
الذكر هو المقصود الأعظم من الحج
الذكر شأنه عظيم، ومنـزلته عالية في الدين؛ فما تقرب المتقربون بمثله، ولا شرعت العبادات إلا لأجله. قال الله -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (البقرة:152)، وقال: {فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} (طـه:14). فما أجلَّ فوائد الذكر! وما أعظم عوائده! وما أشد حاجة العباد إليه! وهذه العبادة العظيمة تظهر غاية الظهور في الحج؛ ذلك أن الذكر هو المقصود الأعظم للحج، فما شرع الطواف بالبيت العتيق، ولا السعي بين الصفا والمروة، ولا رمي الجمار وإراقة الدماء إلا لذكر الله -عز وجل.
قال -تبارك تعالى-: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ(199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُـمْ آبَاءَكُـمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً (200)}. (البقرة:198-200) وقال -عز وجل-: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ}(البقرة: 203).
وقال: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ (28)} (الحج:27-28).
وقال: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ) (الحج:37).
وهكذا يتجلى شأن الذكر في الحج، ويستبين عظم منـزلته ورفيع مكانته.
ثم إن الله -عز وجل- أثنى على الذاكرين له، وأمر بالإكثار من ذكره، لشدة الحاجة إلى الذكر، وعدم استغناء العبد عنه طرفة عين، فأي لحظة خلا فيها العبد عن ذكر الله كانت عليه لا له، وكانت خسارته أعظم مما ربح في غفلته عن الله.
قال -عز وجل-: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ) (الأحزاب:35).
وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنـُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً (41) وَسَبِّحُوهُ بُكـْرَةً وَأَصِيلاً(42)} (الأحزاب:41-42)
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه - قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جُمْدان فقال: «سيروا هذا جمدان، سبق المفرودن» قيل: وما المفردون؟ قال: {الذاكرون الله كثيراً والذاكرات}.
فحري بالحاج أن يعمر وقته بذكر الله -تعالى- وأن يكثر منه في سائر أحواله، سواء كان في طريقه إلى الحج، أم كان في حال إحرامه، أم كان في الطواف، أم السعي، أم كان في عرفة، أم المزدلفة، أم في رمي الجمار، أم كان يسير في شعاب مكة، أم كان في فراشه، أم كان جالساً، أم راكباً، أم خالياً، أم يسير في زحام؛ ليحقق العبودية بإقامة ذكر الله، وليستعين بالذكر على أداء النسك؛ فإن الذكر من أعظم ما يعين على القوة وبعث النشاط.
من الأذكار العظيمة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، فمن قالها في اليوم عشر مرات فكأنما أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، ومن قالها مائة فكأنما أعتق عشرة أنفس، وكتبت له مائة حسنة، وحطت عنه مائة خطيئة، وكانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك.
وأما أعظم الأذكار في الحج فهو التلبية؛ إذ هي عنوان الحج، وشعار الحاج كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «الحجُّ: العج والثج» رواه الترمذي وابن ماجه.
فالعج التكبير والتلبية، والثج الذبح.
ومن الأذكار العظيمة: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ فهي كنـز من كنوز الجنة، ولها تأثير عجيب في حمل الأثقال، ومكابدة الأهوال، ونيل رفيع الأحوال.
- وخلاصة القول: فإن الذكر مقصود العبادة الأعظم، وإن بركاته وفوائده تحصل بالمداومة عليه، والإكثار منه، واستحضار ما يقال فيه، وبالمحافظة على أذكار طرفي النهار، والأذكار المطلقة، والمقيدة، وبالحذر من الابتداع فيه، ومخالفة المشروع.
أعاننا الله على ذكره، وشكره، وحسن عبادته.
لاتوجد تعليقات