
الإرشـــاد النفســي للشــباب- خطواته وكيفيته في التصور الإسلامي (4)
التوجيه أو الإرشاد النفسي عملية تتضمن مجموعة من الخدمات التي تقدّم للأفراد لمساعدتهم على فهم أنفسهم، وإدراك مشكلاتهم، والانتفاع بقدراتهم في التغلب على هذه المشكلات، وفي تحقيق أقصى ما يستطيعون الوصول إليه من نمو وتكامل في شخصياتهم، ونحاول في هذا البحث الإجابة عن سؤال: كيف تتم عملية إرشاد الفرد في ظل المنهج الإسلامي؟ واليوم نكمل الحديث عن المحور الثالث وهو الاستعداد النفسي للإرشاد فنقول:
المحور الثالث للتهيئة: ويتمثل في الاستعداد النفسي للاسترشاد، وهذا الجانب يتعلق بصاحب القضية أو المشكلة، وهو الطالب – هنا – والحديث في هذا الموضوع من ألصق الأمور بموضوع الإرشاد؛ فإن صاحب المشكلة هو موضوع الإرشاد ومقصوده، وكما أنه لابد من استعداد الطالب النفسي للتعلم، فإنه لابد من استعداد الطالب للاسترشاد؛ ولهذا جعل بعض المخططين لتعليم القيم والأخلاق مرحلة قبلية لابد من توفرها سَمَّوْها: (الاستقبال)، وهو أول مراحل هذا التعلم؛ إذ إن الاستعداد النفسي والانتباه الاختياري لسماع الإرشاد والنظر فيه أول خطوة، ولا يتم ما بعدها إلا بها، وفي بعض الأحيان يواجه المربون الصعوبات والعقبات في سبيل تحقيق هذا المستوى الضروري للتربية، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}، وقال تعالى: {فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ، وَقَالُواْ قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي ءَاذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ}.
ويتركز اهتمام المرشد في هذه المرحلة التي تمثل نهاية عملية التهيئة وبداية عملية الإرشاد على جلب انتباه الطالب إلى أهمية الإرشاد، وإيجاد الرغبة لديه في الاستقبال والسماع.
الإرشاد
إن عملية الإرشاد هي: «عملية تعليمية، تساعد الفرد على أن يفهم نفسه بالتعرف على الجوانب الكلية المكونة لشخصيته، حتى يتمكن من اتخاذ قراراته بنفسه، وحل مشكلاته بموضوعية مجردة،؛ مما يسهم في نموه الشخصي والاجتماعي والتربوي والمهني» ويتم ذلك خلال علاقة تعاونية بينه وبين المرشد النفسي.
وهذا القالب لعملية الإرشاد الذي يتفق عليه المنظرون للإرشاد النفسي مع اختلاف الصياغة يتفق مع السياق الإسلامي لعلاج الانحرافات والمشكلات النفسية والسلوكية، التي قد يعيشها الفرد المسلم في المجتمع، إلا أن المنطلقات والمحتويات والوسائل تختلف كثيراً أو قليلاً عما هو مطروح في الإرشاد الغربي كما سنرى.
وجهة الإرشاد في المنهج الإسلامي
أما عندما نتكلم عن المنطلقات والمحتويات والوسائل فإننا نجد أن المنهج الإسلامي قد طرح رؤية مستقلة عن النفس البشرية، وحاجاتها وطريقة إشباع تلك الحاجات، وأسس هذا الطرح في النقاط الثلاث التالية، التي يجب أن يعيها المرشد المسلم، ويتعامل على أساس منها:
- الحاجات.
- ضوابط إشباع الحاجات وكيفياته.
- كيفية بناء الشخصية وترقيها (تشكل الشخصية).
الحاجات
إن للإنسان حاجات جسمية ونفسية تجعله يشعر بضرورة إشباعها، وسد مطالبها، وعندما يحول حائل بين الحاجة وبين الإشباع يقع الاضطراب النفسي أو الجسمي أو كلاهما، فالجوع يشير إلى الحاجة للطعام، والإرهاق يشير إلى الحاجة للنوم.
الحاجة إلى الأمن
فالخوف يؤدي إلى الحاجة إلى الأمان، والشعور بالوحدة يؤدي إلى الحاجة للرفقة وهكذا، ومن يمنع شيئاً من هذه الحاجات يقع له الاضطراب؛ فمنع النوم يؤدي إلى انهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الراحة يؤدي إلى انهيار الجسم، وفقد الأمن يؤدي إلى القلق والخوف، وفقد الرفقة يؤدي إلى الاغتراب والوحشة، وتلك تمثل اضطرابات جسمية أو نفسية، وفي منهج الإسلام بيان لحاجات الإنسان النفسية وأهميتها، ومن أهم الحاجات التي أشار إليها القرآن أو السنة الحاجة إلى الأمن والطمأنينة.
قال تعالى: {وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}، ويقول الرسول -صلى الله عليه وسلم -: «من أصبح منكم معافى في جسده، آمنا في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا».
الحاجة إلى الحب
أي حب الآخرين له حسب درجات علاقاتهم به، قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَءُو الدَّارَ وَالإْيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، وكان المهاجرون أحوج ما يكونون إلى هذه المحبة؛ فقد تركوا بلادهم وأموالهم وأهلهم، وأقبلوا على ديار جديدة، وبيئة غريبة، وقد ضمن لهم المنهج الإسلامي هذه المحبة؛ حيث أمد الأنصار -رضي الله عنهم- إخوانهم المهاجرين بما يحتاجون إليه من محبة وقبول وتأييد ومؤازرة، وقال-صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا. أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم».
الحاجة إلى الحرية
والحاجة إلى الحرية إلى التقدير وإلى النجاح وإلى غير ذلك من الحاجات التي يقصد الإسلام إلى إشباعها، ونظرة الإسلام إلى الحاجات أوسع وأدق مما ذكره علماء النفس، سواء من حيث المنطلق أم من حيث الحاجة، ذاتها أم من حيث طريقة إشباعها؛ فالإسلام ينظر إلى تكوين الإنسان على أنه يشتمل على الجسد والروح معاً: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقُ بَشَراً مِّن طِينٍ، فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ}.
فالإنسان قبضة من طين الأرض، تتمثل في حقيقة الجسد: العضلات والأعضاء والأحشاء والأكسجين والحديد والأيدروجين.. إلخ وهو نفخة من روح تتمثل في الجانب الروحي للإنسان: في الوعي والإدراك والعقل والإرادة والعاطفة وفي الخير والبر والإخاء.. إلخ وشواهد ثقلة الجسم كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك: {خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ}، «وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا»، «إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةُ بِالسُّوءِ».
وشواهد سمو الروح كثيرة وهي تمثل اتجاهات في السلوك أيضاً: «قُلْ مَن يُنَجِّيكُم مِّن ظُلُمَاتِ البَرِّ وَالْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً لَّئِنْ أَنجَانَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ، قُلِ اللهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ»، {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً}.
وعلى هذا الأساس الآنف الذكر قامت الحاجات منبعثة من هذا التكوين الفريد. فالحاجات إما أن تنطلق من الروح، أو من الجسد، أو منهما جميعاً ولا فصل بينهما؛ فهو تكوين ممتزج مترابط، ولتميز هذا الأساس جَدَّتْ حاجات لم ينتبه لها علماء النفس، واختلفت حاجات لاختلاف الأساس الذي بنيت عليه، ونشير في العدد القادم إن شاء الله إلى بعضها.
لاتوجد تعليقات