رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 27 مايو، 2014 0 تعليق

برعاية لجنة العالم العربي مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية يقيم ندوة (فضائل بلاد الشام واليمن)


انطلاقًا من رؤيته في تأصيل رؤية شرعية للقضية الفلسطينية، أقام مركز بيت المقدس للدراسات التوثيقية ندوة فضائل بلاد الشام واليمن، برعاية كريمة من لجنة العالم العربي، وتأتي تلك الندوة ضمن سلسلة من الندوات التي يقيمها المركز ضمن خطته السنوية التي تسعى لتحقيق رؤية المركز ورسالته لإحيـاء روح الـولاء الشرعـي لـلأرض المقـدسـة (فلسطين) وبلاد الشام، وتقديم حلول شرعية واقعية لهذه القضية من جميع جوانبها والدفاع عن الحق الشرعي بملكية فلسطين والقدس والمسجد الأقصى وسائر الأوقاف الإسلامية في فلسطين، وبناء الإنسان الفلسطيني بناءً تربوياً متكاملاً على فهم السلف الصالح - رضوان الله عليهم - والإسهام في إنقاذ الشعب الفلسطيني ودعمه تربويا وعلمياً وإغاثياً.

وقد تضمنت الندوة ثلاث محاضرات نعرضها تباعًا إن شاء الله على صفحات الفرقان، وكانت أول محاضرة بعنوان: (ما اختصت به بلاد الشام من فضائل) للباحث عبد الرحمن عودة.

ما اختصت به بلاد الشام من فضائل

     الحمد لله الذي خلق الزمان والمكان، والإنس والجان، وأنزل القرآن، وفضل من الأزمنة من شهور السنة: شهر رمضان، وفضل من الأمكنة والمدن: مكة والمدينة وبيت المقدس، ومن البلدان: بلاد الشام، ومن البشر: الأنبياء والمرسلين، ومن الملائكة: جبريل الأمين، قال تعالى: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} (القصص:68)، والصلاة والسلام على خير الأنام، فضل على سائر الأنبياء العظام، أما بعد فحديثنا في هذا الموضوع يحمل في طياته المحاور الآتية:

- المحور الأول: معنى الشام – سبب تسميتها – حدودها – فضل الشام في القرآن

- المحور الثاني: فضل الشام في السنة النبوية.

معنى الشَّامِ:

- الشَّأْم: بفتح أوله وسكون همزته، والشأَم بفتح همزته مثل: نَهْر ونَهَر لغتان، وفيها لغة ثالثة وهي الشامُ بغير همز، وقد تذكر وتؤنث.

- والشام بالسريانية: الطيّب، فسميت بذلك لطيبها وخصبها. (تفسير القرآن العظيم، الإمام الحافظ عماد الدين، أبو الفداء إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، دار المعرفة، بيروت لبنان، ط 9، 1417، 3/2).

واشتقاق الشام بالعربية مأخوذ من اليد الشؤمى، وهي اليسرى على الصحيح، سميت به؛ لأنها من مشأمة القبلة.

وفي سبب التسمية:

1- قيل: سميت بذلك لكثرة قُراها وتداني بعضها من بعض، فشبهت بالشامات.

2- وقيل: سميت الشام بـ (سام بن نوح) عليه السلام؛ لأنه أول من نزلها، فجعلت السين شيناً لتغير اللفظ العجمي.

3- وإن شئت فقل الشام من الشامة في الجسد، فالشامة جميلة في موقعها مميزة في جسد الإنسان، وكذلك بلاد الشام جميلة في موقعها، ومميزة بين البلدان في طبيعتها وما حفت به من البركات.

حدودها:

والشام الإقليم الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب.

وحدّها في القديم: من الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية، وأمّا عرضها فمن جبلَيْ طيِّء (حائل) من نحو القبلة إلى بحر الروم (البحر الأبيض المتوسط) انظر معجم البلدان (5/116-117).

وبلاد الشام تشمل في هذا العصر: بلاد الأردن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، ولا شكَّ أن قلبها النابض وروحها الناهض هو بيت المقدس رده الله إلى المسلمين، والذي قال الله فيه: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} (الإسراء:1) انظر كتاب (إتحاف الأنام بذكر فضائل الشام) ص7.

وقد فتحت بلاد الشام في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بقيادة أبي عبيدة ابن الجراح، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما.

وقبل الحديث عن فضائل بلاد الشام لابد لنا من تنبيهين:

- الأول: أن ما سنذكره من فضل لبلاد الشام، وأهلها ينبغي أن يراعى فيه: أنه إذا فُضلت جملة على جملة لم يستلزم ذلك تفضيل الأفراد على الأفراد، كتفضيل القرن الثاني على القرن الثالث، وتفضيل العرب على من سواهم، وتفضيل قريش على ما سواها، وهكذا.

- الثاني: أن التفضيل سنة شرعية، فتفضيل الزمان والمكان والأعيان، والأشياء الحسية والمعنوية لا يكون راجعاً للاستحسان والطباع والأذواق، بل بوحي من الله -تعالى- كتاباً وسنةً والله أعلم

 

أما فضل الشام في القرآن الكريم:

     فلا شك أنها أرض مقدسة ومباركة: فهي لا تذكر في كتاب الله إلا مقرونة بوصف البركة أو القداسة، قال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ}(الإسراء: 1)، فهو مسجد مبارك في أرض باركها الله وبارك ما حولها، قال الإمام السيوطي: لو لم تكن له فضيلة إلا هذه الآية لكانت كافية، وبجميع البركات وافية؛ لأنه إذا بورك حوله، فالبركة فيه مضاعفة، وهذا التعبير القرآني الرائع في قوله تعالى: {الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَه} (الإسراء:1) يعد أبلغ تعبير عن قدسية المسجد الأقصى المبارك؛ حيث إن البركة حوله تدل على أنه هو في الأصل منبع البركة، ومعظم العلماء على أن البركة تشمل منطقة الشام عامة، وهذه البركة ليست لأهل تلك الأرض وحدهم، بل إنها تشمل العالمين كما قال تعالى: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء: 71)، قال القرطبي: «يريد نجينا إبراهيم ولوطا إلى أرض الشام وكانا بالعراق، وهي كذلك بلاد الأنبياء والمرسلين؛ حيث إن كثيراً من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها مهجراً لخليله إبراهيم عليه السلام، وفيها أحد بيوته الثلاثة المقدسة، وهو بيت المقدس، ومن الآيات الدالة على قدسية بلاد الشام وبركتها ما أخبر الله تعالى على لسان موسى عليه السلام: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} (المائدة 21)، وقال تعالى حكاية عن الخليل إبراهيم عليه السلام في هجرته الأولى إلى بيت المقدس وبلاد الشام: {وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:71). وقال تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}(الأعراف: 137). وفي قصة سليمان عليه السلام يقول سبحانه وتعالى: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا}(الأنبياء: 81). وغيرها من الآيات التي تشير إلى بركة بلاد الشام وقدسيتها.

 

المحور الثاني:فضل الشام في السنة النبوية:

وأنا هنا سأقف على بعض الإضاءات التي تشير إليها الأحاديث النبوية في فضل الشام، ولاسيما والأحاديث متوافرة، بل إن المصنفات قد صنفت في هذا الباب قديما وحديثا لكثرة الأحاديث الدالة على ذلك، فأقول وبالله التوفيق:

1- الشام صفوة الله من أرضه:

عن أبي أُمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صفوة الله من أرضه الشام، وفيها صفوته من خلقه وعباده، ولَيَدْخُلَنّ الجنة من أمتي ثلةٌ لا حساب عليهم ولا عذاب».

رواه ابن عساكر وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (3765)

وفي هذا الحديث من الإضاءات مايلي:

1- أن أرض الشام اصطفاها الله واختارها من بين الأراضي.

2- أن من في الشام هم زبدة الخلق وصفوة العباد.

3- وفي قوله صلى الله عليه وسلم ولَيَدْخُلَنّ الجنة ثلةٌ من أمتي..بعد قوله صفوةُ الله من خلقه وعباده يدل ويشير إلى أن هذه الثلة من تلك الصفوة.

4- وهنا تنبيه: لا شك أن هذه الفضيلة لمن استقام على دين الله تعالى، أما من كان بعيدا عن دين الله فلا ولا كرامة، فإن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدسه عمله الصالح.

الثلة: جملة من الناس وطائفة منهم.

2- الطائفة المنصورة في الشام

1- عن معاوية بن أبي سفيان قال: سمعت النبيصلى الله عليه وسلم يقول: «لا يزال من أُمتي أُمةٌ قائمةٌ بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك» رواه البخاري ومسلم.3641/ 1037

أ- فالأُمة القائمة بأمر الله مستقرون بالشام قال معاذ بن جبل: وهم بالشام.» وهو قول ابن رجب وابن تيمية

ب- قال ابن المبارك ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري هم أهل الحديث.

     قال ابن رجب: وأمّا من قال من العلماء: هذه الطائفة المنصورة هم أهل الحديث كما قاله ابن المبارك ويزيد بن هارون وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني والبخاري وغيرهم فإنه غير منافٍ لما ذكرناه؛ لأن الشام في آخر الزمان بها يستقر الإيمان وملك الإسلام، وهي عقرُ دار المؤمنين، فلا بد أن يكون فيها من ميراث النبوة من العلم ما يحصل به سياسة الدِّين والدنيا، وأهل العلم بالسنة النبوية بالشام هم الطائفة المنصورة القائمين بالحق الذين لا يضرهم من خذلهم. ا.هـ

فضائل الشام (ص74 75)

2-لا سيما وقد جاء حديث عن سعد بن أبي وقاصٍ قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «لا يزالُ أهلُ الغربِ ظاهرينَ على الحقِ حتى تقوم الساعة» أخرجه مسلم (1925)

     قال الإمام ابن رجب: وقد فسّر الإمام أحمد أهل الغرب في هذا الحديث بأهل الشام؛ فإنّ التشريق والتغريب أمرٌ نسبيٌّ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما قال هذا بالمدينة، وقد سمّى النبي صلى الله عليه وسلم  أهل نجد والعراقِ: أهل المشرق، فكذلك كانوا يسمّون أهل الشام: أهل المغرب؛ لأن الشام تتغرب عن المدينة، كما أن نجداً تتشرق عنها...ا. هـ

فضائل الشام (ص66)

قال ابن تيمية: فأخبر أي النبيصلى الله عليه وسلم : أن أهل الغرب وهم أهل الشام لا يزالون ظاهرين، وأما أهل الشرق، فقد يظهرون تارة، ويُغلبون أخرى، وهكذا هو الواقع، فإن الجيش الشامي ما زال منصوراً. مناقب الشام (ص81)

3- نفيُ الخير عن أهل الإسلام إذا فسد أهل الشام عن معاوية بن قُرة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إذا فسد أهل الشامِ فلا خير فيكم، لا تزال طائفة من أُمتي منصورين لا يضرهم من خذلهم حتى تقوم الساعة». رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح حديث(6292).

1- إذا ربطنا بين حديث إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم، وحديث: «ألا إن في الجسد مضغة... إذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب»، يتبين بوضوح أن الشام هي الميزان للأمة وهي قلب بلاد الإسلام؛ لذا فإن أعداء الأمة ما زالوا يطعنون في هذا القلب النابض منذ عقود طويلة حتى يبقى مهموما مشغولا بجراحه لا تقوم له قائمة، ولكن هيهات هيهات فإن الطائفة المنصورة لهم بالمرصاد إلى قيام الساعة.

     «فإذا فسد أهل الشام، وابتعدوا عن دينهم، فان ذلك يشكل علامة سوء في بعد هذه الأمة عن دينها، وهذا يوجه أنظارنا إلى الجهود الهائلة التي بذلها أعداؤنا لإفساد أبناء الشام، حتى يسهل عليهم السيطرة على بقية بلاد المسلمين؛ لأن بلاد الشام تشكل الدرع الحصينة بالنسبة للمسلمين.

وهذا مشاهد للعيان في تشريد أبناء بلاد الشام سوريا وفلسطين ولبنان.. وهنا لفتة طيبة في الربط بين فساد أهل الشام وضرورة وجود الطائفة المنصورة فيها، والتي تكافح وتجاهد لإعادة الحق إلى نصابه.

2- فلا خير فيكم: أي للقعود فيها أو التوجه إليها. قاله العلامة الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح حديث رقم (6292)

3- وقوله صلى الله عليه وسلم : «لا تزال» يدل على الاستمرارية والتجديد، وفيه إشارة إلى أن الفساد لن يكون كليا وإنما جزئي، وأن من رحمته تعالى أن الخيرية مستمرة في بلاد الشام إلى قيام الساعة، ولو كانت جزئية.

4- وتنكير لفظ(طائفة) يشير إلى التعظيم والتفخيم، مع قلتها إلى أنها عظيمة في أفعالها وهم بالشام كما ذكر الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه.

5- ودلالة العموم والشمول في قوله صلى الله عليه وسلم : «من خذلهم» فيها بشارة وتخفيف على أهل الشام، فكثرة الخاذلين لاتضرهم.

6- وقد بوب الإمام ابن حبان في (صحيحه) على هذا الحديث بقوله: ذكر الإخبار على أن الفساد إذا عم في الشام يعم ذلك في سائر المدن، ومن هنا تجد السبب في الترغيب في التوجه والسكنى في بلاد الشام.

فالمسلمون الموحدون أحق الناس بعمارة الأرض المباركة، والشام أشبه ما تكون بلد جهاد إلى قيام الساعة؛ لأن أعداء الله لن يكفوا عنها، فكان الترغيب للسكنى فيها، والرباط، والدعوة إلى التوحيد، ومؤازرة من فيها من أهل الحق عنواناً مهماً في حياة المسلم.

4- الملائكة باسطة أجنحتها على الشام

عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «طوبي للشام»، فقلنا: لأي ذلك يا رسول الله؟ قال: «لأن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها».

أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته حديث رقم (3920).

وفي لفظ آخر: «يا طوبي للشام، يا طوبى للشام! يا طوبى للشام!»، قالوا: يا رسول الله وبم ذلك؟ قال: «تلك ملائكة الله باسطوا أجنحتها على الشام». فضائل الشام ودمشق. وصححه الألباني ص(9).

قال العز بن عبد السلام: أشارصلى الله عليه وسلم إلى أن الله سبحانه وتعالى وكّل بها الملائكة يحرسونها، ويحفظونها، ترغيب أهل الإسلام ص(34)

     وَمَعْنَى طُوبَى لَكَ أَصَبْتَ خَيْرًا وَطَيِّبًا والمقصود من الحديث: حَالَةٌ طَيِّبَةٌ لَهَا وَلِأَهْلِهَا. قَالَ الطِّيبِيُّ: والتكرار يدل على التأكيد «قُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ» أَيْ لِأَيِّ شَيْءٍ. أو: لِأَيِّ سَبَبٍ قُلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: «لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ»: فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمْ مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ «بَاسِطَةٌ أَجْنِحَتَهَا عَلَيْهَا» أَيْ: عَلَى بُقْعَةِ الشَّامِ وَأَهْلِهَا بِالْمُحَافَظَةِ عَنِ الْكُفْرِ، التيسير بشرح الجامع الصغير (2/ 117)، وبسط الأجنحة دلالة على أن الملائكة تحفها وتحوطها بإنزال الْبركَة وَدفع المهالك عنها. ولرب سائل يسأل: إذا كان أهل الشام وأرض الشام في كفالة الله تعالى، فلماذا كل هذا الأذى الذي يلحق بالشام وأهلها؟

الجواب يتلخص في نقطتين:

- الأولى: أن الله تعالى قد يسوق الامتحان والابتلاء، ليختبر صبر عباده، ويرفع بذلك من درجاتهم {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّىٰ نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ}(محمد: 31)

- الثانية: إن كل ما يصيب أهل الشام من الأذى ومن كيد الأعداء ومكرهم، ومحاولاتهم الشرسة لردنا عن ديننا، هو سبب في قربنا من الله وتمسكنا بعقيدتنا، وتعلقنا بالله تعالى.

5- عمود الكتاب والإسلام بالشام آخر الزمان

عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «إني رأيت عمود الكتاب انتزع من تحت وسادتي، فنظرت فإذا هو نور ساطع عُمِدَ به إلى الشام، ألا إنّ الإيمان إذا وقعت الفتن بالشام».

فضائل الشام ودمشق حديث (10) وصححه الألباني

وعن عبد الله بن عمر قال: قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم يوماً: «إني رأيت الملائكة في المنام أخذوا عمود الكتاب فعمدوا به إلى الشام، فإذا وقعت الفتن فإن الإيمان بالشام». عمدوا أي لزموا ورسخ في الشام. فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني.

قال العز بن عبد السلام: فقد أخبر صلى الله عليه وسلم أن عمود الإسلام الذي هو الإيمان يكون عند وقوع الفتن بالشام، بمعنى: أن الفتن إذا وقعت في الدين كان أهل الشام برآء من ذلك ثابتين على الإيمان، وإن وقعت في غير الدِّين كان أهل الشام عاملين بموجب الإيمان، وأيُّ مدح أتم من ذلك. والمعني بعمود الإسلام: ما يَعتمد أهل الإسلام عليه، ويلتجئون إليه، والعيان شاهد لذلك، فإنا رأينا أهل الشام على الاستقامة التامة، والتمسك بالكتاب والسنة عند ظهور الأهواء، واختلاف الآراء.ا.هـ ترغيب أهل الإسلام في سكنى الشام (ص30) هذا الحديث بشارة من النبي عليه صلى الله عليه وسلم لأهل الشام فإن الناس حين تموج بهم الفتن يكون أهل الشام في منأى عنها.

6- الشّامُ أرضُ المحشر والمنشر

     عن أبي ذر قال: قال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : «الشام أرض المحشر والمنشر» فضائل الشام ودمشق وصححه الألباني، قال ابن تيمية: والشام إليها يحشر الناس كما في قوله: {هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر) سورة الحشر الآية (2)، فنبه على الحشر الثاني الذي سيكون في أرض المحشر. انظر مناقب الشام وأهله (ص78)-بتصرف-

     فـ(الشام أرض المحشر والمنشر) أي البقعة التي يجمع الناس فيها إلى الحساب وينشرون من قبورهم ثم يساقون إليها وخصت بذلك؛ لأنها الأرض التي قال الله فيها {باركنا فيها للعالمين} وأكثر الأنبياء بعثوا منها فانتشرت في العالمين شرائعهم فناسب كونها أرض المحشر والمنشر.

فكان أول حشر إلى الشام؛ حيث حشر يهود بني النضير إلى الشام، وهو الذي أخرج الذين كفروا يهود بني النضير أجلاهم من ديارهم بالمدينة لأول الحشر إلى أذرعات بالشام، ومنهم من نزل بخيبر وسيكون لهم حشر آخر؛ حيث حشرهم عمر وأجلاهم من خيبر إلى الشام.

7- دعوة موسى عليه السلام في أن يموت في الأرض المقدسة:

     كان من تعظيم موسى عليه السلام للأرض المقدسة وبيت المقدس أن سأل الله -تبارك وتعالى- عند الموت أن يدنيه منها. روى البخاري في صحيحه مرفوعاً: عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أُرْسِلَ مَلَكُ الْمَوْتِ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ, فَلَمَّا جَاءَهُ صَكَّهُ, فَرَجَعَ إِلَى رَبِّهِ فَقَالَ: أَرْسَلْتَنِي إِلَى عَبْدٍ لاَ يُرِيدُ الْمَوْتَ, فَرَدَّ الله إلَيْهِ عَيْنَهُ, وَقَالَ: ارْجِعْ فَقُلْ لَهُ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى مَتْنِ ثَوْرٍ، فَلَهُ بِكُلِّ مَا غَطَّتْ يَدُهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ سَنَةٌ، قَالَ: أَيْ رَبِّ ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ الْمَوْتُ, قَالَ: فَالْآنَ, فَسَأَلَ الله -عَزَّ وَجَلّ-َ أَنْ يُدْنِيَهُ مِنْ الأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ رَمْيَةً بِحَجَرٍ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله[: «وَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ». صحيح البخاري (2/ 90)

     قال النووي: « وأما سؤاله – أي موسى عليه السلام – الإدناء من الأرض المقدسة فلشرفها»، وهذا يدل على أن الأنبياء على علم بمكانة الأرض المقدسة، ولم يكن قد تمكن من دخولها في حياته بسبب ما فيه من قوم جبارين، فمات موسى ثم هارون ولم تفتح بعد فطلب القرب منها، ومن كان قريبا من الشيء يعطى حكمه، وأراد بذلك أفضل مواضع بلاد الشام، وهو بيت المقدس الذي كان فيه الأنبياء قبله، وفيه استحباب الموت والدفن في المواضع الفاضلة والمباركة.

8- استقرار الإيمان بالشام عند وقوع الفتن

وعن سلمة بن نُفيل الكِندي قال: كنت جالساً عند رسول اللهصلى الله عليه وسلم ، والخيلُ معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامةِ... وعقرُ دار المؤمنين الشام». صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها (4/ 603)

• قوله: وعقر دار المؤمنين الشام؛ بفتح العين وضمها، عَقر وعُقر، وهو أصل الشيء وموضعه أو موطنه. قال ابن الأثير: أي أصله وموضعه، كأنه أشار به إلى وقت الفتن، أي يكون الشام يومئذ آمناً منها، وأهل الإسلام به أسلم. النهاية في غريب الحديث والأثر- مادة عقر-.

قال العزُّ بن عبد السلام: أخبر صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث بالرِّدَّة التي تقع ممن أراد الله تعالى أن يزيغ قلبه عن الإسلام، وأشار بقتل المرتدين، ثم بسكنى الشام إشارة منه إلى أن المقام بها رباط في سبيل الله تعالى، وإخبار بأنها ثغر إلى يوم القيامة، وقد شاهدنا ذلك فإن أطراف الشام ثغور على الدوام ا.هـ ترغيب أهل الإسلام (ص32)

9- ذكر من دخل الشام من العلماء والمجاهدين

قال الوليد بن مسلم -رحمه الله-: دَخَلَتْ الشام عشرة آلاف عين رأت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

تاريخ دمشق لابن عساكر (1/327).

والحمد لله رب العالمين.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك