
بعد تأجيل مؤتمر جنيف – ما مصير الأمم المتحدة في مباحثات الأزمة اليمنية؟
الأسوأ في أزمة اليمن هو ترك الانقلابيين يفعلون ما يشاؤون والتفاوض معهم وهم ما زالوا محتفظين بقوتهم
لابد من وجود قيادة عسكرية قوية وعمل ميداني موحد وتحرك مخطط لتطويق هذه القوة الإجرامية والقضاء عليها نهائيًا
بعد طول ترقب وانتظار، وانعقاد كثير من الآمال والطموحات، قررت الأمم المتحدة تأجيل مؤتمر جنيف الذي كان من المقرر انعقاده الخميس (1/6/2015) بشأن الأزمة اليمنية، وكان الرئيس اليمني المقيم في السعودية، عبد ربه منصور هادي، قد أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة (بان غي مون) بأن الأوضاع الحالية في اليمن لا تساعد على مشاركة حكومته في مباحثات جنيف.
شروط مسبقة
وجدير بالذكر أن الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ونائبه رئيس الوزراء خالد بحاح كان لهما موقف مسبق من هذا المؤتمر؛ حيث ارتأيا أن هذا المؤتمر لا يستهدف التفاوض، بل التشاور حول تنفيذ القرار 2216 الذي ينص على انسحاب الحوثيين من المناطق التي سيطروا عليها في اليمن؛ لذلك كان الشرط الأساس لحضور هذا المؤتمر هو تنفيذ القرار 2216 .
كما أشار بعض المراقبين إلى أن الرئيس هادي طالب أيضًا أن تكون مقررات مؤتمر الرياض محورًا رئيسيًا يتم مناقشته في جنيف، كما طالب بإشراك الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي في المؤتمر باعتبارها مشرفة على العملية السياسية منذ العام 2011.
وهذا ما أكد عليه المهندس خالد بحاح، نائب الرئيس هادي ورئيس مجلس وزراء؛ حيث أشار إلى أن مؤتمر الرياض حقق نجاحًا باهرًا؛ ولذلك لابد أن تكون نتائجه هي نقطة الانطلاق لأي عمل سياسي لاحق.
تحجيم دور الأمم المتحدة
من ناحيته توقع علي الشريف، عضو اللجنة التحضيرية لمؤتمر الرياض، بعد فشل الدعوة لحوار جنيف وسط إصرار القوى السياسية اليمنية على موقفها، أن يتم تحجيم دور الأمم المتحدة، وأن يقتصر دورها على الجانب الإنساني فقط، مشيرًا إلى أن تأجيل حوار جنيف لا يعني إلغاءه، ولكن يبقى المحرك الأساسي للعملية السياسية في المستوى الدولي هي دول الـ 14 وليس الأمم المتحدة، وهذه الدول تتباين وتتقارب من جهة أخرى، والمعول عليه هو تغيرات دراماتيكية عسكرية في الميدان تؤدي لكسر الانقلاب– الذي يبدو في أكثر مراحل ضعفه الآن.
التمسك بالشرعية
كما أكد الشريف على أن القوى السياسية أصرت على تمسكها بشرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورفضت الانقلاب، وطالبته بتنفيذ القرارات الأممية قبل أي مطالبة لهم بالتفاوض مع جماعة الحوثي (المسلحة)، وعلي عبد الله صالح، الرئيس اليمني المخلوع.
سؤال واضح
وأشار إلى أن (القوى السياسية) سألت المبعوث الأممي: «ما المطلوب منا في جنيف ونحن ملتزمون بكافة القرارات الدولية؛ بينما الالتزامات المطلوبة من الطرف الآخر لم تنفذ؟»، مشيرًا إلى أن هذا السؤال كان الأبرز؛ حيث أكدوا أنه لا يوجد ما يذهبون لأجله، ودعوا المنظمة الأممية إلى تنفيذ قرارها.
وتعجب (الشريف) قائلًا: إن كل قرارات الأمم المتحدة تؤكد على الأطراف المعرقلة بوضوح، وأقرت عقوبات في حقهم، والآن يدعون إلى التفاوض معهم، «كيف يستقيم هذا المنطق؟ّ»، مضيفًا: «الحقوق لا تتجزأ ليتم تنفيذ القرار 2216، وبعد ذلك يمكن التفاهم حول أي ترتيبات قادمة للمشهد اليمني».
الإصرار على الحل العسكري
وأضاف الشريف: أن الحل هو في عمل عسكري على الأرض تقوده الشرعية لتغيير المعادلات في الواقع، وبسط سيطرة الدولة، وهنا سيتعاطى الجميع مع الشرعية ومكوناتها فقط”، قائلًا: “هذا ما أتوقعه خلال المرحلة القادمة”.
وعن أسباب الإصرار على أن يكون الحل عسكريًا، في حين أن نتائج (عاصفة الحزم)، و(عودة الأمل) ما زالت في طور التنفيذ، كما نتج عنها رد من قبل الحوثي تجاه الحدود السعودية، قال الشريف: إن الأسوأ هو ترك الانقلابيين يفعلون ما يشاؤون أو التفاوض معهم وهم ما زالوا محتفظين بقوتهم.
وأكد أنه لا يوجد حل غير مواجهتهم عسكريًا؛ لأن البديل هو الأسوأ، ولا يمكن بعد كل الجرائم التي ارتكبها الحوثي وصالح أن يتم التعامل معهم بوصفهم شركاء سياسيين، وهم مازالوا يصرون على الانقلاب على الشرعية، ويمارسون مهام السلطات الشرعية، ثم إنهم ليسوا بالقوة التي لا يمكن التعامل معها وإزالتها.
ترتيبات لكسر الانقلاب
وأشار (الشريف) إلى أن الحوثيين وصالح الآن في مرحلة ضعف كبير، وما يتطلبه الأمر هو قيادة عسكرية قوية وعمل ميداني موحد وتحرك مخطط لتطويق هذه القوة والقضاء عليها، متوقعا أن هناك ترتيبات كبيرة تجري الآن في هذا الصدد لكسر هذا الانقلاب، وطي هذه الصفحة السوداء من تاريخ اليمن المعاصر.
دور غامض للأمم المتحدة
وحول المعوقات التي واجهت مؤتمر الرياض، أوضح الشريف أن أبرزها معضلة هو موقف الجانب الدولي الذي فاجأ الجميع بدعوة المبعوث الأممي إلى حوار جنيف، وذلك بعد أن انتهت القوى السياسية من بلورة موقف موحد في إعلان الرياض ضد الانقلاب ومع الشرعية، وبحضور طيف واسع من القوى السياسية والمكونات المدنية والحراك الجنوبي والشباب والمرأة.
إصرار على التعامل مع الحوثي
وأضاف الشريف أن الأمم المتحدة يبدو أنها تصر إصرارًا غريبًا على التعامل مع الحوثي وعلي صالح بوصفهم شركاء، وليس بوصفهم مجرمي حرب، وتدفع بإعادة إنتاج السيناريو السابق للتسوية السياسية عندما أدخلوا علي صالح طرفًا في العملية السياسية، ولكن هذه المرة سنكون أمام شركاء أكثر تلوثًا وأكثر تمسكًا بأجندات غير وطنية.
وأشار الشريف إلى أن هناك في المحصلة موقفا يمنيا رافضا للحوار مع الحوثي وصالح، قبل تنفيذ القرار الدولي 2216، والذي ينص صراحة على إدانة الحوثي علي صالح، ويدعوهم لوقف العنف وتسليم الأسلحة والخروج من المدن، والكف عن القيام بممارسات هي من صميم السلطة الشرعية.
وقال: لسنا ضد التفاوض، واليمنيون أشهر من أن يشار إليهم في مسألة التفاوض والحوار، غير أن العملية السياسية وصلت إلى طريق مسدود؛ بسبب إعاقة هذه الأطراف للتسوية (الحوثي وصالح)، والانقلاب على السلطة الشرعية وعلى كل اتفاقات التسوية، وبشهادة الأمم المتحدة ومبعوثها السابق (جمال بن عمر).
الأولوية لاستعادة الدولة
من جهته، قال نائب هادي ورئيس حكومته خالد بحاح في مؤتمر صحافي عقده في الرياض: إن الأولوية هي لاستعادة الدولة، ومن ثم استكمال العملية السياسية على أساس المرجعيات المتفق عليها مسبقاً والتي لن يتم التفاوض حولها، وعد بحاح التفاوض مجددًا يعني التراجع إلى ما قبل أربع سنوات مضت من المفاوضات بين الأطراف اليمنية، وقال: علينا أن نعيد الدولة ونعيد هذه الميليشيا الحوثية المارقة إلى وضعها الطبيعي، مشددًا على أن المرحلة الأولى هي استعادة الدولة، على أن يكون هناك مرحلة ثانية تتضمن استكمال العملية السياسية التي توقفت في اليمن، لإقرار الدستور وإجراء الانتخابات.
خيبة أمل وإحباط
خلاصة القول: إن إصرار الأمم المتحدة على إشراك الأطراف المؤزمة والمعرقلة في المفاوضات والتعامل معم على أنهم شركاء في العملية السياسية، بدلاً من التعامل معهم على أنهم مجرمي حرب، وهو ما بدا واضحًا من خيبة الأمل والإحباط من تصريح بانكي مون عن تأجيل المؤتمر، يضع علامات استفهام كثيرة أمام هذا الموقف الغريب، برغم أن جميع الأطراف الأخرى متفقة على استبعاد هؤلاء من منظومة حل الأزمة السياسية في اليمن.!
لاتوجد تعليقات