
النتائج عكس سير الربيع العربي- دعاوى المقاطعة والمال السياسي حرمت إسلاميي الجزائر من فوز متوقع بأغلبية البرلمان!
على عكس التيار الزاحف نحو صعود قوى المعارضة في مواجهة الأحزاب الحاكمة وتلك التابعة لمؤسسة الحكم في المنطقة العربية، جاءت نتائج الانتخابات التشريعية الجزائرية التي جرت الخميس لتؤكد سيطرة الحزب الحاكم حزب “جبهة التحرير الوطني” بـ220 مقعدا من أصل 462... وحل حزب رئيس الوزراء، أحمد أويحيى، التجمع الوطني الديمقراطي، حليف جبهة التحرير في التحالف الرئاسي، ثانيا بحصوله على 68 مقعدا، في حين جاءت الأحزاب الإسلامية في المركز الثالث (7 أحزاب) ، وحصلت على 66 مقعدا، وفازت جبهة التغيير لوزير الصناعة السابق عبد المجيد مناصرة بأربعة مقاعد.
وعلى جبهة اليسار، حصل «حزب العمال» الذي ترأسه لويزة حنون على 20 مقعداً (4،3 ٪)، في مقابل 26 مقعداً (6،6 ٪) في العام 2007.
وبرز في الانتخابات الحالية مشاركة «جبهة القوى الاشتراكية» الأمازيغية المعارضة التي يرأسها أحد قادة الثورة الجزائرية حسين آيت أحمد، حيث حصلت على 21 مقعداُ (4،5 ٪).
كما فازت 145 امرأة بمقاعد في المجلس الشعبي الوطني (31،38 ٪). واحتلت مرشحات «جبهة التحرير» المرتبة الأولى حيث حصلت على 68 مقعداً، و«التجمع الوطني» 23 مقعداً، و18 مقعداً لتكتل «الجزائر الخضراء»، فيما حازت مرشحات «حزب العمل» نصف مقاعده في البرلمان الجديد.
عكس التوقعات
وتخالف تلك النتائج كافة التوقعات وآراء المتابعين للشارع الجزائري، التي ذهبت إلى تراجع شعبية التحالف الحاكم المتورط في فساد كبير في كثير من القطاعات، ما قد يؤشر لوقوع تزوير ناعم عبرت عنه بيانات القوى الإسلامية، أو انقلاب في مزاج الشارع الجزائري الذي تشوهت لدى كثير من قطاعاته الصورة الذهنية عن الثورات العربية والربيع العربي الذي تشهده دول الشمال الأفريقي في المغرب التي شهدت انقلابا أبيض لصالح قوى المعارضة والإسلاميين، وكذا تونس التي تسارع الخطى نحو بناء دولة المؤسسات.
ولعل ما يدعم ذلك الرأي تصريحات رئيس الوزراء الجزائري أحمد أويحيى التي تصدرت صفحات الإعلام الجزائري قبيل موعد الانتخابات التي أكدت استحالة وصول الربيع العربي إلى الجزائر.. في إشارة إلى قدرة مؤسسة الحكم على حسم المنافسة البرلمانية من بدايتها.
تشكيك بالنتائج
وقبيل إعلان النتائج الرسمية للانتخابات، أصدر تكتل الجزائر الخضراء، الذي يضم 3 أحزاب إسلامية، بيانا حذر فيه من الاعتماد الرسمي للتزوير، وجاء في البيان أنه “رغم حالات التزوير، كان هناك تقارب كبير بين تكتل الجزائر الخضراء وجبهة التحرير الوطني، وفي هذه الصبيحة (الجمعة 11/5)، تأكد لدينا أن هناك تلاعبا كبيرا في النتائج الحقيقية المعلنة على مستوى الولايات، وتزايدا غير منطقي للنتائج لصالح أحزاب الإدارة”.
وبلغت نسبة المشاركة نحو 43 ٪ على المستوى الوطني، وصوّت 9 ملايين من أصل 21 مليون جزائري مسجلين في قوائم الانتخابات، فيما بلغت نسبة المشاركة المسجلة في انتخابات البرلمان لعام 2007، نحو 37 %.
مؤشرات رقمية
وتؤكد تلك النتائج حقائق عدة على الأرض سيكون لها كثير من المردودات على المسار السياسي الجزائري, أهمها:
سيطرة الحزب الحاكم: وتعكس نتائج الانتخابات، تكريس استمرار هيمنة الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني، على مقاليد الأمور في البرلمان المقبل، وهو ما يمكنه من القيام بتحالفات سياسية مع من يشاء من تكتلات سياسية أخرى، دون الخوف من تجميد أعمال البرلمان.
تراجع الإسلاميين: الذين حققوا نتيجة متواضعة جدا مقارنة بحالة الشحن الإعلامي والانتخابي لتكتل الجزائر الخضراء، وكذلك الأحزاب الإسلامية الأخرى مثل جبهة العدالة والتنمية وجبهة التغيير.
صعود البربر: والملاحظ أيضا هو عودة الحزب المعارض في منطقة القبائل، جبهة القوى الاشتراكية، بزعامة حسين آيت أحمد، إلى المؤسسة التشريعية التي غادرها منذ عام 2002، فيما غاب غريمه السياسي، حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (سعيد سعدي)، الذي قاطع الانتخابات، وكانت ولاية تيزي ووزي من أكثر الولايات التي شهدت زخما سياسيا في الفترة الماضية.
لماذا؟
ومع إعلان النتائج تصدر المشهد السياسي تساؤل محوري: لم تلك النتائج غير المتوقعة؟ فقد توقع الكثير من المراقبين نسبة مشاركة منخفضة، وعدم فوز أي من الأحزاب أو التكتلات بغالبية المقاعد، فضلاً عن صعود الإسلاميين ولاسيما بعد فوزهم الكبير في تونس ومصر.
ولكن يبدو أن جزءاً من الشعب الجزائري لم يجمع على تغيير السلطة الحاكمة، ففي وقت قاطع أكثر من نصف الجزائريين الانتخابات، فيما بدا اعتراضاً على غياب السياسات الاجتماعية والسياسية الحقيقية، قرر الناخبون إعطاء فرصة أخرى لإصلاحات الحزب الحاكم, وذلك بالتسليم أنه لم يقع تزوير من قبل السلطة.
الأمر الثاني هو نجاح دعوات المقاطعة التي تبنتها عدد من القوى السياسية في مقدمتها الجبهة الإسلامية للإنقاذ، ووصلت تلك النسبة لنحو 52 %، الأمر الذي حرم الإسلاميين من كثير من الأصوات كانت قادرة على تعديل النتائج تعديلاً كبيراً.
الأمر الثالث هو استخدام المال السياسي في حسم نتائج كثير من الدوائر الانتخابية في المناطق الصحراوية الأفقر، في ضوء الوفرة المالية التي حققتها حكومة أويحيى في الفترة الأخيرة التي دعت صندوق النقد الدولي ليطلب من الجزائر تمويل برامجه في عدد من الدول، ويقدر الخبراء تلك القدرات الاقتصادية بنحو 200 مليار دولار، فيما لم تنعكس تلك الفوائض المالية على المواطن الجزائري الذي يعاني الكثير من الإشكالات الاجتماعية والاقتصادية.
مستقبل المسار السياسي
وإزاء تلك النتائج المفاجئة للجميع، وفي ضوء تشكيك الاسلاميين بالنتائج واتهامات التزوير، فإن الطلاق البائن قد وقع بين الحكومة والإسلاميين في ضوء اتهامات التزوير، واستخدام المال السياسي، ولاسيما إذا تم الربط بين الحالة التي تدفع إليها الحكومة قبيل الانتخابات باستخدام فزاعة التدخل الغربي في البلاد؛ حيث أطلق النظام سلسلة من التهديدات بشأن المخاطر التي تتهدد البلاد إذا ما تم مقاطعة الانتخابات وتلميحات عن تدخل الناتو, وقد أثارت هذه التهديدات حفيظة عدد من القوى السياسية كالجبهة الاسلامية للإنقاذ التي دعت إلى مقاطعة الانتخابات خوفا من تزويرها وإقرار الأمر الواقع واستخدام المراقبين الأوروبيين للخروج بشهادة دولية على نزاهتها.
في حين راهنت الأحزاب الإسلامية الأخرى التي توحدت معا في تجمع ضد أحزاب الحكومة على أن الخروج للانتخابات بقوة سيؤدي إلى فوزها - كما كانت تتوقع- إذا أجريت العملية بنزاهة، أما إذا تم تزويرها فستكون القشة التي ستقصم النظام وتؤدي إلى ثورة عارمة كما حدث في مصر.
وهنا يبرز التساؤل حول مستقبل الإصلاح السياسي بالجزائر، وهل بات الخيار الشعبي والنزول للشارع بكل تبعاته هو القادر على التعبير عن رأي الشارع؟
وفي الحقيقة فإن مخاوف الانفلات السياسي لقوى الشارع الجزائري الذي يتجرع العوز الاقتصادي والاجتماعي والفساد باتت كبيرة بعد انتخابات الخميس الماضي.
وما يزيد من المخاوف كذلك هو أن الحكومة كان عندها فرصة كبيرة عند تفجر الربيع العربي والاحتجاجات التي شهدتها البلاد لإجراء إصلاحات واسعة, ومع ذلك كانت الإصلاحات شكلية في أغلبها ولم تغير المنظومة الفاسدة التي تحكم البلاد منذ سنوات، وهو ما أثار سخط الناس وزاد من يقينهم بأن الرغبة في الإصلاح الحقيقي ليست في أجندة النظام الذي يبدو أنه لم يتعلم الدرس من دول الجوار ويصر على السير في الخطوات المتباطئة نفسها في الاستجابة لنبض الشارع وهو ما يبعد احتمال انصياعه لرغبة الصناديق في تغيير حقيقي.
لاتوجد تعليقات