رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: د.بسام خضر الشطي 7 يناير، 2014 0 تعليق

الدعوة للوحدة ورأب الصدع

     اجتماع المسلمين وتآلف قلوبهم هو الخيار الوحيد للنصر والتمكين والعزة، وواجب على الجميع العمل الجاد لتحقيق الوحدة الإسلامية والإخوة الإيمانية وبذل كل الجهد لإصلاح ذات البين، وفي هذا استجابة لأمر الله عز وجل: {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} (آل عمران:103)، وقال جل جلاله: {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِي وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ ۚ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } (الأنفال:62-63).

     ولنا عبرة وعظة في التاريخ الإسلامي منذ بزوغ فجره في خير قرونه، فلا تجتمع الكلمة إلا وينصرهم الله عز وجل، وإذا افترقت دبّ النزاع والخلاف والفرقة والعدواة والبغضاء، وتدخل الأعداء يؤيدون الشقاق والخلاف يدعمونه كل الدعم، ولذلك قال تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال:46).

     فأحوال المسلمين لا تسير من خلال ما نراه في سوريا ولبنان والعراق وغيرها من الدول، كل ذلك حدث ويحدث بسبب التشجيع على الخلافات كلها واعطاء مجال أكبر للعدو للدخول طرفا مساندا، وليملي علينا شروطه، ولتستمر موجات الحرب الإعلامية والكلامية والإيثار وإساءة الظن والطعن والتجريح، ويصبح المحرم في عرض أخينا حلالا: { وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} (النمل:24).

     ما أحوجنا اليوم إلى أن تقوم شخصيات حكيمة لها وزنها بوضع حد للتشاحن والتقاطع والتدابر، واستبدال التواد والتحاب والتواصل به؛ حتى تنصلح الأحوال حتى ولو كان ذلك ببطء أو خطوات قليلة، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} (الأنفال:1).

     ويدخل في باب التصالح تحسين الخلق والعفو والتنازل عن نصرة النفس والابتعاد عن التدابر، ويوم أحد لما مُني المسلمون بالهزيمة قال الصحابة رضي الله عنهم: «أنى هذا»؟ أي: من أين أصابنا ما أصابنا وهزمنا؟ أخبرهم الله تعالى: {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} (آل عمران:165). أي حين تنازعتم وعصيتم من بعد ما آراكم ما تحبون، فعودوا على أنفسكم باللوم، واحذروا من الأسباب المهلكة.

     فالجهود لا بد أن تتضافر ولا تكل ولا وتمل، وليعلم الجميع أن خطوات التقارب يبارك فيها ربنا -عز وجل- ويوفق القائمين عليها، ويسددهم ويفتح لهم فتحا مبينا، ولكن من يبدأ وكيف ومتى؟! وعلى أي شيء يكون اجتماع الكلمة ولزوم الجماعة والحذر من الفرقة؟ وإن كان الاختلاف أمرا قدريا كونيا ولكن نبذل السبب لبتر دواعي الخلاف والقطيعة واستئصال شأفتها.

     وروى ابن وهب عن طاووس: أن رجلين اختصما إليه فأكثرا فقال طاووس: اختلفتما وأكثرتما، فقال أحد الرجلين: لذلك خلقنا، فقال طاووس: كذبت، أليس الله يقول: {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿118﴾إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ  وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (هود:118-119).. قال: لم يخلقهم ليختلفوا، ولكن خلقهم للجماعة والرحمة.

     وقال الحسن البصري: الناس مختلفون على أديان شتى إلا من رحم ربك، فمن رحم ربك غير مختلف، فقيل له لذلك خلقهم؟ قال: خلق هؤلاء لجنته، وخلق هؤلاء لناره، وخلق هؤلاء لعذابه، وهؤلاء لرحمته.

     ولقد حذر الله تبارك وتعالى من الفرقة بين المسلمين لأنها باب شر، فقال سبحانه: {ولاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (آل عمران:105)، وقال عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ ۚ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام:159).

     أكثر أسباب الاختلاف بين المسلمين هو القيل والقال، ونقل الكذب والفهم الخطأ، وتحميل الكلام ما لا يحتمل، وإعطاء صكوك البراءة، ولذلك جاء الحديث الذي في صحيح مسلم يحذر من ذلك: «إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا، فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، ويكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال».

     وأيضا في الحديث يقول صلى الله عليه وسلم : «أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يُستحلف، ويشهد الشاهد ولا يُستشهد، ألا لا يخلوَنَّ رجل بامرأة إلا ثالثهما الشيطان، عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد، وهو مع الاثنين أكبر، ومن أراد بحبوحة الجنة فليلزم الجماعة» رواه أحمد.

     وأخطر ما في  الخلاف أن هناك شخصيات لها مصالح وانتفاع من عدم التقارب ويسهل الاختراق من الجواسيس والعملاء والدخلاء والأعداء الذين يفسدون ولا يصلحون، فضلاً عن دخول المال لزيادة الشقاق، ولذلك جاء في الحديث: «المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم، ويرد عليهم أقصاهم وهو يدٌ على من سواهم» رواه أبو داوود.

     الواجب علينا جميعا أن نزن تصرفاتنا بميزان الشرع، وألاّ ندون الأخطاء والمخالفات حتى نعطي الصكوك في الولاء والبراء بل نواجه المخطئ لعل لديه شبهة أو خطأ لا يخرجه من الملة.. قال تعالى: {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (التوبة:102)، وقال ابن تيميه -رحمه الله-: «ولا منافاة بين أن يكون الشخص الواحد يرحم ويحب من وجه، ويبغض ويعذب من وجه آخر».

     ثم قال: «وإن كثيرا ما يجتمع في الفعل الواحد أو في الشخص الواحد الأمران: كالذم والنهي والعقاب قد يتوجه إلى ما تضمنه أحدهما، فلا يغفل عما فيه من النوع الآخر، وقد يمدح الرجل بترك بعض السيئات البدعية الفجورية، ولكن يسلب مع ذلك ما مدح به في غيره على فعل بعض الحسنات السنية، فهذا طريق الموازنة والمعادلة، ومن سلكه كان قائما بالقسط الذي أنزل الله له الميزان» مجموع الفتاوى 10/366.

     والذي يدعو إلى استمرار الاختلافات هو التعصب والتحزب والتفريط في قواعد الدين وأصوله أو التساهل حتى التمييع؛ ولذلك لما ندعو إلى الائتلاف لا نعني الفئات الضالة والمنحرفة عن منهج أهل السنة والجماعة. وأخيرا لا بد من التعاون فيما بين المسلمين، والمحافظة على جماعتهم الشاملة، وائتلافهم ووحدة كلمتهم، والوقوف صفا واحدا أمام عدوهم المشترك.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك