رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: وائل رمضان 2 يناير، 2012 0 تعليق

الانتخابات البرلمانية الكويتية بين مسؤولية الناخب في حُسن الاختيار وأمانة الـمرشح في حُسن الأداء

 

أيام قلائل وساعات معدودة ويتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع ليدلوا بشهاداتهم أمام الله عز وجل ابتداء، ثم ليسطروا بأيديهم صفحة جديدة في تاريخ الكويت، فإما أن تكون صفحة بيضاء ناصعة إذا أحسنوا الاختيار وأخلصوا لله فيه، وإما أن تكون صفحة مكررة من صفحات الـماضي الذي امتلأ بالأزمات ووصول بعض من لا يستحق إلى قبة البرلـمان.

ستنفض الانتخابات وقد خسر فيها من خسر وربح فيها من ربح، ولكن الخاسر الحقيقي أو الرابح الحقيقي هو هذا الوطن الذي يقع مستقبله بين مسؤولية الناخب في حُسن  الاختيار، وأمانة الـمرشح في حسن الأداء.

- وبين هذه الـمسؤولية وتلك الأمانة كان هذا التحقيق الذي التقيت فيه بثلة من العلماء والـمختصين لنسترشد بآرائهم وتوجيهاتهم في هذا الشأن المهم، والتقيت بداية بفضيلة الشيخ د.محمد الحمود النجدي رئيس اللجنة العلمية بجمعية إحياء التراث الإسلامي وسألته عن مسألة التصويت وكيف تنظر إليها الشريعة، وهل تدخل هذه الـمسألة في باب الشهادة؟

- لا شك أن مسألة التصويت هي شهادة، وهي تزكية للمرشح بأنه أهل لهذا المنصب، وأهل لهذا العمل أو هذه الوظيفة التي هي من الوظائف المهمة والخطرة، لأنها إشراف على دنيا ودين المسلمين، وعلى أموالهم، وهي مسؤولية لأن الله سبحانه وتعالى يقول في صفات عباد الرحمن: {والذين لا يشهدون الزور }، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم  في الحديث في صفة المنافق أنه «إذا أؤتمن خان»، فالصوت في الحقيقة أمانة، ولا يرضى الإنسان أن يكون صوته لشخص لا يستحقه، لأن هذا تضييع الأمانة التي ذكر الله تبارك وتعالى أنها من أثقل الأمور، كما قال تعالى: {إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا}، والأمر الآخر أنت إذا أعطيت صوتك لشخص فكأنك تقول للناس يا أيها الناس انتخبوا فلانا، فإنه أمين، وهو صادق، وهو صالح لهذا المكان، فلا شك أن هذا واجب عظيم لابد على الإنسان أن يؤديه بأمانة، وأيضًا المؤمن يحب الخير للناس ويشهد لأهل الخير بالفضل حتى يكون من خلاله إصلاح البلاد والعباد.

مواصفات نائب الـمستقبل

- ما الـمواصفات التي لابد من توافرها في الـمرشح حتى يستطيع الناخب من خلالها معرفة أن صوته وشهادته ستكون شهادة حق؟

- أولاً لابد أن يتوافر في هذا الشخص ما ذكر الله سبحانه وتعالى: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، ولابد أن يكون فيه القوة والقدرة على القيام بواجبات هذا المنصب، وأن يكون مؤهلا لهذا المكان، حيث يحتاج هذا المكان إلى نوع من الأهلية ونوع من القدرة على العمل والقول بحيث تكون لديه القدرة على قول الحق، وأن يتكلم بما يعلم من الحق ولاسيما من الكتاب والسنة.

      ثم لابد أن يكون هذا الشخص صالحًا في نفسه، أمينا إذا اؤتمن على شيء، ويكون قادرًا على أن يؤدي هذه الأمانة ولا يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير.

     ويجب ألا يكون الإنسان همه كسب المال على حساب مصلحة أمته فيقدم المصلحة الخاصة على المصلحة العامة فهذا لا شك أن يدل على خطورة هذا المنصب.

الرضوخ لضغوط العرف والعادات

- بعضهم يقول إنني لا أستطيع إعطاء صوتي إلا لابن قبيلتي أو حزبي أو عشيرتي حتى ولو كان غير مؤهل لهذا الـمنصب بحجة أن هذه أعراف وأنه لا يستطيع مخالفتها، فهل يعد هذا عذراً له أمام الله تبارك وتعالى؟

- لا يكون له عذرًا حتى يُجْبَر ويُكْرَه إكراهًا، والإكراه في الشرع له وصفْه بأن يُضْرب الضرب الشديد، أو يُهدَّد بالسجن، أو يُهدَّد بأخذ ماله، بمعنى أن يقع عليه ضرر فادح، أما مجرد أن أخسر مودة فلان، وصحبة فلان، فهذا ليس بعذر، فالله سبحانه وتعالى يقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين}، فالله يأمرنا أن نقوم بالحق ونقوم بشهادة الصدق ولو على أنفسنا وأقربائنا، وهذا هو الواجب وما عليه أهل الإسلام.

ضوابط تولي الـمناصب العامة

- وفي نفس السياق توجهنا إلى الشيخ الدكتور سليمان معرفي بسؤال عن الضوابط التي وضعتها الشريعة لتولي الـمناصب العامة والـمواصفات التي يجب توافرها في نواب مجلس الأمة أو غيرها من الـمناصب التي يكون فيها تحمل للأمانة ويكون فيها إشراف على أموال المسلمين ومصالحهم؟

- أولاً: لا يجوز لأي إنسان من هؤلاء المرشحين أن يتقدم من تلقاء نفسه للترشيح لأن في هذا تزكية للنفس، والله تعالى أمرنا ألا نزكي أنفسنا، والرسول [ نهى أن يُعطىَ الإنسان المسؤولية إذا طلبها أو حرص عليها، ونحن نعرف أن أغلب هؤلاء من طلاب هذه المناصب والحريصين عليها.

     أما إذا تقدم أحد هؤلاء للترشيح فالمسؤولية تقع على الناخبين، والمسؤولية الأولى والكبرى أمام الله عز وجل خاصةً في هذه الأيام تقع على بقية الناس وليس على المرشحين، فليتقوا الله عز وجل في اختيارهم، ويجب أن يكون هذا الاختيار مجرداً من كل هوى، ومجرداً من كل مصلحة، ومجرداً من كل عصبية ومن كل نظرة شخصية، ويكون على أساس قول الله عز وجل: {إن خير من استأجرت القوي الأمين}، والمقصود بالقوي الأمين: القوي في دينه، القوي في مواقفه، فيكون عنده حزم، فيقدم العقل على العاطفة، ويُعرف هذا من خلال سيرته ومعرفته والتعامل معه، وليس لمجرد أنه ابن الحي، أو ابن القبيلة، أو ابن الأسرة، هذا لا يجوز لأن مسائل الحكم تحتاج إلى قوة وعزيمة وحزم، ولا تحتاج إلى عواطف ومجرد أن الشخص خلوق، أو أنه شخص طيب، وأنه يصلي، وأنه دائمًا بالمسجد، هذه تعطي انطباعًا لكنها لا تعد مقاييس في مسألة الحكم.

      وأما الأمانة فهي المحك الرئيس في هذا الأمر، فلابد أن يصوت الإنسان لمن عُرِف عنه الأمانة والصدق، كما كان يعرف عن النبي [ في الجاهلية، فلما دعاهم إلى الإسلام قالوا ما جربنا عليه كذبًا قط، فلابد أن يشتهر بين الناس بهذه الصفة وأن يكون الاختيار على هذا الأساس سواء المرشح أم الناخب.

دور العلماء في توجيه الناخبين

- ما دور العلماء في بيان هذا الحق وما دورهم في توجيه الناخب الوجهة السليمة؟

- الدور المطلوب من أهل العلم والمشايخ والوعاظ وغيرهم، هو حث الناس أن يتجردوا من مسألة الهوى والمصالح الشخصية، ولا شك في أن من العلماء من يقوم بهذا الدور كما يجب، وبعضهم لديه قصور، كما أنه يجب على أهل العلم ألا يستغلوا المنابر التي أعطيت لهم سواء في المسجد، أو من خلال برنامج تلفزيوني، أو عمود في جريدة لتلميع بعض من لا يستحق، لمصلحة شخصية أو لهوى عنده، ونقول إن أكثرية أهل العلم بفضل الله يقوم بالدور المطلوب في بيان هذا الحق.

عواقب نجاح الـمفسدين وغير المؤهلين

- وعن الـمفاسد الـمترتبة على وصول من لا يستحق وغير المؤهل إلى قبة البرلـمان سألنا الدكتور عادل الـمطيرات عن تلك الـمفاسد فقال:

- إن إيصال مرشح غير مؤهل هو من أعظم الخيانة، وهو علامة من علامات قرب يوم القيامة، قال النبي صلى الله عليه وسلم : «إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة» قيل: كيف إضاعتها يا رسول الله؟ قال: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة « رواه البخاري.

      لا شك أنها والله مسؤولية كبرى وأمانة عظمى في عنق الناخب يوم القيامة! إن هذا الصوت الذي سيعطيه للمرشح أمانة وتزكية منه إليه، والله سبحانه وتعالى يقول: {والذين لا يشهدون الزور}، إن الناخب إذا منح صوته لأحد فكأنما يقول: إنه صادق أمين!

       إن على الناخب واجبًا عظيمًا وهو أن يوصل إلى قبة البرلمان الصادق الأمين، يوصل من يستحق الوصول، ومن يتصف بالصدق والأمانة وحب الخير للناس، ومن يشهد له الناس بالخير والفضل وخدمة دينه وأهله وبلده، ومن همه إصلاح العباد والبلاد، ومن يحب الراعي والرعية ويحرص على وحدة البلد وينبذ الفرقة والاختلاف.

خطورة الرشوة ومفاسدها

-  ما خطورة استخدام الرشوة وسيلة للوصول إلى قبة البرلـمان؟ وهل على الناخب إثم في ذلك إن قبل هذه الرشوة؟

-  قال رسولنا الكريم  صلى الله عليه وسلم   « لعن الله الراشي والمرتشي» رواه الترمذي، ولا شك في أن معنى اللعن؟ الطرد والإبعاد من رحمة الله! فهل يوجد مسلم عاقل يرجو لقاء الله تعالى يرضى بأن يكون ملعوناً مطروداً مبعداً من رحمة الله؟! أيرضى أن يكون الشخص نائبًا في البرلمان فيحصل على الجاه والمنصب الدنيوي وهو مطرود من رحمة الله؟! هل يفلح من طرده الله من رحمته؟ خاب وخسر إن لم يتب من هذه المعصية الكبيرة العظيمة، وأظن أن المرشح كذلك لا يرضى أن يقع في كبيرة من كبائر الذنوب ويُطرد من رحمة الله من أجل منصب أو وجاهة، والله سبحانه يقول: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}، فليتذكر موقفه يوم القيامة – إن وصل إلى البرلمان عن طريق الرشوة – ماذا سيقول لربه سبحانه في ذلك اليوم العظيم حينما يكلمه ليس بينه وبينه ترجمان؟ بماذا سيرد حينما يقول له ربه في هذا الموقف العظيم: عبدي لم دفعت الرشوة؟ عبدي لم آثرت الدنيا ونسيت الآخرة؟ عبدي لم حصلت على منصب دون وجه حق؟ بالله عليك أخي المرشح ماذا سيكون جوابك حينئذ؟ أعد لهذا السؤال جوابا!!

الشائعات وسيلة الـمفلسين

- ماذا عن استخدام الشائعات كوسيلة للإضرار بالـمرشحين الـمنافسين؟

- لا شك في أن القيل والقال ونشر الشائعات، وإيقاع العداوة والبغضاء بين المرشحين عن طريق الكذب والغيبة والنميمة، كلها أمور محرمة في الشرع بل من كبائر الذنوب، واقرؤوا معي –بارك الله فيكم– هذه النصوص الشرعية التي تبين حرمة مثل هذه الأمور:

- قال سبحانه: {وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}.

- وقال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ}.

– قال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولايزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا « رواه مسلم.

– وقال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «لا يدخل الجنة قتات» أي نمام، رواه مسلم.

- وقال النبي صلى الله عليه وسلم : «ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء» رواه أحمد.

- و قال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون ولكن في التحريش بينهم» رواه مسلم.

      أبعد هذا البيان من الله ورسوله بيان؟ أما آن للمرشحين أن يتقوا الله سبحانه وتعالى؟ أما آن الأوان أن يتركوا الكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم وإشاعة الفرقة والاختلاف؟

     أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقنا جميعا لطاعته ومرضاته، وأن يجنبنا الزلل في القول والعمل، وأن يحفظ بلدنا من كل مكروه، وأن يجعل بلدنا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الضوابط الشرعية لفضح الـمفسدين

- وعن الضوابط التي وضعتها الشريعة في إظهار فساد الـمفسدين وبيان حالهم حتى يحذر الناس منهم.

-  يقول الشيخ حاي الحاي: بداية لابد من تبيين حال المفسدين وكشف حالهم؛ لأننا إذا ما بينا حالهم بأنهم مرتشون وأنهم مفسدون حتى لا يعم فسادهم، ولكن الشريعة وضعت ضوابط ومعايير لاستخدام هذا الحق والضابط وهو عدم ذكر اسم الشخص من باب قول النبي [: «ما بال أقوام يفعلون كذاك وكذا»، ويكون ذلك من خلال نشر العلم النافع في الصحف والقنوات والمجلات بالتحذير من فعل هؤلاء وبيان تصرفاتهم الفاسدة دون التعرض لهم بأسمائهم، وبيان أنه لابد من وضع الرجل المناسب في المكان المناسب مثل ما فعل النبي  صلى الله عليه وسلم   والخلفاء الراشدون من بعده.

التخويف من طلب الولايات العامة

- وعن الزواجر التي وضعتها الشريعة لطلب الولايات العامة والحرص عليها قال الشيخ ناظم الـمسباح:

- الحمد لله رب العالمين وأشهد ألا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:

     فطلب الولاية مكروه ابتداء في الشريعة؛ لأنها أمانة والأسلم للإنسان ألا يشغل ذمته بها لا سيَّما إذا كان ضعيفاً أو هناك من هو أقوى منه على حملها، وقد خرّج الإمام مسلم في صحيحه، كتاب الإمارة، باب كراهة الإمارة بغير ضرورة حديثا عن أبي ذر رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: «يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها».

      قال الإمام النووي رحمه الله: «هذا الحديث أصلٌ عظيم في اجتناب الولايات ولاسيما لمن كان فيه ضعف عن القيام بوظائف تلك الولاية، وأما الخزي والندامة فهو في حق من لم يكن أهلا لها، أو كان أهلا ولم يعدل فيها فيخزيه الله تعالى يوم القيامة ويفضحه ويندم على ما فرّط، وأما من كان أهلا للولاية وعدلا فيها، فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة». شرح مسلم 11/210

      وقد روى البخاري ومسلم في باب النهي عن طلب الإمارة والحرص عليها عن عبد الرحمن بن سمرة، قال: قال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «يا عبد الرحمن بن سمرة، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أوتيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أوتيتها من غير مسألة أعنت عليها»، وروى البخاري ومسلم أيضا من حديث أبي موسى رضي الله عنه، قال: أقبلت إلى النبي  صلى الله عليه وسلم   ومعي رجلان من الأشعريين، فقلت: ما علمت أنهما يطلبان العمل، فقال: «لن - أو لا - نستعمل على عملنا من أراده».

- وماذا لو علم الـمسلم من نفسه القدرة على أداء حق هذه الولاية وأنه سيقوم بما تقتضيه وخاصةً من إخواننا الذين يكون هدفهم إقامة الدين وتطبيق شرع الله عز وجل ولا يقوم بذلك غيرهم؟

- المسلم إن رأى فسادًا في هذه الولاية المطلوبة، ورأى من نفسه القدرة على إصلاحها فينبغي أن يطلبها حرصا منه على إقامة الدين وتفويت الفرصة على الفاسدين المتربصين بهذه الولاية، كما فعل نبي الله يوسف عليه السلام عند عزيز مصر قال الله عنه: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (يوسف: 54- 55).

      وقد يصل الأمر إلى حد الوجوب إن خشي أن يتقلدها فساق أو مبتدعة مع وجود أهل الفضل والقدرة عليها.

       بل هذه من النصيحة للأمة كما قال النبي  صلى الله عليه وسلم  : «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» رواه مسلم وغيره.

       لكن طلب الولاية يجب أن يتقيد بالضوابط الشرعية، فيجب أن يكون طالبها أهلاً لها، وألا يوجد من هو أفضل منه ممن يرغب بها إن توافرت الضوابط.

- ماذا عن الذين يتحايلون للوصول إلى هذه الـمناصب سواء بالرشوة أم بالكذب وغيره من الوسائل غير المشروعة؟

- لا يجوز بأي حال من الأحوال طلب هذه المناصب بالطرق غير المشروعة، فلا يجوز الظلم ولا الرشوة ولا الكذب ولا شهادة الزور، فإن في هذا كله تحايلا على الدين، وخداعا للمؤمنين، وهذا من أكبر الغش والبغي الذي حذر الله منه وتوعد صاحبه بالعذاب الأليم، قال تعالى: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (الشورى: 42).

      وفي الحديث الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله  صلى الله عليه وسلم  قال: «من غش فليس منا» رواه مسلم وغيره.

      والإنسان الذي يسلك هذه الطرق غير المشروعة ليصل إلى منصب أو ولاية، إنما يقتطع حق غيره من أهل الكفاءة في هذا المنصب، وليس بأهل أن يحمل هذه الأمانة وقد أخذها بالغش والخديعة، وكان ما أكله جرَّاء تقلده لهذا المنصب نوعا من السحت، وأيَّما جسم نبَتَ من سحت فالنار أولى به.

       فليحذر الناس من أمثال هؤلاء، فإن من أعانهم على عملهم هذا شاركهم في الإثم والغش والخديعة للمؤمنين. والله أعلم.

دور الإعلام في التوجيه والإرشاد

-  بلا شك في أن الإعلام له دور كبير في التأثير وفي توجيه الرأي العام، وهذا الدور لو لم يكن كذلك لما لعبه كبار الساسة في الدول الأوربية والأمريكية وغيرها والذين يعدون الإعلام رافدا أساسيا في الحملة الانتخابية التي تؤثر في الرأي العام، ولا شك أن الإعلام يمكن أن يؤدي دورا إيجابيا ودورا سلبيا في هذه المسألة، فيؤثر تأثيراً أساسياً في هذه الحسبة، فكما أنه يكون سببًا في إيصال أناس صالحين، يمكن كذلك أن يوصل لنا عناصر سيئة من خلال التلميع وتزييف الحقائق حولهم، وهذا ما لا نستطيع أن نتجاهله؛ لأن الواقع أثبت لنا ذلك، ولذلك أنا أوصي إخواننا المرشحين بالاهتمام باللعبة الإعلامية لسببين: الأول أنه مؤثر بدرجة كبيرة على رأي الناخب، والأمر الآخر أنهم أصحاب رسالة وعندهم الشيء الذي نحتاج إليه ولا يستطيع أحد غيرهم حمله وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفق الضوابط الشرعية المتفق عليها عند أهل العلم.

- بصفتك مديرًا لقناة الـمعالي ما دور القناة في ترشيد ثقافة الـمجتمع وتوجيهه الوجهة السليمة لاختيار النواب الصالحين وبيان خطورة إيصال من لا يستحق إلى هذا الـمجلس؟

- بالطبع نحن نعمل على وضع خطة عمل لتوجيه الرأي العام من خلال سياسة مناسبة تتوافق مع سياسة القناة، ولاسيما أن القناة تهتم بالجوانب الشرعية والاجتماعية بشكل أكبر، ولكننا سنحاول الدخول في توجيه الرأي العام بتجرد لمصلحة البلد من خلال عدد من الفلاشات التوجيهية التي ستصدرها القناة، فضلاً عن مجموعة من اللقاءات مع مجموعة من المختصين بحيادية تامة، وبذلك نكون قد قمنا مع إخواننا بتوجيه الناخبين ومساعدتهم في اختيار الصالحين وتحذيرهم من المفسدين أصحاب الأجندات الخاصة، وهذا إنما نقوم به من باب المعذرة إلى الله تبارك وتعالى أننا قمنا بالواجب والرسالة التي تحملناها على عاتقنا في بيان الحق للناس جميعًا.

جملة القول

      لابد أن يعي الناخب أن ذمّته الشرعية، وضميره الوطني يفرض عليه اختيار الأصلح للناس، وإلا فإننا نحفر مزالقنا بأيدينا، ونكون كمن نصب الكمين لنفسه، فالبلد بلدنا، والمصالح لنا جميعًا، فيجب أن يميز الناخب بين الغث والسمين، وأن يكون نصب عينيه قبل كل معيار: صلاح المرشح في نفسه، وصلاحه في مجتمعه، وخبرته وتميزه في خدمة الناس ورفقه بهم، قال تعالى {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}.

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك