رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: رجب أبو بسيسة 5 سبتمبر، 2017 0 تعليق

الملاحظة في العمل التربوي

 

الملاحظة في مجال العمل التربوي هي عموده الفقري، بل هي من أهم المهارات، التي ينبغي أن يتحلّى بها المربي؛ لأنه من خلالها يستطيع أن: يعالج الخلل، ويشجع الصواب، ويكتشف القدرات، وينمي المهارات.

- نقول للمربي: من المهم جدا أن تلاحظ التغيرات الطارئة على الشباب، مثل:

- تغير طريقة الكلام.

- تغير اهتمامه بالمظهر والهندام.

- تغير مستوى الحفظ والاهتمام.

- تغير طريقة قضاء أوقات الفراغ.

- تغير طبيعته في الحضور والغياب.

- تغير مستوى الطاعات والعبادات.

- تغير وقت استخدام الهاتف وطريقته.

- تغير طبيعة منشوراته على صفحات التواصل الاجتماعي.

     إن ملاحظة هذه الأمور في البداية في غاية الأهمية؛ لأنه لو كان التغير في الاتجاه السلبي يسهل استدراكه ومعالجته في البدايات، ولو كان في الاتجاه الإيجابي فمن المهم جدا استغلاله وتنميته ودعمه، ونسبة النجاح في هذا أو ذاك ترجع إلى قوة ملاحظة المربي للمتربين داخل المحضن التربوي.

- التربية عملية مستمرة، لا يكفي فيها توجيه عابر من المربي مهما كانت فائدته، ومهما كان قدر صوابه، إنما تحتاج إلى المتابعة والملاحظة الدقيقة مع التوجيه المستمر، والشخص الذي لا يجد في نفسه طاقة على الملاحظة والمتابعة والتوجيه المستمر شخص لا يصلح للتربية، ولو كان فيه كل جميل من الخصال.

- الملاحظة مفيدة جدا في فهم شخصية المتربي كما ذكرنا سابقا، ومن ثم تستطيع أن تستفيد من إمكاناته وتوظيفها التوظيف الصحيح، فعن أبي محذورة -رضي الله عنه - قال: لما رجع النبي -صلى الله عليه وسلم - من حنين خرجت عاشر عشرة من مكة نطلبهم فسمعتهم يؤذنون بالصلاة، فقمنا نؤذن نستهزئ بهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لقد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت، فأرسل إلينا، فأذنا رجلا رجلا، فكنت آخرهم، فقال حين أذنت: «تعال»، فأجلسني بين يديه فمسح على ناصيتي وبارك علي ثلاث مرات، ثم قال: «اذهب فأذن عن البيت الحرام»، قلت: كيف يا رسول الله؟ فعلمني الأذان كما يؤذنون، وفي الصبح «الصلاة خير من النوم»، وعلمني الإقامة مرتين مرتين.

إن المتأمل في تربية النبي -صلى الله عليه وسلم - لأصحابه يجد هذا المعنى واضحا جليا في حياته -صلى الله عليه وسلم -، ويرى كيف كان يلاحظهم ويقومهم ويوجههم ويصحح التصورات الخطأ عندهم رضي الله عنهم وأرضاهم.

- فهذا ثابت بن قيس -رضي الله عنه - يلاحظ النبي تغيبه عن المجلس فيسأل عنه، «فقال رجل: يا رسول الله، أنا أعلم لك علمه، فأتاه فوجده جالسا في بيته، منكسا رأسه، فقال: ما شأنك؟ فقال: شر، كان يرفع صوته فوق صوت النبي -صلى الله عليه وسلم -، فقد حبط عمله وهو من أهل النار! فأتى الرجل فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا وكذا، فقال موسى بن أنس: فرجع المرة الآخرة ببشارة عظيمة، فقال: «اذهب إليه، فقل له: إنك لست من أهل النار، ولكن من أهل الجنة»، فلولا ملاحظة النبي -صلى الله عليه وسلم - لثابت لهلك بسبب ذلك التصور الخطأ الذي تصوره.

- وهذا أبو هريرة -رضي الله عنه - يقابل النبي -صلى الله عليه وسلم - فيختبئ منه في الطريق ولا يسلم عليه، فيلاحظ النبي -صلى الله عليه وسلم - ذلك فيقول له: «أين كنت؟» فيقول: لقيتني وأنا جنب، فكرهت أن أجلس إليك وأنا جنب، فانطلقت فاغتسلت، فقال: «سبحان الله! إن المؤمن لا ينجس».

- بل كان -صلى الله عليه وسلم - يلاحظ التغيرات التي تطرأ على وجوههم وملابسهم، فقد أتاه أبوبكر -رضي الله عنه - يوما غاضبا، فلما رآه -صلى الله عليه وسلم - قال: «أما صاحبكم فقد غامر».

     ورأى على عبدالرحمن بن عوف -رضي الله عنه - أثر الصفرة ورائحة الطيب فاستفسر عن ذلك، فرد ابن عوف قائلا: تزوجت، فيقول -صلى الله عليه وسلم -: «أولم ولو بشاة» فانظر إلى دقة ملاحظة النبي -صلى الله عليه وسلم - لأصحابه.

تنبيه:

- كما نجد تقصيرا في أمر الملاحظة في بعض المحاضن التربوية نجد على النقيض مغالاة شديدة فيها في بعض المحاضن الأخرى، حتى إنها تصل في بعض الأحيان إلى مستوى منهي عنه شرعا وليس من التربية في شيء، لذلك نقول:

- الملاحظة لا تعني ملاصقة المتربي الدائمة في الخروج والدخول، والذهاب والإياب، والسفر والحضر؛ مما يسبب الملل للمتربي.

- الملاحظة لا تعني البحث والتنقيب عن أخطاء المتربي وزلاته بحجة معالجتها، ومن ذلك: «التجسس والاستماع لحديث غيره دون علمه، والاطلاع على ما يخصه دون إذنه»، كل هذه الأمور محرمة شرعا، وجرأة بعض المربين على تجاوزها داخل في عموم قوله -تعالى- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}  (الحجرات:12).

فاقتحام الخصوصيات قد يؤدي إلى تلف الثمرة، ثم إن ثقة الطالب في المعلم لا تأتي جبرا، ولكن يمنحها الطالب للمعلم.

- الملاحظة لا تعني المحاسبة على كل هفوة؛ فمثل هذا السلوك ينفر ولا يربي؛ فالمربي الحكيم يتغاضى أحيانا، أو كثيرا ما يتغاضى عن الهفوة وهو كاره لها؛ لأنه يدرك أن استمرار التنبيه عليها قد يحدث رد فعل مضاد في المتلقي نفسه، وعلى الجانب الآخر، يعد إهمال التنبيه ضارا كالإلحاح فيه، وحكمة المربي وخبرته هي التي تدله علي الوقت الذي يحسن فيه التغاضي، والوقت الذي يحسن فيه التوجيه. ولكن ينبغي التنبه دائما من جانب المربي إلي سلوك من يربيه، سواء قرر تنبيهه في هذه المرة، أم قرر التغاضي عما يفعله؛ فالتغاضي شيء، والغفلة عن التنبيه شيء آخر؛ فالتغاضي قد يكون مطلوبا بين الحين والحين، أما الغفلة فعيب في التربية خطير.

 

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك