمية، ولكي تكتمل هذه المنظومة الأمنية على مختلف الصُعد السياسية والاجتماعية والثقافية، لابد من أمور عدة أهمها:

-تعزيز التعاون في مجال أمن الحدود المشتركة، وتقوية التنسيق الأمني والاستخباراتي مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، ومع كل من العراق وإيران، لمواجهة أية محاولات لتهريب الأسلحة.

-مواصلة تقوية إمكانات الأجهزة الأمنية، وتدريب كوادرها البشرية، وبناء قدرات أجهزة معلومات قادرة على رصد كل ما يتصل بقضايا الأسلحة الخفيفة والصغيرة وتحليلها.

-تفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني في دعم الجهود الحكومية، من خلال نشر التوعية الأمنية للمواطنين في مجال مكافحة انتشار الأسلحة والتحذير من مخاطر حيازتها.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك