الخطب المنبرية والمواعظ – التكـفـير وضـوابطـه
إصدار متميز للأستاذ في قسم العقيدة بكلية الدعوة وأصول الدين بالجامعة الإسلامية الشيخ إبراهيم ابن عامر الرحيلي من المملكة العربية السعودية قامت بطباعته جمعية إحياء التراث الإسلامي ضمن آخر مكتباتها العلمية. وعنوان هذا الإصدار: (التكفير وضوابطه)، وهذه الطبعة التي أنجزتها الجمعية تعد هي الطبعة الثانية بعد نفاذ الطبعة الأولى وفق ما ذكره المؤلف في مقدمته.
ومما جاء في المقدمة: أن الانحراف في التكفير نشأ منذ وقت مبكر من تاريخ هذه الأمة، وذلك بخروج الخوارج على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه سنة سبع وثلاثين إثر تحكيم الحكمين في موقعة صفين، فأنكروا عليه هذا، وكفروه والحكمين، ومن رضي بالحكمين.
ثم إن عدوى التكفير بغير حق انتقلت من الخوارج إلى بقية الفرق المبتدعة التي خرجت عن السنة كالرافضة والقدرية والجهمية وغيرها من فرق الضلال، حتى أصبح سمة بارزة لعامة الفرق المبتدعة.
ويقول أيضاً: ويعد التكفير بغير دليل ولا مستند شرعي من أخطر البدع وأشدها على الأمة؛ ذلك لاستباحة التكفيريين دماء الأمة وأموالها وأعراضها متقربين بذلك إلى الله، معتقدين في ذلك أعظم الأجر والمثوبة من الله.
ومازالت الأمة في واقعها المعاصر تعاني هذا الانحراف الخطير بسبب انتشار التكفير بغير دليل بين أوساط كثير من أفراد الأمة، ولاسيما الشباب منهم الذين تأثروا بأهل البدع، واعتنقوا أفكارهم، حتى لقد أصبح تكفير الحكام والعاملين تحت ولايتهم شائعاً عند هؤلاء، بل وصل الأمر إلى تكفير العلماء القائمين بأمر الدين علماً وعملاً وفتوى وحسبة، ونصحاً وتوجيهاً لأئمة المسلمين وعامتهم، بل بلغت الفتنة بهؤلاء إلى تكفير سائر المجتمعات الإسلامية المعاصرة من غير استثناء لفرد من أفراد الأمة، وأنه لم يبق في الناس اليوم دين ولا إيمان.
الجهل منشأ الانحراف
ولما كان منشأ هذا الانحراف هو الجهل بحقيقة الدين، وعدم التفقه في أصوله ومبادئه، والابتعاد عما كان عليه سلف الأمة اعتقاداً وسلوكاً، رأيت أن أسهم بالكتابة في موضوع التكفير مبيناً حد الكفر وحقيقته على ضوء الأدلة الشرعية، وموضحاً القواعد والأصول المعتبرة للتكفير عند أهل السنة. لعل الله أن ينفع به – مع غيره من الجهود المبذولة لأهل العلم – في رفع هذه الفتنة عن الأمة.
هذا، ويتضمن الكتاب ما يلي:
مقدمة في بيان أن التكفير من الأحكام الشرعية، وأنه حق لله ورسوله، وبيان خطورة الانحراف فيه، وخطة البحث والمنهج المتبع فيه.
أما التمهيد فيشتمل على مبحثين موجزين، المبحث الأول: لمحة موجزة عن حقيقة الإيمان عند أهل السنة، والثاني في: الفرق المخالفة، وبدء نشأة التكفير بغير دليل وأسبابه.
حقيقة الكفر
ويشتمل الباب الأول، وفيه بيان (حقيقة الكفر وأقسامه وأحكامه) على ثلاثة فصول: الفصل الأول: حول تعريف الكفر وإطلاقاته والفرق بينه وبين الشرك والنفاق، ويشتمل على ثلاث مباحث كتعريف الكفر في اللغة والشرع.
وتفصيل حول إطلاقات الكفر، وما عبر عنه من الألفاظ، ويشتمل على مطلبين: إطلاقات الكفر وبيان إطلاق لفظه على الكفر الأكبر، وإطلاق لفظه على الكفر الأصغر والمعاصي.
وفيه أيضاً بيان ما عبر عنه من الألفاظ في الشرع، ومنها التعبير بلفظ (الشرك)، ولفظ (الظلم)، ولفظ (الفسق).
والمبحث الثالث تناول الفرق بين الكفر والشرك، والفرق بين الكفر والنفاق.
أقسام الكفر وشُعَبِه
وفي ثاني فصول الكتاب تحدث المؤلف عن (أقسام الكفر وشُعَبِه)، وتناول فيه ستة مباحث باعتبار حكمه هل هو كفر أكبر أم أصغر؟ وفي أقسامه باعتبار بواعثه وأسبابه إن كان كفر إنكار وتكذيب، أم كفر جحود، أم كفر عناد واستكبار، أم كفر نفاق، أم كفر إعراض، أم كفر شك.
كذلك باعتبار ما يقوم به من أعضاء البدن سواء كان كفراً قلبياً، أم كفراً قولياً، أم كفراً عملياً.
وتلاه أقسام الكفر باعتبار كونه طارئاً، أو أصلياً، ثم بيان أقسام الكفر باعتبار الإطلاق والتعيين، أي إن كان كفراً مطلقاً، أم معيناً.
ثم أوضح المؤلف بعد ذلك شُعَبَ الكفر، والأدلة عليه؛ حيث بين فيه ما يضاد أصل الإيمان منها، وما يضاد كمال الإيمان الواجب منها.
أما الفصل الثالث فتناول فيه (أحكام الكفر وأهله في الدنيا والآخرة)، وتضمن حكم الكفر الأكبر وأهله في الدنيا، وبيان حكم الكفر الأصلي منها حكم الكتابي وحكم من له شبهة كتاب، وحكم غير الكتابي، وحكم المعاهد وحكم الحربي؛ كذلك حكم المرتد، وما جاء في قتله واستتابته ومعاملته وموارثته.
حقيقة الأمان
ومما جاء في ذلك عن فئة تسمى أهل الأمان، وحقيقة الأمان أن يؤمن مسلم حربياً في دخول بلاد المسلمين، فيقول له: لقد أجرتك أو أمنتك، أو لا بأس عليك، فيكون بهذا من أهل الأمان.
وقد دل على صحة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : «المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم».
ويصح الأمان من كل مسلم بالغ عاقل مختار ذكراً كان أم أنثى، حراً أم عبداً على قول أكثر العلماء.
والمستأمنون على أقسام: رسل وتجار ومستجيرون حتى يعرض عليهم الإسلام والقرآن، فإن شاؤوا دخلوا فيه، وإن شاؤوا رجعوا إلى بلادهم.
وحكمهم ألا يهاجروا ولا يقتلوا ولا تؤخذ منهم الجزية، وأن يعرض على المستجير منهم الإسلام، فإن دخل فيه فذاك، وإن أحب اللحاق بمأمنه ألحق به، ولم يعرض له قبل وصوله إليه. أما (الكفر الأكبر وأهله في الآخرة) بين المؤلف ما جاء في تخليدهم في النار، وفي تفاوتهم في العذاب، ثم بين حكم الكفر الأصغر وأهله في الدنيا وفي الآخرة.
ثم تطرق المؤلف في الباب الثاني إلى (أصول التكفير وضوابطه عند أهل السنة، وعند الفرق المخالفة)، واشتمل على ثلاثة فصول: الأول في وسطية أهل السنة في باب التكفير بين المرجئة والوعيدية، واشتمل على بيان (معتقد الخوارج في مرتكب الكبيرة)، وحكم مرتكبها في الدنيا، وحكمه في الآخرة عندهم، كذلك الأصل الذي بنوا عليه مذهبهم، وموقفهم من نصوص الوعد والوعيد.
ومما جاء نصاً: معتقد أهل السنة في مرتكب الكبيرة في الآخرة أنه تحت مشيئة الله -تعالى- إن شاء عذبه؛ لأنه مستحق للعقاب، وإن شاء عفا عنه برحمته، مع اعتقادهم أن من أهل الكبائر من يدخل النار فيستوفي عقوبته، ثم يدخل الجنة بما معه من أصل الإيمان، فيجتمع في حقه الثواب والعقاب.
وأما موقفهم من الوعد والوعيد فإنهم يؤمنون بالوعد والوعيد، وما جاء في ذلك من النصوص، ولا ينزلون أحكام الوعد والوعيد العامة على المعينين حتى تستوفي الشروط الموجبة لذلك في حق المعين.
المعين لا يكفر
وما تضمنه الكتاب في ذلك: أن المعين لا يكفر بمجرد فعله الكفر إلا بعد أن تتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي موانعه كما هو ظاهر من معاملة النبي صلىالله عليه وسلم للمخطئين.
وقد جاءت أقوال العلماء كذلك مقررة أن المعين لا يكفر إلا بعد قيام الحجة، وأن التكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين حتى تتحقق فيه شروط التكفير وتنتفي فيه موانعه.
ويقول الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: «وبهذا يعلم أن المقالة أو الفعلة قد تكون كفراً، أو فسقاً ولا يلزم من ذلك أن يكون القائم بها كافراً أو فاسقاً، إما لانتفاء شرط التكفير أو التفسيق أو وجود مانع شرعي يمنع منه».
فتبين بهذا أن التكفير المطلق بوصف القول أو الفعل أو الاعتقاد بأنه كفر لا يستلزم تكفير من قام به من المعينين حتى تُستوفى شروط التكفير في حقه.
هذا وقد اجتهد الشيخ المؤلف في إعطاء هذا الموضوع حقه من البحث العلمي المؤصل حسب ما انتهى إليه علمه وفهمه للنصوص الشرعية، وما كان عليه سلف الأمة في هذا الباب، متحرزاً أشد الاحتراز من تقرير مسألة إلا بدليلها الشرعي المبني على فهم السلف والأئمة المحققين من أهل السنة.
لاتوجد تعليقات