
السعادة في السّنّة النّبويّة – الرضا والتوكل وحسن الظن بالله -تعالى
ما زال حديثنا مستمرًا عن السعادة في السنة النبوية، واليوم نتحدث عن العمل والتطوعي وشغل الأوقات بالاهتمامات القيمة والنافعة بوصفه أحد أهم أسباب السعادة التي حثت عليها السنة النبوية، التعامل بإيجابية مع الماضي والحاضر والمستقبل وهو ما يعني الرضا والتوكل وحسن الظن بالله -تعالى.
الإسلام جعل التفاؤل مرتبطا بالثقة بالله والرضا بقضائه، فلن يصيب الإنسان إلا ما كتبه الله، فلا يستبطئ الرزق، ولا يستعجل النجاح ولا يقلق على المستقبل، وقد علّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عباس - رضي الله عنه - كلمات مباركات هي منهج حياة، وهي سعادة وبركة للعبد؛ حيث قال - صلى الله عليه وسلم -: «يَا غُلَامُ، إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ؛ احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ، لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ»، فكلّما كان العبد من الله أقرب كان أسعد وأكثر بركة، وأكثر إيجابية.
الإيمان بالقدر
والإيمان بالقدر يجعل الإنسان قادرا على التحكم في انفعالاته في حالتي الفرح والاكتئاب بطريقة إيجابية، عندما تسيطر على الانسان الانفعالات الإيجابية يظهر مستوىً مرتفع من الإبداع، وعلى المدى البعيد يمكن أن تتطور المرونة النفسية العامة لدى مثل هذا الانسان؛ مما يمكنه من التعامل الإيجابي والمواجهة الإيجابية لأي ضغوط أو منغصات حياتية، وتتضمن دراسة الانفعالات الإيجابية الوعي بالحالة الداخلية للفرد، وكيف يمكن ترجمة هذه الحالة من الوعي الى ردود أفعال وسلوكيات إيجابية.
النظرة الإيجابية للحياة
وتشمل النظرة الإيجابية لحياة الإنسان بكل أبعادها: الماضي والحاضر والمستقبل:
- الانفعالات الإيجابية حول الماضي هي: الرضا والقناعة والإنجاز والفخر والإخلاص والصفاء، والصفح والنسيان.
- الانفعالات الإيجابية حول المستقبل: تتضمن التفاؤل والأمل والإيمان والثقة.
- أما الانفعالات الإيجابية حول الحاضر: فتتضمن البهجة والسكينة والحياة واللذة والانفعال الأكثر أهمية، وهو التدفق، وهي الانفعالات التي يعنيها معظم الناس عندما يتحدثون عادة عن السعادة، وإن كانت السعادة في حقيقتها أكبر من ذلك، وهي تشمل الملذات الحسية والمسرات.
وفي قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجِزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَّرَ اللهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ»، تدريب نفسي على التفكير الإيجابي، وتكوين مناعة نفسية قوية لدى المؤمن.
قوة الشخصية
فالنبي - صلى الله عليه وسلم - امتدح قوة الشخصية، ودعا إلى التقبل والرضا لكل الأمور «وفي كل خير»، والتفاؤل والتوكل على الله -تعالى- «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز»، فيحرص المؤمن على ما ينفعه من ماضيه وحاضره ومستقبله، ويستعين بالله مقدما على العمل والحياة، وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: «فلا تقل لو أني فعلت» فقه كبير وإشارة نفسية دقيقة، فلا ينبغي للإنسان التحسر على ما مضى وفات، بل يطوي صفحة الماضي إلا ما كان فيها من نفع وخير، فإن لو من مداخل الشيطان وهي من مداخل العناء النفسي والقلق والحزن والهم، وينبغي على المتفائل أن يقترب من مشكلاته بأسلوب كيف، وليس بأسلوب لو؛ وذلك من خلال ما يلي:
(1) إدارة الأزمات بمشاعر إيجابية ( التكيّف)
(2) القدرة على الإستمتاع بالحياة
الشخص الذي لديه متعة التلذذ له ميزة على الشخص الذي لا يملكها، فحتى التجارب غير السارة قد تكون نافعة له، والتلذذ يتطلب طاقة أكبر من التي تكفي لعمل الضروري، وهذا بدوره يتطلب أن تعمل الآلة النفسية بنعومة، والتلذذ والاستمتاع في الحياة هو سر السعادة وطيب العيش، وللإنسان ذي الحيوية الملائمة الذي تتوافر لديه القدرة على الاستمتاع، سوق يقهر كل الفواجع، بأن ينبثق بعد كل ضربة اهتمام بالحياة لا يمكن أن يضيق لدرجة تجعل من الخسارة الواحد أمرًا مميتا.
والمؤمن السوي لديه القدرة على الحفاظ على معنوياته عالية على الرغم من تحديات الظروف، فقد ميزه النبي - صلى الله عليه وسلم - لرسوخ إيمانه وقوته فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ»، فالمؤمن لقوة إيمانه لديه القدرة على العيش بهناء، والحصول على الحياة الطيبة التي تعد أحد مظاهر السعادة في الدنيا.
(3) النية الحسنة نحو الآخرين
وإحدى الأسس الرئيسة في التفكير الإيجابي المحبة الإنسانية والنية الحسنة نحو الآخرين، وكم تدهش لما يشيعه الشعور الطيب في قلوب الناس، فكونك إيجابيا معناه كونك ودودا وصريحا، وهذا لا يعني أن تهدر كرامتك، بل يعني أن تقول ما تعتقده وتسعى للحقيقة، وهذا لا يعني أن تكون فظا، ولكن كونك إيجابيا يعني أن تختار بوعي وأن تنظر للجانب المضيء من الأمور أن تحب نفسك وتهتم بمن حولك.
ضرورة التفاعل الإجتماعي
وقد أكد النبي - صلى الله عليه وسلم - ضرورة التفاعل الاجتماعي ومحبة الناس في كثير من الأحاديث، ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم -: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ»، فمحبة الناس ومخالطتهم والتعايش معهم إحدى سمات الشخصية السوية، والمحبة تقود إلى حسن الظن بالآخرين والتعامل الفعال معهم.
ترسيخ الهوية الإيجابية
ويؤكد النبي - صلى الله عليه وسلم - ترسيخ الهوية الإيجابية في أدنى درجاتها، وذلك بحثه أتباعه من المسلمين بأن يكف الواحد منهم شره عن الناس (السلوك السلبي) إذا لم يكن قادرا على عمل الخير لنفسه أو لغيره (السلوك الإيجابي)، فعن عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: «قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ، أَيُّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلُ؟ قَالَ : الْإِيمَانُ بِاللهِ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِهِ، قَالَ : قُلْتُ: أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا، وَأَكْثَرُهَا ثَمَنًا، قَالَ: قُلْتُ : فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ : تُعِينُ صَانِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لِأَخْرَقَ، قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ ضَعُفْتُ عَنْ بَعْضِ الْعَمَلِ؟ قَالَ : تَكُفُّ شَرَّكَ عَنِ النَّاسِ، فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ مِنْكَ عَلَى نَفْسِكَ».
الإنسان هو صانع السعادة
ومن خلال ما ذكرناه يتبيّن أنّ الإنسان هو صانع السعادة لنفسه وأسرته ومجتمعه، فإذا هو صلح واتبع منهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحياة، صلحت أسرته والمجتمع بأكمله، والإنسان صانع لسعادته من خلال تفكيره ومعتقداته وإرادته، ولكن هذا في إطار الإسلام وحدوده والثقة بالله أوّلًا قبل كل شيء، وهو ما جاء في مبحث حسن الظن بالله -تعالى- ومبحث الرضا، فإذا رضي الإنسان بالله ربًّا وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًّا ورسولًا وبالإسلام دينًا، وحقق ذلك قولًا وعمًلا، رزق الرضا والطمأنينة والفرح والحبور، والسكينة والبركة.
لاتوجد تعليقات