
بعد زيارة وزير الخارجية السعودي لمصر- دور جديد لمصر يخرج الأسد من المعادلة السياسية في سوريا
الوزير الجبير: المملكة لن تسكت أمام التدخل الإيراني بشؤون المنطقة
التاريخ القديم والمعاصر يؤكد عمق العلاقات بين مصر وسائر دول الخليج
المشروع الإيراني أصبح واضح المعالم في سوريا واليمن ولبنان، وسيمتد ليشمل بقية الدول العربية، إن لم يوقفه أحد
أكد الجبير على وجود اتفاق كامل ورؤية مشتركة بين القاهرة والرياض لحل وإنهاء الأوضاع الملتهبة في البلاد العربية
لا شك أن العلاقات الشعبية المتينة بين أبناء العالمين العربي والإسلامي، وإن تباعدت بهم البلاد، وعملت في بلادهم أيدي الاستعمار منذ قرون بالتقطيع والتفكيك إلا أن عاملي اللغة وقبلها الدين يظلان أقوى من أي عوامل تفكيك وتشظى تم زرعها لتقسيم الوحدة الإسلامية والعربية التي امتن الله بها على هذه الأمة مادامت حافظة لدينه وكتابه.
وفي الوقت الذي تراهن فيه القوى الاستعمارية القديمة والحديثة على حدوث انهيارات وتصدعات سياسية بين الدول العربية والإسلامية تجد الشعوب نفسها منجذبة تلقائياً تجاه التمحور والالتفاف حول هويتها وهمومها المشتركة مما يؤكد عبر التاريخ أن هذه الأمة مهما مرت عليها أنواع المحن ووقع بينها البأس الشديد إلا أنه دائماً هناك رجعة واستفاقة مهما بلغت أسباب الفرقة.
فالعلاقات بين الدول لا تحدده المصالح السياسية الضيقة فحسب، ولا يرسمه الساسة وحدهم الذين هم بطبيعة الحال تدور بهم الأيام ويهبطون ويرتقي غيرهم سدة الحكم في بلادهم، فكلمة السر في هذه النوعية المختلفة من العلاقات الدولية هي (الشعوب)
العلاقات المصرية السعودية.. تحالف دائم وهموم مشتركة
وتأتي زيارة وزير الخارجية السعودي د.عادل الجبير إلى مصر لتلقم حجراً في أفواه استطابت الحديث مؤخراً عن تصدعات في العلاقات بين الشقيقتين مصر والسعودية، وتأتي هذه الأحاديث أقرب إلى التحريش والأمنيات التي يود أصحابها -اليوم قبل غد الرقص من خلال على جثمان الأمة.
وقد تولى الوزير الجديد منصبه في نهاية إبريل الماضي خلفاً للأمير سعود الفيصل، وتأتي زيارته لمصر في مقدمة زياراته لدول العالم، وهي الأولى بالنسبة له إلى مصر التي زارها من قبل مستشاراً للملك عبد الله – رحمه الله- ، ويأتي توليه هذا المنصب بعد عمله لفترة طويلة بالولايات المتحدة الأمريكية سفيراً تعرض أثناءها لعملية اغتيال إيرانية فاشلة تم توجيه الاتهام فيها رسمياً لشخصين يعتقد تورطهما في المؤامرة.
تطابق في الرؤى والمواقف
وقد التقى الوزير الجبير في زيارته الأخيرة إلى مصر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارة قصيرة، ووزير الخارجية المصري سامح شكري، أعقبهما قيامه بمؤتمر صحفي مشترك مع الوزير المصري لإعلان نتائج هذه الزيارة وما تم فيها من مباحثات حول آخر التطورات على الصعيد العربي ولاسيما القضايا محل الاهتمام المشترك التي تأتي على رأسها الأوضاع في سوريا واليمن وليبيا وفلسطين.
وقد أكد الوزير الجبير على عمق العلاقات السعودية- المصرية وعلى وجود اتفاق كامل بين القاهرة والرياض في الموقف السياسي ورؤية حل وإنهاء الأوضاع الملتهبة في البلاد العربية خصوصاً سوريا واليمن، وعلى كون مصر شريكاً أساسياً في التحالف العربي لدعم اليمن في مواجهة التجاوزات التي حدثت بحق الشعب اليمني
وقال: إنه لا يوجد أي خلافات بين مصر والسعودية بخصوص أزمتي اليمن وسوريا، موضحا أن المملكة تدعم الحلول السلمية في اليمن وفقا للمبادرة الخليجية وقرارات مجلس الأمن.
وحذر وزير الخارجية السعودي، من التدخل الإيراني بشئون المنطقة، قائلاً :«إن المملكة لن تسكت أمام التدخل الإيراني بشؤون المنطقة»
وأكد الجبير، أن هناك جهوداً لاستئناف المفاوضات السياسية باليمن وأنهم يعملون على التواصل مع روسيا لتتوقف عن دعمها للرئيس السوري، بشار الأسد، تمهيدًا لإيجاد حل للأزمة السورية.
مشيراً إلى أن «الجميع متفقون على أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا» على حد قوله.
وفي المقابل لاقت هذه الزيارة ترحيباً كبيراً في الأوساط السياسية والدبلوماسية المصرية سواءً على مستوى فاعليات الاستقبال الرسمي والرئاسي أم على مستوى التغطية الإعلامية.
رد فعل إيراني عدائي ومتوتر
وفي رد فعل سريع على هذه الخطوة الموفقة من الجانبين السعودي والمصري جاءت تصريحات علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإيراني عقب لقائه برئيس مجلس الشورى السوري لتعكس حجم الانزعاج من هذا الاتفاق العربي والإسلامي الذي تقوده السعودية ومصر قائلاً: إن ما وصفها بـ(الدول الكبرى)حاولت على مدى السنوات الأربع الماضية «خلق مشكلات داخل سوريا عبر تشكيل منظمات إرهابية» ، مشيراً إلى ما وصفه بـ«التصعيد الإرهابي الأخير على سوريا»، إشارة إلى الخسائر الميدانية الكبيرة الأخيرة للجيش السوري شمال البلاد، كما هاجم السعودية - دون تسميتها- بسبب قيادتها لتحالف دولي ضد الحوثيين في اليمن.
وقد نقلت وكالة (تسنيم) الإيرانية تفاصيل مقابلة أجراها علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي، للشؤون الدولية، مع صحيفة (الأخبار) اللبنانية القريبة من سوريا وإيران، قال فيها إن أمن سوريا «جزء لا يتجزأ من أمن الجمهورية الإسلامية الايرانية، سواء في مواجهة التدخل السعودي الخليجي أم العثماني» على حد قوله.- واصفاً بشار الأسد: بأنه «مناضل ميداني في منصب رئيس»
اصطفاف عربي لا يعرف الانقسام
هذا الاصطفاف المتقابل الواضح ينفي كل ما أشيع حوله من بعض الأطراف التي لا تريد له النجاح، وهو ما يكذبه الواقع وتصريحات المسؤولين من الجانبين المصري والسعودي، ولا يشغب على ذلك العلاقات المصرية الروسية فشأنها كشأن العلاقات بين الدول الكبرى مثل العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر والسعودية، وهناك جوانب اتفاق واختلاف وقواعد دولية منظمة للعمل السياسي والعلاقات بين الدول، لكن يبقى الانحياز الأساسي للهوية والتاريخ والجغرافيا، يعضد ذلك العلاقات الشعبية، بل وتشكل العنصر الأّهم في المعادلة السياسية.
العلاقات الشعبية العربية
والناظر في التاريخ القديم والمعاصر يجد عمقاً كبيراً في العلاقات بين مصر وسائر دول الخليج خصوصاً السعودية والكويت والإمارات وقطر، وكذلك الحال بنسبة لبقية الدول العربية والإسلامية شرقاً وغرباً، ولا يشغب على ذلك ما قد يحدث من اختلافات في وجهات النظر لا تعدو كونها مما تجري عليه طبائع أحوال البشر، لكن تبقى أواصر الأخوة في الدين والمذهب واللغة أقوى من أية اختلافات طارئة.
بل إنه في مفهوم المصالح المشتركة فإن العلاقات الاقتصادية والعسكرية والحضارية بين مصر ودول الخليج من أقوى وأعقد ما يكون، ولا أدل على ذلك من حجم التبادل التجاري والمشروعات الاقتصادية المشتركة بين الطرفين والتي تعد بالمليارات، وكذلك حجم التبادل الشعبي على مستوى العمالة والأكاديميين والدراسين في مختلف مراحل التعليم الأساسي والجامعي وما بعد الجامعي.
تعاون عربي في كافة المجالات
وتتجلى هذه العلاقات المتينة ولاسيماً في أوقات المحن والصعوبات التي لا تسلم منها دولة أو قطر، والباحث في التاريخ المعاصر يجد أن التعاون لم يقتصر على التداخل الشعبي والاقتصادي بل امتد إلى التعاون العسكري المباشر خصوصاً في الأوقات التي تعرضت فيها بعض الدول لأزمات عنيفة مثلما حدث في الغزو العراقي للكويت في أواخر القرن الماضي؛ حيث اصطفت الدول العربية وفي مقدمتها مصر والسعودية للتدخل للإنهاء السريع للتصرف المشين الذي أقدمت عليه القيادة العراقية آنذاك الذي لم يكن التهور والمجازفة الوحيدة التي أقدم عليها النظام الذي رفع الراية البعثية وهي ذات الراية التي يرفعها النظام السوري الآن الذي يستقوي بإيران وروسيا للقضاء على أهل السنة بسوريا والانتصار لطائفة العلويين التي امتلكت السلطة والمال في البلاد برغم قلة عددها.
التغول الإيراني في المنطقة
ولا شك أن مسؤولية النظام العراقي السابق ونزقه أديا إلى حصار الشعب العراقي؛ مما مهد لانهيار الجيش العراقي والدولة ككل، وسقوط بغداد لقمة سائغة في فم أمريكا وإيران عام ،2003 مما شجع إيران على استكمال مشروعها الصفوي ومحاولة دعمه في سوريا مستعينة بحزب الله اللبناني الداعم لنظام بشار، ثم زعزعة استقرار الخليج والجزيرة العربية بدعم الحوثيين في اليمن مما أدى في النهاية إلى سقوط صنعاء هي الأخرى تحت يد الذراع الإيرانية في اليمن والممثلة في جماعة الحوثي.
ولا نستغرب إذاً حينما تصطف الدول العربية للتدخل في اليمن لوقف المشروع التوسعي الإيراني في المنطقة في ظل إدراك القيادات السياسية للدول العربية حجم الخطر الذي يتهدد بلادها نتيجة المشروع الصفوي الذي يتدثر بعباءة مذهبية مهدداً أمن الدول العربية جميعها، أشار إليه الرئيس المصري بقوله: «إن أمن الخليج خط أحمر».
إدراك شعبي ورسمي للمخاطر
ولا شك أن إدراك المخاطر التي تواجهها المنطقة ليس مقتصرًا على المستوى الرسمي فحسب، بل يمتد ليشمل الشارع السياسي في الدول العربية ولاسيما تلك التي تقف دائما على خط المواجهة.
من جانبه أكد الدكتور يونس مخيون رئيس حزب النور المصري في تصريح خاص للفرقان: أن الأطماع الإيرانية للسيطرة على المنطقة وبسط النفوذ فيها لم تعد خافية، فالمشروع الإيراني أصبح واضح المعالم في سوريا واليمن ولبنان، ولن تتوقف هذه الأطماع؛ بل تمتد لتشمل بقية الدول العربية، وهذا يستوجب التعاون الكامل بين الشقيقتين مصر والسعودية لمواجهة هذا الخطر وإيقاف تهديده؛ حيث إنهما أكبر دولتين عربيتين في المنطقة ويربطهما المصير المشترك.
وأردف قائلا: إن هذا المخطط لو لم يتم التعاون في مواجهته وتجاوز بعض الخلافات البينية ربما يطال السعودية ومصر؛ لأنهما ليستا بعيدتين عن مرمى الخطر
استراتيجية جديدة في قضايا الأمن العربي
وفي ذات السياق رحب الباحث السياسي الدكتور بسام الزرقا - نائب رئيس حزب النور المصري ورئيس لجنته السياسية – بزيارة وزير الخارجية السعودي لمصر مشيراً إلى كونها تأكيداً على العلاقات العميقة بين الدولتين حكومة وشعباً، وأنها خطوة في طريق التنسيق للتأكيد على التطابق بين وجهتي النظر المصرية السعودية بخصوص الملفات المشتركة جميعها، وأشار إلى أن درجة التوافق فيها أكبر بكثير من أية خلافات تكتيكية مرحلية.
وقد أشار الدكتور الزرقا إلى إدراك مصر والسعودية لخطورة المخطط الصفوي الذي يتحول مع الوقت إلى دائرة تطوق المنطقة لتشغل فراغ القوى الحادث في المنطقة نتيجة فقد مشروع (سايكس بيكو) لعوامل قوته واستمراره.
وأشار إلى أن مشروع (سايكس بيكو) كان قائماً على التوافق بين بريطانيا وإنجلترا – القوتين العظميين في ذلك الوقت- فضلاً عن المشروع القومي الذي كانت الأنظمة العربية السابقة في مصر وسوريا والعراق، وهو المشروع الذي تهاوى نتيجة انهيار هذه الأنظمة ونمو القوى الإسلامية في المنطقة على تباين اقترابها وابتعادها من الضوابط الشرعية، وهو المشروع الذي تتم مواجهته من خلال الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الوريثتين للاستقطاب العالمي في القرن الماضي، من خلال محاولة إيجاد موطئ قدم في المنطقة.
وأكد الدكتور الزرقا في تصريحه للفرقان على أهمية الدور الذي أدته السعودية ومصر في تحويل استراتيجية مواجهة هذه المخاطر إلى استراتيجية ترى أهمية مفهوم المحصلة في التعامل مع جميع المشكلات الموجودة وتتعامل مع قضايا الأمن القومي العربي بوصفه كتلة واحدة لا تتجزأ ولا يمكن لأي دولة عربية أن تحصل أمنها الداخلي دون الاصطفاف مع بقية الدول الشقيقة حول الأمن الكامل لبقية الدول العربية، ولاسيما مع وجود مشروعات عدة لتفتيت المنطقة، ولاسيما المشروع الإسرائيلي والمشروع الإيراني الرامي إلى السيطرة الكاملة والذي يجمع في طياته بين العنصرية والطائفية.
لاتوجد تعليقات