
الشيخ أحمد المعلم لـ«الفرقان»: الحـوار الوطـني صنع بعناية من قبل أعداء الإسلام.. أقولها بصراحة وغضب من غضب ورضي من رضي
أكد فضيلة الشيخ أحمد المعلم في حواره مع «الفرقان» أن الدعوة الإسلامية في اليمن مزدهرة وتشهد تفاعلا كبيرًا، وأنها تمر بأفضل ما يكون منذ قيام الوحدة، مشيرا إلى دور الدعاة حيث أسسوا معاهد ومؤسسات وجمعيات خيرية لنشر الخيرة والدعوة إلى الله، وفيما يتعلق بمستقبل اليمن السياسي تخوف الشيخ من أن يكون هناك تهميش للإسلاميين في الحوار الوطني بحيث يتم إقصاء الإسلاميين، مؤكدا أن الحوار الوطني صنع بعناية من قبل أعداء الإسلام، فأمريكا وفرنسا والأمم المتحدة هم الذين يمسكون بزمام الأمور في اليمن ولا يريدون الخير لا لليمن ولا لليمنيين ولا للإسلام والمسلمين، مشيرا إلى أنهم يحاولون أن يصنعوا مستقبل اليمن بالرؤية التي يريدونها هم وليس بالرؤية التي يريدها اليمنيون، وعبر الشيخ المعلم عن أمله في أن يتمكن الدعاة إلى الله من تحقيق الإصلاح المرجو بصورة تدريجية رغم وجود العقبات.
- بداية نرجو أن تعطينا تصورا عن واقع الدعوة الإسلامية في اليمن بصفة عامة، وواقع الدعوة السلفية بصفة خاصة، وهل تأثرت هذه الدعوة بالثورة اليمنية؟
- بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد: فإن الدعوة الإسلامية في اليمن ومنذ زمن بعيد وهي مزدهرة وتشهد تفاعلا كبيرًا من الجميع منذ نشأتها، وأصبحت على أفضل ما يكون منذ قيام الوحدة اليمنية؛ حيث وجدت مساحة كبيرة من الحرية، ليس فقط للإسلاميين ولكن لكل من يريد أن يدعو حتى ولو كان يدعو إلى هوى وبدعة، وقد استغل المصلحون هذه المساحة من الحرية فأنشؤوا المؤسسات والجمعيات، ومعاهد شرعية وجامعات وغيرها من منابر الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى، وهنا أريد أن أؤكد على حقيقة وشهادة للتاريخ، فمنذ قيام الوحدة اليمنية لم يكن هناك أي تضييق على الدعوة ولم يكن هناك كتم للأنفاس، ولا تكميم للأفواه، ولا أريد أن يزايد أحد على اليمن؛ لأن أبرز المطالب التي قامت من أجلها الثورات الأخرى هي المطالبة بالحرية، وهذه الحرية أتاحت للدعوة أن تنتشر وأن تنمو وأن تسلك الطريق الذي تريده دون تضييق عليها أو تعرض بالأذى لها واستمرت إلى الآن، فلم يساءل أحد أو يحاكم؛ لأنه عمل كذا أو فعل كذا، فكان الناس بكامل حريتهم سواء في جانب التربية، أو في جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو في جانب نقد الأخطاء سواء في خطب الجمعة أم في الدروس أم عبر صفحات الجرائد، وعبر الإنترنت أو القنوات الفضائية المتوافرة.
صحيح أن الساحة لم تخل للإسلاميين وحدهم، فكل يدعو إلى ما يعتقد وكل يبكي على ليلاه، ولكن بفضل الله الناس بفطرتها السليمة لا تقبل إلا ما توافق مع هذه الفطرة وهي دعوة أهل السنة والجماعة، دعوة الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، والتي تربط الناس بربهم سبحانه وتعالى وبرسوله صلى الله عليه وسلم .
أما فيما يخص الدعوة السلفية فلها امتداد كبير وفصائل متعددة، ومنها جماعة الشيخ مقبل بن هادي عليه رحمة الله، وللأسف فإنهم تفرقوا بعد موته ووقع بعضهم في بعض وكذلك أكثريتهم يصنفوننا من أهل البدع، لكن في الواقع نحن نأسف كل الأسف أن يتفرقوا وأن يضلل بعضهم بعضًا، برغم أننا قد ارتحنا كثيرًا بعد أن شغلوا ببعضهم البعض، بعد أن كانت سهامهم موجهة إلينا فقط، ولكن هذا لا يسعدنا، فالذي يسعدنا أن يهدى الجميع إلى الحق، وأن يسلكوا الصراط المستقيم.
وعمومًا بفضل الله الدعوة السلفية منتشرة ولها مؤسساتها ومدارسها، وعلماؤها وإعلامها، وإن كنا نرجو في الفترة المقبلة أن يكون لدينا قنوات فضائية تتحدث باسم الدعوة السلفية، وهو ما نأمله من أهل الخير لعموم نفعه وقوة تأثيره.
- كيف ترون وضع السلفيين في ظل حكومة عبد ربه منصور هادي، وهل حدث تهميش لهم؟
- بالنسبة لحكومة عبد ربه منصور هادي، هي حكومة ائتلاف وطني نصفها لحزب المؤتمر وحلفائه، الذي كان يرأسه ولا يزال علي عبد الله صالح، والنصف الآخر لأحزاب اللقاء المشترك، التي تضم حزب الحق، وحزب القوى الشعبية الزيدية، والحزب الاشتراكي، والحزب الناصري، وحزب التجمع اليمني للإصلاح، فالإسلاميون إذا نظرنا إلى وجودهم في الحكومة نجد أنهم موجودون، وحزب التجمع له عدد كبير من الوزراء، أما السلفيون فبالفعل ليس لهم وجود في تلك الحكومة، ولم يدعهم أحد للمشاركة فيها، هذا بالنسبة للحكومة، ولكن التخوف أن يظل هذا التهميش في الحوار الوطني بحيث يتم إقصاء الإسلاميين، فالحوار الوطني صنع بعناية من قبل أعداء الإسلام، أقولها بصراحة غضب من غضب ورضي من رضي من يرضى، فأمريكا وفرنسا والأمم المتحدة هم الذين الذين يمسكون بالزمام الآن، وبرغم وجود دول مجلس التعاون الخليجي إلا أن الهيمنة الكاملة والقرار والتحرك في الساحة اليمنية هي للدول الكبرى، وهؤلاء لا يريدون الخير لا لليمن ولا لليمنيين ولا للإسلام والمسلمين، فهم يصنعون مستقبل اليمن بالرؤية التي يريدونها هم وليس بالرؤية التي يريدها اليمنيون، وبدأ الخلل من بداية تشكيل اللجنة الفنية للإعداد للحوار، ولم يأتوا فيها إلا بعبد الوهاب الآنس من التجمع اليمني للإصلاح وبعض المحسوبين على التجمع اليمني للإصلاح، وحدث أخذ وعطاء في هذا الأمر، وشكل على أثر ذلك حزب اتحاد الرشاد السلفي، ثم موضوعات الحوار، وتوجهات الحوار كلها صممت بما يخدم توجهات الأمم المتحدة ومنظماتها المعروفة، من منظمات المرأة ومنظمات حقوق الإنسان، وغيرها من المنظمات التي تريد الإفساد في الأرض، فقد شرطوا أن يشارك في المؤتمر ثلاثون امرأة، ثم شرطوا أن تمثل المرأة ثلثي كل حزب مشارك.
فقلنا لهم: أين نصيب العلماء؟ وأين شيوخ القبائل؟ أين الأكاديميون وأساتذة الجامعات؟ وغيرهم من الشرائح المؤثرة أين هي؟ فصمت الآذان وخرست الألسن عن الجواب! حتى اليهود جعلوا لهم نصيبًا من الحوار وهم لا يتجاوزون 2500 فرد في اليمن، بينما العلماء لم يمثلهم أحد، والهدف من ذلك معروف وهو فرض ما يريدون فرضه بعيدًا عن رقابة العلماء.
- كيف ترون مشروعية مشاركة الإسلاميين في المجالس النيابية؟
- مسألة المشاركة في الانتخابات البرلمانية من قبل العاملين للإسلام مسألة اجتهادية من حيث المشاركة فيها أو اجتنابها، وينطلق فيها الباحث من نظرته للمصلحة والمفسدة المترتبة على تلك المشاركة؛ فهي بذلك تختلف فيها وجهات النظر بناءً على ما يترجح للناظر، كما أنها قد يختلف فيها الحكم من بلد إلى بلد، ومن نظام إلى نظام، ومن وضع الجماعة التي تسأل عن ذلك الحكم.
ولكن اعتبارها اجتهادية يجب أن يسبقه التسليم القطعي بالحقائق التالية:
- أولاً: الإعلان الذي لا لبس فيه أن الحكم لله تعالى وحده لا شريك له، وأن تلك المشاركة إنما هي خطوة في الطريق إلى تحكيم شرع الله وليست إلى إقرار بديل له.
- ثانياً: المعرفة التامة بحقيقة الديمقراطية وأنها نظام كفري طارئ على بلاد المسلمين يجب التخلص منه، ونبذه لدى أول فرصة تتاح للمسلمين.
- ثالثاً: الالتزام التام برفض وإنكار أي قانون أو نظام يصادم شرع الله، ويقضي بخلاف ما أجمع عليه علماء الإسلام؛ إذ الغاية التي من أجلها وقعت المشاركة إنما هي تقريب تحكيم شرع الله؛ فإذا أقر المشارك بما يخالف الشرع فقد أبطل تلك الغاية، ولا معنى لبقائه في ذلك البرلمان حينئذٍ.
- ألا يعد إفساح الساحة أمام التيارات العلمانية تمكيناً لهم من قيادة الأمة؟
- كان الأصل ألا نغفل حتى يتسلط العلمانيون، ثم نهرع بعد ذلك لمزاحمتهم وعدم إفساح المجال لهم.
- وللدعاة مسلكان هنا: فمنهم من يحرم مشاركتهم خصوصاً في القضايا الكبرى مثل البرلمانات وقيادات الدولة؛ حتى لا نضفي الشرعية عليهم وعلى نظامهم، ومنهم من يرى مزاحمتهم والصمود أمامهم، والعمل على تحقيق أي مكسب يمكن من خلاله خدمة الإسلام، وأن ذلك لا يضفي عليهم شرعية ولا يوقع الداعية في تناقض كما يرى الفريق الأول.
وأرى أن أخذ أحد المسلكين بإطلاق خطأ، وإنما الصواب التوسط بينهما فمن استطاع أن يحقق مكسباً، أو يحتل منصباً يكون فيه مؤثراً بزيادة خير، أو تقليل شر دون أن يقدم من التنازل، وأن يستفيد منه الخصوم أكثر مما يستفيد الإسلام والمسلمون فلا حرج عليه، ومن كان لا يتأتى له ذلك إلا بارتكاب مفسدة أعظم فلا يجوز له ذلك، ويجب على من يقبل على هذه الأعمال أن يحذر خداع النفس ونزوعها إلى غايات محبوبة لها، أو مؤدية إلى مصالح شخصية أو حزبية باسم الدين والمصلحة العامة؛ فإن الكثير من الناس من يظن أنه يعمل للإسلام، وهو إنما يعمل لنفسه ويسعى في مصالحه، أو تحقيق هواه أو شهواته.
- إذاً ما الطريقة المثلى لتطبيق شرع الله إن لم تكن عن طريق الوصول إلى الحكومة؟
- إن الطريقة المثلى هي طريقة الرسل، وهي العمل على إصلاح الوضع القائم وتحويله إلى عبادة الله، وإقامة شرعه؛ فإن الرسل لم يأت أحد منهم بالانقلاب على الأوضاع القائمة ابتداءً، وإنما كانوا يتوجهون أولاً إلى رؤوس تلك الأنظمة فيدعونهم إلى الله مع إظهار الدعوة، ونشرها في المجتمع ويحرصون على هداية تلك الرؤوس، حتى إذا لم يعد هناك أمل في هدايتهم بدؤوا بالمفاصلة وبناء القاعدة المسلمة التي عليها يتكئون، وبها يجاهدون، وعلى أكتافها تقوم دولة الإسلام، ومنهم من كان يصل إلى غايته ويتمكن من إقامة أمة مسلمة ونظام مسلم، ومنهم وهم الأغلب من لا يستطيع ذلك فيصبر ويصابر حتى يقضي الله بينه ويبن قومه، وهذه الأمة قد وعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن يبعث الله لها من يجدد لها دينها على رأس كل قرن، ولا شك أن ذلك الوعد صادق وواقع، فعلى العاملين للإسلام أن يعودوا إلى تاريخ التجديد في هذه الأمة، ويستفيدوا منه بسلوك سبيل المجددين والوصول إلى ما وصلوا إليه من تجديد، ولا يمكن أن يجدد الدين بأسلوب وطريقة غير تلك الطريقة التي سلكها المجددون قبلنا، والخلافة الراشدة الموعود بها مستقبلاً ما هي إلا حلقة من حلقات التجديد، ولن تتجاوز المنهج العام له.
- ما أبرز معالم الطرق الصوفية في اليمن؟
- صوفية اليمن المعاصرة كأي صوفية معاصرة في أي بلد من بلدان العالم الإسلامي، تشاركهم في معظم سماتهم، وتعتقد معظم عقائدهم، غير أنها والحق يقال أهون من غيرها من ناحيتين:
- الناحية الأولى: أن أصحابها لا يتظاهرون بما يتظاهر به الآخرون من المجون والتهتك واختلاط الرجال بالنساء والمردان في حلقات ذكرهم ومواضع إقامة طقوسهم بالشكل الذي عليه صوفية بعض البلاد الأخرى، وإن كان يقع شيء من ذلك قديماً أثناء الزيارات الحولية للأولياء غير أنه ليس كما نقرأ عنه لدى غيرهم.
- الناحية الثانية: أن عقيدة وحدة الوجود والحلول والاتحاد لم تكن سمة ظاهرة لهم، وإن كان الباحث قد يجد في كلام بعضهم شيئاً من ذلك غير أن أسا طينهم يحذرون من الاشتغال بذلك وخصوصاً لمن كان مبتدئاً في الطريق.
ولكن ليس هذا عن قناعة ببطلان تلك العقائد وخروجها عن الإسلام وضلال أو كفر أصحابها، بل إنما هي سياسة تربوية يرونها حتى لا ينحرف بسببها المبتدئ من المريدين قبل أن يحكم ما يجب أ ن يحكمه قبل هذه المرتبة.
ومما يدل على ذلك ثناؤهم العاطر على كل أئمة تلك العقائد دون استثناء، بل دفاعهم عنهم وتصريحهم بولايتهم وإمامتهم في الدين، والشواهد على ذلك كثيرة في كتبهم.
أما ما عدا ذلك من عقائد وطقوس عبادية وسلوك فردي وجماعي وولاء وبراء وغير ذلك مما هو موجود لدى جماعات وطرق التصوف المعاصر فكل ذلك موجود لدى صوفية اليمن في الغالب.
- بعضهم يصور أن الخلاف بين أهل السنة والصوفية هو فقط بعض البدع العملية كالموالد والسماع ونحوهما فما رأيكم؟
- إن تصوير بعض دعاة التصوف المعركة بينهم وبين أهل السنة بأنها حول إقامة الموالد وبدع العبادات فقط، مغالطة كبيرة جداً وتدليس على الناس وكلام خارج موضوع النقاش، فأهل السنة يعتبرون مجرد إقامة الموالد لو كانت كما تحدّث عنه المتقدمون قراءة للسيرة النبوية، وتذكيرا بمناقب النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأوراد التابعة للصلوات أو للأذان، ورفع الصوت بالذكر ونحو ذلك، من البدع العملية التي لا تعدو أن تكون مكروهة أو محرمة ليس إلا.
ولكن المعركة الحقيقية هي في العقائد الزائغة والفلسفة الإلحادية أو الوثنية، التي هي أصل تلك البدع وأساسها، فكم لهم من عقائد باطلة في الله وفي الرسول صلى الله عليه وسلم وفي أوليائهم وأقطابهم وفي منهج التلقي ومنهج السير إلى الله، كل تلك الجوانب مبنية عندهم على عقائد منحرفة وبعضها كفرية مجلوبة من غير المصادر الإسلامية، ثم إن من أدخلوها على المسلمين ألبسوها لباس الإسلام، وربطوها بالكتاب والسنة على طريقة التأويل الباطني، ثم إن أتباعهم ومعظمهم محبون للخير محسنون الظن بأولئك الزنادقة، اعتقدوا ذلك، وتوسعوا في جميع الشبهات المؤيدة لتلك العقائد فأعماهم التعصب الأعمى والتقليد المذموم عن التنبه لحقيقة الأمر وأصل تلك العقائد، وربما قسا عليهم بعض معارضيهم من أهل السنة؛ مما أوجد لديهم ردة فعل عنيفة جعلتهم في حالة المدافع المستميت عن أنفسهم وعما يعتقدون أنه حق.
وإلا فإني متفائل غاية التفاؤل بأن أحدهم لو خلي بينه وبين الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة دون أن يشعر أنها حجج خصومه، لفهمها واقتنع بها وسلم بما تدل عليه من الحق.
- يركز بعض رموز الصوفية على أن التصوف هدفه الأساس تربية الذات وجهاد النفس، منافسين في ذلك خطاب الصحوة الإسلامية المعاصرة، متهمين إياها أنها دعوة صدامية لا تحسن التخاطب مع الآخر؟
- إن منهج التصوف الفلسفي الطرقي منذ قرون يركز على مجاهدة النفس حسب زعمهم والتخلي عن الدنيا، ويقصدون بمجاهدة النفس ترويضها وتزكيتها بما ابتدعوه من وسائل تزكية مجلوبة من خارج الإسلام من أمم الشرق والغرب التي اعتنت بالرياضة والمجاهدة حسب أديانها ومللها المختلفة، مع محاولة إظهارها بمظهر إسلامي مقبول، فهم من ذلك المنطلق ينطلقون وحوله يدورون، مع التخلي عن كثير من فرائض الإسلام الكفائية وربما بعض الفرائض العينية، متخلين عن أي إسهامات إيجابية في مجتمعاتهم حتى في كسب معاشهم والسعي لإقامة حياة كريمة ينعم بها المجتمع، فضلاً عن تخليهم عن الفرائض الكبرى مثل الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعلم العلم وتعليمه، وإن ظهر من أفراد منهم خلاف ذلك فإنما هو على وجه الاستثناء وليس على الأصل؛ مما أثار العلماء والمؤرخين ومخالفيهم عليهم، وفي الوقت نفسه أفرح وأطمع الأعداء فيهم، وأكسبهم مودة أولئك الأعداء وتقديرهم؛ لما يحققونه لهم - ولو بغير قصد - من خدمات جليلة في جانب إخضاع الأمة الإسلامية لعدوها وعزوفها عن مقاومته.
وبينما نجد بعض المدافعين عنهم يحاول رفض هذه التهمة وردّها بإبراز بعض النماذج التي كان لها مواقف مشرفة في الجهاد أو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر، حينما كانت الأمة تعد الجهاد فضيلة وميزة قبل الأحداث الأخيرة، إذ بنا نجد معظم رموز التصوف اليوم يعودون إلى الأصل ويحاولون أن يثبتوا لأمم الشرق والغرب المعادية للإسلام وأصوله العظيمة (مثل الجهاد)، أن التصوف يقوم على جهاد النفس وتربية الذات والتخلي عن جهاد الأعداء والإنكار عليهم أو بغضهم، وأن ذلك هو الإسلام الذي يدينون الله به، وهذه هي العلمانية بذاتها كما سبق أن وصفتهم إحدى صحف لندن بقولها: «إن مدرسة علي زين العابدين الجفري – مدرسة التصوف الحضرمي – علمانية».
وأما الشطر الثاني وهو أن الصحوة الإسلامية المعاصرة والدعوة السلفية دعوة صدامية لا تحسن التخاطب مع الآخر وتدعو إلى جهاد ومقاتلة الأعداء فقط، فهذا غير صحيح؛ فإن للصحوة منهجاً متكاملاً ولله الحمد، يوفر لأتباعه تربية الذات وجهاد النفس وإقامة الشريعة وحفظ العقيدة ونشرها والجهاد في سبيلها، فخطاب الصحوة خطاب شامل متكامل، يشمل ما يزعم الصوفية العناية به مع الانضباط بالمنهج الشرعي الصحيح، وزيادة جوانب التربية والتعليم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله وسائر ما تحتاجه الأمة من أمر دينها ودنياها.
- ما الطريقة المثلى في دعوة المتأثرين بالصوفية؟
- الطريقة المثلى لدعوة المتأثرين بالصوفية والمائلين إليهم أن يُدعوا بأسلوب النصيحة الدالة على محبتهم ومحبة الخير لهم مع إنصاف من يحبون، وعدم الجور أو القسوة عليهم، والعمل على كشف عوار عقائدهم وشطحهم من مصادر مقروءة أو مسموعة موثوقة عندهم، ثم التركيز الكبير على دحض شبهاتهم التي يُلبِّسون بها على هؤلاء الأتباع، وكلما استطاع محاورهم أن يأتي بالرد عليهم من كلام الأئمة المتقدمين والمحترمين عند الصوفية وأتباعهم فهو أفضل.
- ما تقييمكم لتعامل مناهج أهل السنة مع الصوفية؟
- للأسف كثير من العاملين للإسلام لم يدركوا التصوف على حقيقته، ولم ينتبهوا لأصله ومنشئه ومصادره وهدف مؤسسيه؛ لذلك فإن تعامل هؤلاء مبني على ظواهر انحرافات الصوفية دون الأصول التي بنيت عليها تلك الظواهر، وبالتالي فإنهم يهوِّنون من خطورة انحرافات الصوفية، وبالعكس فإن بعض من يتصدّى للرد على الصوفية قد تأخذه الحدّة والغيرة فيغلو في الحكم عليهم، ويبالغ في تجريح رموزهم دون تمييز بين من يدعو إلى التصوف عن بصيرة به ومعرفة لأصوله وبين من يدعو إليه تقليداً دون وعي مع محبة الخير، وتقصير الطرفين في تحديد أصل الانحراف وأسبابه وأهداف دعاته الأوائل ومصادره مضر جداً، والواجب هو التعرف على التصوف بصورة عميقة وشاملة، ثم الفصل بين الزهد والعبادة التي كان عليها الرعيل الأول من النساك وبين التصوف الحادث، وترتيب مناهج المتصوفة حسب درجاتها من الانحراف، فلا شك أن للمتصوفة مناهج مختلفة بعضها أكثر إيغالاً في الضلال من بعض، فالحكم على الجميع بحكم واحد ظلم أو مسامحة، والعدل هو إعطاء كل منهج ما يستحقه من حكم أو تعامل معه بما يقتضيه حاله.
لاتوجد تعليقات