رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 9 نوفمبر، 2015 0 تعليق

القواعد والضوابط الفقهية في الأعمال الخيرية والوقفية 50- (الاحتساب لا يمنع الاكتساب)

     نكمل في هذا العدد عرض حلقة جديدة من سلسلة ما تم جمعه وشرحه من قواعد وضوابط فقهية ذات الصلة بالأعمال الخيرية والوقفية، ليسهل على من جند نفسه لخدمة هذه الأعمال والمشاريع الأخذ بها، والالتزام بأحكامها التي استقيتها من كتب القواعد والضوابط الفقهية والتصانيف الوقفية والخيرية، وأردفتها تطبيقات عملية متعلقة بالمسائل الخيرية والوقفية تمس تلك الأعمال مباشرة.

 (الاحتساب لا يمنع الاكتساب)، قاعدة مهمة، مفادها ألا يمنع إعطاء المحتسب ما يُقوِّم به معيشته من مال، مع إخلاصه في النية أن هذا العمل هو لله تعالى .  

 فينبغي لمن يعمل في المؤسسات الخيرية والعمل الوقفي أن يكتسب المال اللازم لقوته وقوت أهله ومعاشهم، وأن يحتسب عند الله ما يقدمه من خير و معروف وخدمة للمسلمين، فلا يفوت على نفسه فرصة ثمينة لنيل الكثير من الحسنات إن خلصت نيته .

      وقد نرى مفهوم الاحتساب يستخدم في غير موضعه عند بعض الجهات والمؤسسات الخيرية والوقفية ، والتي تعطي موظفيها أجورا رمزية لا تسد الرمق ولا تقي البرد، ولا تكفل المأوى والعيش الكريم وعندما يطالب بزيادة الرواتب وهو بحاجة ماسة وهذا حقه يقال له «احتسب»!! وهو غارق في الديون ومتطلبات الحياة التي تؤرقه .

    وأحياناً يستخدم سلاح الاحتساب ليجبر الضعيف الغارق بالديون والالتزامات من العاملين أحيانا على المسلمات من حقوقهم ليتنازلوا عنها تحت مسمى الاحتساب، ليضطر بعد عمله سؤال أهل الفضل الصدقة وهو بأمس الحاجة، ويعمل في مؤسسة هدفها الأساس سد الحاجات .

    ولاشك أن الأعلى مقاماً هو عدم اللجوء إلى ذلك الطلب إن كان الإنسان مقتدراً وعمله تطوعاً لا يخالطه أي أمر آخر؛ لأن أعماله من صنائع المعروف، وكان السلف -رضوان الله عليهم مع احتسابهم- يتكسبون لحفظ كرامتهم والتنزه عن حاجة الناس. روى الترمذي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - مرفوعاً: “ من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له “.

    والاكتساب ليس مسوغاً لاستغلال الموظف للمؤسسة الخيرية والمشروع الوقفي لمصالحه والانتفاع والتعدي على أصول تلك المؤسسة، وعلى الموظف كذلك أن يجعل نيته في العمل الخيري الاحتساب فلا يجعل جُلّ همه الاكتساب، وتغليب مصالحه على حساب العمل، كأن يفكر في الاكتساب فحسب .

     ولا بد أن ينتبه القائمون على إدارة المؤسسات الخيرية على سلوكيات العاملين والعمل بكل جهد للحفاظ على الأموال والأصول للمؤسسة، وتحقيق الهدف الذي من أجله أقيمت المؤسسة؛ وأن توازن تلك الإدارات بين عدد الموظفين والمتطوعين، فلا ينبغي أن يكون كل العاملين فيها بمقابل مادي، فكما تقاس المؤسسة بمخرجاتها ، تقاس أيضاً بعدد كسبهم وتدريبهم وتفعيلهم للمتطوعين .

ومن التطبيقات العملية الخيرية والوقفية المتعلقة بهذه القاعدة :

1-لو استأجرت مؤسسة خيرية أجيراً ولم تسم له أجرة فعليها أن تدفع له أجرة نظيره الذي يقوم بهذا العمل.

2-على المؤسسة الخيرية أو الوقفية تحديد رواتب الموظفين بأجر المثل أي أجر النظير، فيأخذ الذي يعمل محاسب مثلاً  القيمة التي يأخذها نظيره في المؤسسات الشبيهة .

3-وعلى المؤسسات الخيرية أن تتلمس حاجات العاملين معها والاعتناء بهم، وتوفير حياة كريمة لهم؛ لينتجوا في أعمالهم، ولكي لا تتشتت أفكارهم وجهودهم .

4-لو تسبب المحتسب  المتطوع بتفريط منه وإهمال متعمد في خسارة ما للمؤسسة فإنه ضامن، وكذلك من يأخذ راتباً فعليه الضمان إن فرط في أداء عمله .

5-لو قررت مؤسسة خيرية أن تكافئ المتطوعين معها مقابل جهدهم بمكافآت مالية؛ فهذا لا يضر في الاحتساب، فمن رغب منهم أن يتبرع بالمبلغ فهو محسن، ومن أخذه فله ذلك. 

6-ولا يجوز للمؤسسات الخيرية تأخير رواتب الموظفين، بمسوغ الاحتساب؛ فالصرف على الرواتب مقدم على المصارف الأخرى، فالعاملون مقوم أساس لاستمرار عمل المؤسسة .

7-لو تطوع رجلٌ في جهده ووقته وخبرته لمؤسسة خيرية ، وكان اتفاقه مع المؤسسة على ذلك بلا مقابل، فلا يحق له أن يطالب بأجرة، عرفاً وشرعاً.

8-لو تكلف المتطوع بمصاريف لمتطلبات إنجاز الأعمال في المؤسسة الخيرية، وكان صرفه بالمعروف، وقد أعطي التفويض على ذلك، فله حق مطالبة المؤسسة بسدادها له ، وكذلك مصاريف السفر للأعمال الخيرية .

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك