
المفتي العام لصربيا:لدينا فرصة تاريخية لنشر الإسلام في صربيا ولكننا بحاجة إلى علماء يواجهون الأفكار المتشددة التي تشوه صورة الإسلام والمسلمين
أهم المشكلات التي تواجه المسلمين عامة في جمهورية صربيا هي عدم إتمام مسائل الأقليات وحقوقهم
لو استمر الوضع الاقتصادي الحالي فإننا نخشى من زيادة نشاط المنصرين وفقدان الهوية والانتماء
مستقبل الإسلام في أوربا لا ينفصل عن مستقبل الإسلام الذي كتب الله له الظهور والانتشار مهما كانت التحديات
من المشكلات في دول البلقان قلة المراكز الإسلامية وقلة الدعاة والتنصير وقلة التنسيق بين المؤسسات الإسلامية
شهدت منطقة البلقان حروبًا دامية أبرزت كيف يمكن أن تنقلب الفوارق بين الطوائف والأعراق إلى عنصرية عنيفة وسياسات قتل عشوائي، ورغم أن تاريخ المسلمين في البلقان يمتد إلى القرن الرابع عشر، فإن وجودهم اليوم في صربيا ما زال يعاني الكثير من القلاقل؛ بسبب العنصرية التي خلفتها حرب البوسنة والهرسك في نهاية القرن الماضي، وبرغم انتهاج قادتهم الدينيين لغة الحوار وتركيزهم في كل المناسبات على عوامل التعايش مع غيرهم، إلا أنهم ما زالوا يعانون بشدة في الحفاظ على هويتهم وتراثهم. وللتعرف على واقع المسلمين في صربيا بعد مرور سنوات على هذه المحنة نلتقي بفضيلة الشيخ/ آدم زيلكيتش رئيس جماعة صربيا الإسلامية والمفتي العام لصربيا، على هامش لقائه بالشيخ طارق العيسى رئيس مجلس إدارة جمعية إحياء التراث الإسلامي.
- سألته بداية عن واقع المسلمين في صربيا وموقعهم من خريطة المجتمع الصربي في الوقت الراهن؟
- فقال مشكورًا: بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: يعيش في جمهورية صربيا حوالي 8 مليون نسمة، معظمهم نصارى أورثذوكس (الصرب) ومن ضمنهم حوالي 650.000 من المسلمين وهناك أقليات أخرى. أكثر المناطق تجمعا للمسلمين هي مناطق (سنجق) وجنوب صربيا. من جميع المسلمين في جمهورية صربيا 30% منهم بوشناق (نسبة قومية إلى البوسنة والهرسك)، و18% ألبانيون، و52% من القوميات الأخرى (كالأتراك، والعرب وغيرهم).
- هل الأوضاع الأمنية أفضل من ذي قبل بعد الاستقرار النسبي لكوسوفا بعد حرب عام 99؟ أم لازال المسلمون يعيشون في قلق وهاجس تكرار ما حدث من عدوان صربي غادر عليهم؟
- تحسنت الأوضاع الأمنية في السنوات الأخيرة ولاسيما بعد قرار الحكومة الصربية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؛ فإن من شروط الاتحاد الأوروبي توفير الأمن العام وإعطاء جميع الحريات.
- ما هي أهم المشاكل والتحديات التي تواجه المسلمين في صربيا، وكيفية مواجهة تلك التحديات؟
- أهم المشكلات التي تواجه المسلمين عموما في جمهورية صربيا هي عدم إتمام مسائل الأقليات وحقائقها، ومن تلك المسائل: تعلم اللغة العربية، قلة وجود المؤسسات والجهات الثقافية والإرشادية، وعدم توازن الوجود في الأدوار الحكومية، وعدم الإقرار بهوية المسلمين وتقاليدهم من قبل الصرب.
- نأمل منكم تسليط الضوء على الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المسلمون في صربيا؟
- كما سبق ذكره فإن أكبر تجمع للمسلمين هي مناطق سنجق وجنوب صربيا. من أجل كثرتهم في تلك المناطق كانت السياسات السابقة تمنع من الاستثمار والتطوير في البنية التحتية والاقتصاد العام؛ مما أدى إلى هجرة كثير من المسلمين إلى تركيا وأوروبا الغربية وأمريكا طالبين لقمة العيش والحقوق الإنسانية؛ لذلك تجدون أن أفقر طبقة في المجتمع الصربي هم المسلمون والبطالة منتشرة جدا، وأما المسلمون الذين وجدوا الأعمال فمعظمهم يعملون أصعب الأعمال وبأدنى المرتبات.
- هناك مؤشرات تشير إلى أن هناك محاولات لتذويب أبناء المسلمين في المجتمع الصربي، فهل يعني ذلك أنه توجد حرب صامتة على الهوية والانتماء؟
- لو استمر الوضع الاقتصادي الحالي فإننا نخشى من زيادة نشاط المنصرين وفقدان الهوية والانتماء؛ لأن المسلمين سكان الدرجة الثانية فيها، وتوجد إحصائيات بأنه قد تم تحويل أكثر من 1.200 من المسلمين إلى النصرانية والسبب الرئيس كان الفقر وقلة وجود المؤسسات والجهات الثقافية والإرشادية في العام 2012 م! وحتى لو لم يتحولوا إلى النصرانية فإنهم سيهاجرون إلى البلدان المختلفة وذلك سيجعل بقية المسلمين في ضيق وحرج لقلتهم.
- ما أهم المؤسسات العاملة في الدعوة في صربيا، ومدى تأثيرها في المجتمع الصربي؟
- تقوم جماعتان بالدعوة والإرشاد في جمهورية صربيا، إحداهما مركزها الرئيس والإداري في عاصمة صربيا في مدينة (بلغراد)، وذلك من أجل النسبة ومختلف العروق والقوميات من المسلمين، وتعمل تلك الجماعة على مساحات جمهورية صربيا واسمها (جماعة صربيا الإسلامية). وهناك جماعة إسلامية أخرى التي ترى أن مركزها في البوسنة والهرسك ونصف البوشناقيين الذين يعيشون في جمهورية صربيا ينتمون إداريا وعاطفيا إلى تلك الجماعة. وأما التأثير الإيجابي في المجتمع الصربي فهو واضح جدا؛ حيث تمكنت جماعة صربيا الإسلامية من إنشاء المساجد في المعسكرات الصربية وتوظيف الأئمة برتبة الضباط، كذلك تمكنت الجماعة من الدخول في المدارس الحكومية وتدريس المسلمين مادة الدين الإسلامي وغيرها من العلاقات مع وزارة الثقافة وبقية الأدوار الحكومية.
- ما حجم التعاون بين تلك المؤسسات؟ وهل هناك اتحاد عام يجمع تلك المؤسسات لتوحيد الجهود واستغلال الطاقات؟
- ما دام أن المراكز الرئيسة مختلفة مكانا ودولة فإنه لا علاقة بين الجماعتين، ونسأل الله تعالى أن يكون هناك في المستقبل القريب بعض التنسيقات لتوحيد طاقات الجماعتين للحصول على نتائج أكثر. علاقات كلتا الجماعتين متشابهة ومتقاربة وعلى المنهج الواحد والمذهب الحنفي فبالتالي كلتا الجماعتين تعمل دون أي تدخل جماعة في مجال جماعة أخرى.
- ما أهم المشكلات التي تواجه المسلمين عموماً في دول البلقان؟ وما هي الإمكانات المتاحة لنشر الإسلام بصورة أكبر في تلك المنطقة؟
- من المشكلات في جميع دول البلقان قلة المراكز الإسلامية والدعاة الذين يعملون دائما في مناطقهم، قلة وجود الشركات والمصانع التي تسهم في تحسين مستوى حياة المسلمين، والتنصير والغزو الفكري من المنظمات المختلفة وقلة التنسيق بين المؤسسات والجماعات الإسلامية.
- هل تحاولون الاستفادة من الإعلام في الدعوة لما له من دور كبير، وأعني الإذاعة والتلفزيون، وشبكة الإنترنت؟
- لدينا عمل كبير في مجال الإعلام؛ حيث تمكنت جماعة صربيا الإسلامية من إدخال برامجها الإسلامية على التلفزيون الحكومي، فتبث من خلال الدروس القصيرة كل يوم. فضلاً عن ذلك نقوم بإلقاء المحاضرات على التلفاز التابع لمنطقة سنجق، ولدينا العمل على شبكة الإنترنت وغيرها.
- كيف ترى مستقبل الإسلام في دول البلقان في الفترة القادمة؟
- لدينا فرصة تاريخية لإرشاد المسلمين في جمهورية صربيا وكذلك في الدول المجاورة؛ وذلك نتيجة الاتجاهات السياسية الحديثة التي تتيح جميع الحريات ما لم تتدخل في الاعتداءات والإرهاب، فنحن بحاجة إلى الدعاة والعلماء الذين سيوضحون أكثر وسطية الدين الإسلامي؛ لأنه قد ظهرت لدينا بعض الجماعات المتشددة، وذلك التشدد يصل إلى تكفير المسلمين؛ فواجبنا حفظ المسلمين من تيار الإرهاب وكذلك حفظهم من التنصير، ونسأل الله أن يعيننا على ذلك بإخواننا من الدول الإسلامية والعربية.
- كيف ترى واقع المرأة المسلمة في صربيا خصوصًا وفي دول البلقان عموما؟ وهل يمكن أن توازن المرأة بين واقع تلك المجتمعات من ناحية وقدرتها على الحفاظ على قيمها وثوابت دينها من ناحية أخرى؟
- واقع المرأة المسلمة ودورها في الحياة المعاصرة عظيم جدا، فإن المرأة هي حصن من حصون الإسلام، وقيامها بالعمل مع مراعاة حدود الله نافع جدا في جميع الأدوار الحكومية ومناطق العمل اللائق بها. بالنسبة للأدوار الحكومية فمن المشاكل التي تواجهها المرأة المسلمة هو لبس الحجاب؛ فإنه ممنوع قانونيا، وأما في الشركات الخاصة وفي حياتها بعد الدوام فإنه مسموح.
- بعد زيارتكم للكويت ما أهم المساعدات التي يمكن أن تقدمها البلدان والحكومات الإسلامية لكم حتى تستطيعوا أن تقوموا برسالتكم في صربيا على أكمل وجه ممكن؟
- من المساعدات الرئيسة التي بإمكان الدول الإسلامية والعربية القيام بها تجاه المسلمين في جمهورية صربيا يتمثل فيما يلي:
- إنشاء المراكز الدعوية والإرشادية.
- إرسال الدعاة والعلماء دائما ليقودوا الأنشطة الإسلامية.
- فتح العلاقات التجارية والاقتصادية والسياسية بين الدول الإسلامية وجمهورية صربيا أكثر مما كان حتى الآن؛ لأن تلك العلاقات سترسل رسالة عظيمة إلى الحكومة الصربية بأن المسلمين الذين يعيشون فيها لم يتركوا لوحدهم بل لهم إخوان يهتمون بهم ماديا ومعنويا.
- كيف وجدتم مستوى تعاون المؤسسات الرسمية والخيرية معكم هنا في الكويت؟
- قد استقبلنا إخواننا في جميع المؤسسات الحكومية والخيرية بكل احترام وسرور، وقدموا لنا من سعة صدورهم ومحبتهم ما لن ننساه أبدا فإننا نشكرهم جميعا على وقفتهم معنا في جميع أنشطتنا الدعوية والخيرية التي نديرها في جمهورية صربيا، ونرجو أن يزورونا في جمهورية صربيا حتى يروا بأعينهم حالة المسلمين والدعوة الإسلامية، وكذلك مشاريعهم التي يدعمونها ماديا ومعنويا عن طريق جماعة صربيا الإسلامية. نسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يوفقهم لما يحب ويرضى، ويجمعنا وإياهم في جنات النعيم.
لاتوجد تعليقات