رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: عيسى القدومي 12 نوفمبر، 2012 0 تعليق

العمل التطوعي.. أسسه ومهاراته (8-10) النظرة الضيقة إلى العمل التطوعي

 

العمل التطوعي أسسه ومهاراته، سلسلة مقالات أردت منها إحياء سنة التطوع،  فهو من أنبل الأعمال وأفضلها؛ لما فيه من عظيم الأجر، والنفع والخير للبلاد والعباد، فبه يستقر المجتمع وتحصل المحبة والألفة والوئام بين المسلمين، وتتحقق مواساة أهل العوز والحاجة وإزالة أسباب الأحقاد من الصدور، وفيه نشر الألفة بين الناس، والتعاون على البر والخير بعيداً عن الفردية أو الأنانية أو السلبية.

وحينما نقلب صفحات تاريخنا الإسلامي نجد نماذج رائعة من الأعمال التطوعية التي كان لها الدور الفاعل في التنمية والحضارة، ووفرت الحياة الكريمة لكل إنسان في المجتمع المسلم، وخففت معاناة أهل الحاجة والعوز، ودفعت الطاقات البشرية لتسخر جهودها لمنفعة البلاد والعباد، وهذا ما حثت عليه شريعتنا الغراء، فالعمل التطوعي هو جزء من عقيدة المسلم وحياته اليومية.

ولتبيان الحقائق نقدم سلسلتنا في العمل التطوعي، وستكون حلقتنا الثامنة في موضوع النظرة الضيقة للعمل التطوعي ودوره المجتمعي:

     من أهم المشكلات الرئيسة التي تواجه العمل التطوعي في عالمنا العربي والإسلامي النظرة الضيقة لهذا العمل وحصره في تسلّم أموال الزكاة من المتبرعين وتسليمها للفقراء، وهي نظرة محدودة وضيقة للغاية، فالكثير منهم ينظرون اليوم إلى مؤسسات العمل والمتطوعين فيها، على أنهم مجموعة من الأفراد كبار السن الذين لديهم وقت فراغ يقومون بشغله بمثل هذه الأعمال الطيبة، من غير تأهيل ولا تدريب ولا إدارة لتلك الأنشطة.

     وتلك النظرة للعمل الخيري في المجتمعات العربية سببها الرئيس هو وعي المجتمع القاصر بأهمية العمل التطوعي، وبمقارنة سريعة بين الاهتمام بقطاع العمل الخيري والتطوعي في عالمنا العربي والإسلامي وبين قطاع الأعمال الخيرية والتطوعية في الكثير من الدول الكبرى، نجدها أسرع القطاعات نمواً في اقتصادها وتعمل على دعمه بوصفها شريكاً للقطاع الحكومي والتجاري في عمليات التنمية, فللقطاع التطوعي الخيري عندهم جامعاته ومراكز بحوثه ودراساته ومستشفياته وشركاته الاستثمارية ومدارسه ليقوم بكبح جماح طغيان القطاع الحكومي وسد ثغراته والحد من جشع وطمع القطاع الخاص التجاري «عملية توازن».

     وتقدم تلك الدول الخدمات الإشرافية والإرشادية لتحسين فاعلية المؤسسات الخيرية، وتشجيع التحالفات التي تقوم بها تلك المؤسسات للحصول على فرص جديدة لزيادة تمويل مشاريعها وتخفيض مصاريفها، وتضم رابطة الجامعات غير الربحية حوالي 100 جامعة أمريكية منها تخصصات للعمل غير الربحي وتخصصات في العمل التطوعي الدقيق ، وبلغ عدد المجالس والهيئات الأهلية المستقلة التي تشرف على الأعمال التطوعية في أمريكا ألف هيئة لمساعدة المانحين للمنظمات الخيرية وتوفر لهم المعلومات الكافية التي تمكنهم من تحديد الجهة التطوعية التي تناسب أهدافهم.

     وبقراءة سريعة لواقع البذل التطوعي في دول العالم نجد أن في الولايات المتحدة جمعية خيرية وتطوعية واحدة لكل 200 مواطن أمريكي تقريباً، وفي ألمانيا كل 150 من السكان يحظون بمؤسسة البذل التطوعي، وفي الكيان اليهودي مؤسسة طوعية لكل 125 يهوديا في أرض فلسطين، وما يقارب 40 ألف مؤسسة تطوعية وخيرية ومجتمعية في آخر إحصاء لعام 2008م، بينما في عالمنا العربي في بعض الدول لا تتعدى المؤسسات الخيرية والتطوعية 100-300 مؤسسة في أحسن الأحوال، أي لا تتعدى مؤسسة خيرية وتطوعية – عاملة وفاعلة - لكل 80 ألف مواطن عربي تقريباً.

     فالنظرة الحالية للعمل الخيري لايتعدى كونه عملاً يقوم به أفراد تقدم بهم العمر إلى حد كبير وأنهم يسعون للقيام ببعض أعمال الخير قبل أن يموتوا، هذه الصورة المخجلة آن لها الآن أن تتغير؛ فالجانب الخيري في الإسلام وصل من حيث الموارد المالية وتلبية احتياج حقوق الإنسان إلى أن يكون هو القطاع الأول من قطاعات التنمية الرئيسة الثلاث للدولة (القطاع الحكومي والقطاع الخاص والقطاع الخيري)، وأوقاف المسلمين عبر التاريخ شاهدة على ذلك إذ تعدت حقوق الإنسان لتصل إلى أوقاف خصصت لإيواء وإطعام الحيوانات، وكانت تلك الأوقاف بإيراداتها الوفيرة الداعم الأول للحفاظ على أرض المسلمين وتجهيز الجيوش، والصرف على الثغور، ورعاية المحتاجين والمنكوبين.

     ولا شك أن إدارة العمل التطوعي علم وفن، علم له قواعده وأسسه ومساقاته العلمية وكلياته وتختص بتدريسه جامعات عريقة، تقدم المنح للمؤسسات التطوعية الخيرية، وتمنح الشهادات العلمية في تلك العلوم والتخصصات الخيرية المختلفة، من أجل إتقانه ومعايشة التطور والتقائه مع أحدث النظم والأساليب الإدارية الفاعلة، تقدم المنح الدراسية للمؤسسات التطوعية والخيرية لدعم أفرادها وإداراتها للارتقاء بمستوى الكفاءة الإدارية للقطاع الخيري ومؤسساته، فأصبح العمل التطوعي والخيري علماً يدرس ويطبق ويدرب عليه العاملون، له أصوله وقواعده وضوابطه القانونية والإدارية والمهنية.

     فعلم إدارة المؤسسات التطوعية والخيرية والوقفية له كلياته ومساقاته المتخصصة في العالم الغربي، فغدا علما له قواعده وأسسه ومهاراته وإبداعاته وأساليبه وخطوطه المعتمدة.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك