رئيس التحرير

سالم أحمد الناشي
اعداد: اللجنة العلمية في الفرقان 28 مايو، 2025 0 تعليق

أحكام الحج وفضله ومكانته

  •  الحج عبادة تأهيلية وتدريبية للمسلم للتقوي على العبادات  والصبر على الطاعات  واحتساب الأجر والثواب من الله
  •  على الحاج أن يسلك الآداب الإسلامية فلا يؤذي أحدا في قوله ولا في سمعه ولا في بصره ولا في يده ويتجنب مواطن الازدحام ما استطاع إلى ذلك سبيلا وأن يرفق بإخوانه الحجاج وعليه بالسكينة
  •  التقوى لا تكون إلا بتوحيد الله عز وجل وذلك بإفراده سبحانه وتعالى بالعبادة وعدم إشراك أحد مع الله تعالى في عبادته
  •  العمرة سنّة مؤكدة عند جمهور العلماء وبعضهم يرى وجوبها مرة واحدة في العمر
  • ابن باز: الحج فرصة عظيمة يجود الله سبحانه وتعالى فيها على عباده المؤمنين بالمغفرة والرحمة والرضوان والعتق من النار فطوبى لمن كان حجه مبرورًا فلم يرفث ولم يفسق ولم يجادل واستبق الخيرات
  • الأخوة بين المسلمين تظهر بوضوح في الحج فتذوب الفوارق بينهم ويُرى بوضوح التعاون والتآلف والمحبة في أروع صورها
  • من أهم دروس الحج تحقيق التوحيد بعبادة الله تعالى وحده وعدم دعاء غيره سبحانه فإن ذلك يوقع في الشرك الأكبر
  •  الأفضل أن يعلن المسلم التلبية بلسانه اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم فهي شعار الحج ومعناه إجابة دعوة الله تعالى لعباده ويستحب الإكثار من التلبية
  •  حافظوا على الصلوات في جماعة ما استطعتم فإن الصلاة هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين ولا يقبل حج ولا عمل دونها

حجُّ بيت الله -تعالى- هو أحد أركان الإسلام، قال الله -عز وجل-: {وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، (آل عمران:٩٧)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ: شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وإقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ، وصَومِ رمضانَ، وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا»، والحج المبرور فضله عظيم، وثوابه جزيل، وهو الحج الذي توفر فيه الإخلاص والمتابعة، مع اجتناب الرفث والفسوق والجدال، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «... والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة»، وسئل - صلى الله عليه وسلم -: «أيُّ الأعمالِ أفضلُ أو أيُّ الأعمالِ خيرٌ؟ قال إيمانٌ باللهِ ورسوله، قيل ثمَّ أيُّ؟ قال الجهادُ سِنامُ العملِ، قيل ثمَّ أيُّ؟ قال ثمَّ حجٌّ مبرورٌ».

أولاً: الحج دروس وعبر

        إن المتأمل في هذا الركن العظيم من أركان الإسلام وهو ركن الحج- يجد العديد من الدروس والعبر› فالحج تجتمع فيه مختلف أنواع العبادات البدنية والمالية والقلبية، فالشخص يطوف وبسعي ويقف بعرفة، ويبيت بمزدلفة ويرمي الجمار وغير ذلك من أعمال الحج، وينفق الحاج ماله سعيدا من أجل ذلك.

ويمكن استخلاص أبرز تلك الدروس والعبر المستفادة من الحج فيما يلي:

تحقيق تقوى الله -عز وجل-

           فإن المسلم بأدائه هذا الركن العظيم يحقق التقوى التي أمره الله -تعالى- بالتزود منها، بعدما نهى عباده عن فعل المعاصي والآثام، وأمرهم باجتناب الرفث والفسوق والجدال في الحج! فقال -سبحانه وتعالى-: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب} (البقرة:197)، والتقوى لا تكون إلا بتحقيق التوحيد لله -عز وجل-، وذلك بإفراده -سبحانه وتعالى- بالعبادة، وعدم إشراك أحد مع الله -تعالى- في عبادته، كما قال -عز وجل- في الحديث: « أنا أغْنَى الشُّرَكاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ فيه مَعِي غيرِي، تَرَكْتُهُ وشِرْكَهُ»، وهذا يتجلى واضحاً في الحج فإن الحجاج يجيبون ربا واحداً قائلين لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وهذا هو التوحيد، فإن معنى لبيك لا شريك لك لبيك أي: استجابة لك وحدك فإنه لا شريك لك في عبادتك، وهذا درس للمسلمين في كل مكان يوضح وجوب تحقيق التوحيد بعبادة الله -تعالى- وحده، وعدم دعاء غير الله من الأولياء أو الأموات أو غيرهم من المخلوقين؛ فإن ذلك يوقعهم في الشرك الأكبر المخرج من الإسلام.

تحقيق وحدة المسلمين وقوتهم

        فحجاج بيت الله الحرام تختلف بلدانهم ولغاتهم وألوانهم، لكن يجمعهم شيء واحد هو الإسلام، ويظهر ذلك جليا في الحج؛ حيث يبلغ أعدادهم ملايين الأشخاص، وينتقلون من مشعر إلى مشعر في منظر يشعر بالرهبة، ويدل على أن قوة المسلمين في اجتماعهم على كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وفي هذا درس للمسلمين بأهمية الاجتماع ونبذ التفرق والاختلاف؛ فإن الخلاف شرّ والاجتماع خير، وقد أمرنا ربنا -جل وعلا- في كتابه الكريم بالاجتماع فقال -سبحانه-: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا}(ال عمران: 103) وقال -سبحانه-:{ولا تنازعوا  فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين} (الأنفال: 46) .

تعزيز الأخوة الإسلامية

         الأخوة بين المسلمين تَبْرزُ بوضوح في الحج وتذوب الفوارق بينهم، وُيرى بوضوح التعاون والتآلف والمحبة في أروع صورها؛ فنجد القوي يعين الضعيف وربما حمله إن كان يستطيع حمله، ومن يمتلك طعاما يطعم من لا طعام له، وكم هو مبهج ومفرح أن يرى المسلم مجموعات من الشباب والشيب، وهم يستقبلون إخوانهم في مزدلفة، بعد نفورهم من عرفة، ويقدمون لهم الماء والعصير والطعام، وهم يرددون (سبيل يا حاج) ولا يعرف بعضهم بعضًا إلا بأنهم مسلمون! كما قال -عليه الصلاة والسلام-: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر».

التذكير بالموت

        يُحرم المسلم في إزار ورداء، ويسن أن يكونا أبيضين؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «البِسوا من ثيابِكُمُ البياضَ..» صححه الألباني. ويجب عليه قبل الإحرام أن يخلع المخيط، قال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: «المراد بالمخيط ما خيط أو نسج على قدر البدن كله كالقميص، أو نصفه الأعلى كالفنيلة، أو نصفه الأسفل كالسراويل، ويلحق بذلك ما يخاط أو ينسج على قدر اليد كالقفاز أو الرجل كالخف»، فلا يُقصد بالمخيط مجرد الخيط، وإلا فالإزار والرداء أصلا خيط! فعُلم أن المنهي عنه ما خِيط على قدر أعضاء الجسم مثل الأكمام والبنطال وما شابه ذلك، فلا يلبس إلا هذا الرداء وذلك الإزار، ويستحب له الاغتسال والتطيب في بدنه قبل لبس ملابس الإحرام، وهذا يذكر بالميت عند تغسيله وتكفينه؛ فإنه عند موت المسلم يغسل ويطيب ويكفن بكفن، ويستحب أن يكون أبيض كذلك، غير أن ثمة فرق بين الحاج والميت؛ فالحاج يستطيع أن يتوب ويدعو ربه ويتزود من العمل الصالح، وأما الميت فهيهات هيهات! وكذلك الحال بالنسبة لغير الحاج؛ فباب التوبة مفتوح لكل إنسان ما دامت روحه تدب في جسده.

التذكير بيوم القيامة

          إن مسير الحجاج من منى إلى عرفات ومن عرفات إلى مزدلفة ثم إلى منى، وهم يسيرون في وقت واحد وفي اتجاه واحد، يذكر المسلم بيوم القيامة، فلقد شبه الله -تعالى- مسير الناس يوم القيامة بأنهم يسيرون وكأنهم يتجهون إلى علم أو راية فقال -سبحانه-: {يوم يخرجون من الأجداث سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون *خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون} (المعارج :43-44 ) قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله تعالى-: «أي: يقومون من القبور إذا دعاهم الرب -تبارك وتعالى- لموقف الحساب ينهضون سراعًا كأنهم إلى نصب يوفضون، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك: إلى علم يسعون، وقال أبو العالية ويحيى بن كثير: إلى غاية يسعون إليها».

الصبر على طاعة الله

         لكي يؤدي الحاج حجه، فإنه يعرض له الكثير من المشقة والتعب ويواجهه الكثير من الزحام والبقاء مدة طويلة في الانتظار، وهذا يعودّه الصبر على طاعة الله -عز وجل-، ولاسيما والمسلم مأمور بالصبر على طاعة ربه -عز وجل-، وهي أعظم أنواع الصبر الثلاثة، وقد أمر ربنا -تبارك وتعالى- عباده بالصبر فقال: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون} (ال عمران :200) وقال -سبحانه وتعالى- حاثا عباده المؤمنين على الصبر : {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب} (الزمر :10)، وهذا الأمر يدعو كل مسلم إلى الصبر على طاعة الله -تعالى- في كل وقت حتى يفوز بالنعيم المقيم في جنات النعيم.

الاعتياد على الذكر والدعاء

        فإن الله قريب يجيب دعاء السائلين، ولقد بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن فضل الله -تعالى- كبير، وأنه -سبحانه وتعالى- يستجيب دعاء السائلين، ويعتق عباده في يوم عرفة أكثر مما يعتقهم فيما سواه من الأيام!

        قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما مِن يَومٍ أَكْثَرَ مِن أَنْ يُعْتِقَ اللَّهُ فيه عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِن يَومِ عَرَفَةَ، وإنَّه لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بهِمُ المَلَائِكَةَ، فيَقولُ: ما أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟!، ولذلك حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الدعاء خصوصًا في يوم عرفة فقال: «خيرُ الدعاءِ دعاءُ يومِ عرفةَ، وخيرُ ما قلتُ أنا والنبيونَ من قبلي: لا إله إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، له الملكُ وله الحمدُ وهو على كلِّ شيء قديرٍ»، وإن اعتياد الحاج على الدعاء في هذه الأيام يجعله يعتاده فيما بعد، ويشجع غير الحاج على دعاء الكريم -سبحانه- الذي وعد بإجابة الداعين فقال: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون}(البقرة :186).

تكفير الذنوب ودخول الجنة

         وهذا درس عظيم وفائدة جليلة تدل على فضل الكريم -سبحانه-، فأما تكفير الحج للذنوب فلقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: «تابِعوا بيْن الحَجِّ والعُمْرةِ، فإنَّ مُتابَعةً بيْنهما تَنْفي الفَقرَ والذُّنوبَ، كما يَنْفي الكِيرُ خَبَثَ الحديدِ»، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «مَن حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ، ولَمْ يَفْسُقْ، رَجَعَ كَيَومِ ولَدَتْهُ أُمُّهُ»، وأما كون الحج سببا لدخول الجنة؛ فلقول النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم  -: «العُمْرَةُ إلى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِما بيْنَهُمَا، والحَجُّ المَبْرُورُ ليسَ له جَزَاءٌ إلَّا الجَنَّةُ».

ثانيًا: مجمل أعمال الحج

  •  أعمال اليوم الأول وهو يوم الثامن:

1- يغتسل ويتطيب ويلبس ثياب الإحرام، ثم ينوي بقلبه الإحرام بالحج من مكانه، بحسب النسك الذي يريد أداءه، ثم يُهلُّ بالتلبية قائلا :«لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك».

2-  يتوجه إلى منى ويصلي فيها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، كل صلاة في وقتها من غير جمع، ويقصر الرباعية، ويبقى فيها إلى طلوع الشمس في اليوم التاسع.

  •  أعمال اليوم التاسع:

1- يتوجه بعد طلوع الشمس إلى عرفة، ويصلي الظهر والعصر قصرًا وجمع تقديم، وينزل قبل الزوال بنمرة إن تيسر له، ثم يدخل عرفة.

2- يتفرغ بعد الصلاة للذكر والدعاء مستقبلا القبلة، ورافعاً يديه ويبقى بعرفة إلى غروب الشمس.

3- يتوجه بعد غروب الشمس إلى مزدلفة، فيصلي فيها المغرب والعشاء جمعا وقصرا، ويبيت فيها حتى يطلع الفجر.

4-  يصلي الفجر ، ثم يتفرغ للذكر والدعاء حتى يسفر جداً.

5- يتوجه قبل طلوع الشمس إلى منى.

  •  أعمال اليوم العاشر وهو يوم العيد:

1- إذا وصل إلى منى، ذهب إلى جمرة العقبة، فيرميها بسبع حصيات متعاقبات، واحدة بعد الأخرى، يكبر مع كل حصاة.

2-  يذبح هديه إن كان عليه هدي، أو يوكل الحملة عنه.

3-  يحلق رأسه أو يقصره، ويتحلل بذلك التحلل الأول، فيلبس ثيابه ويتطيب، وتحل له جميع محظورات الإحرام سوى معاشرة الزوجة.

4-  ينزل إلى مكة فيطوف بالبيت طواف الإفاضة، وهو طواف الحج، ويسعى بين الصفا والمروة للحج، إن كان متمتعًا، وكذلك إن كان غير متمتع ولم يكن سعى مع طواف القدوم. وبهذا يحل التحلل الثاني، ويحل له جميع محظورات الإحرام حتى معاشرة الزوجة.

5-  يرجع إلى منى فيبيت فيها ليلة الحادي عشر.

  •  أعمال اليوم الحادي عشر:

1- يرمي الجمرات الثلاث، الأولى ثم الوسطى ثم جمرة العقبة، كل واحدة بسبع حصيات متعاقبات يكبر مع كل حصاة، يرميهن بعد الزوال وقد أفتى العلماء بجواز الرمي قبله للضرورة، ويلاحظ الوقوف للدعاء بعد الجمرة الأولى والوسطى أما بعد الجمرة الكبرى، فلا يدعو، بل ينصرف.

2-  يستحب أن يبيت في منى ليلة الثاني عشر.

  •  أعمال اليوم الثاني عشر:

1- يرمي الجمرات الثلاث كما رماهن في اليوم الحادي عشر.

2-  ينفر من منى قبل غروب الشمس إن أراد التعجل، أو يبيت فيها إن أراد التأخر.

  •  أعمال اليوم الثالث عشر:

 وهذا اليوم خاص بمن تأخر ويعمل فيه ما يلي:

1- يرمي الجمرات الثلاث كما سبق في اليومين قبله.

2- ينفر من منى بعد ذلك.

  •  وآخر الأعمال طواف الوداع عند السفر.

نصيحة عامة للحجيج

        قال الشيخ عبدالعزيز ابن باز -رحمه الله-: الحج من الأعمال الفاضلة التي يضاعف الله بها الأجور ويغفر بها الذنوب، وهو فرصة عظيمة يجود الله -سبحانه وتعالى- فيها على عباده المؤمنين بالمغفرة والرحمة والرضوان والعتق من النار، فطوبى لمن كان حجه مبرورًا فلم يرفث ولم يفسق ولم يجادل إلا بالتي هي أحسن، واستبق إلى الخيرات، قال الله -تعالى-: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ} (البقرة:197).

         وبهذه المناسبة الجليلة فإني أوصيكم ونفسي وكل من بلغته هذه النصيحة بتقوى الله -سبحانه وتعالى- في جميع الأحوال، والتعرض دائمًا لنفحاته -سبحانه-؛ فإن لله -تعالى- في أيام دهرنا نفحات، يصيب بها من يشاء من عباده، فلنستبق إلى الخيرات، ولننتهز المناسبات الفاضلة، فنشغلها بطاعة الله -سبحانه وتعالى- والعمل بما يرضيه: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26)، والله -تعالى- يقول: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (المائدة:48)، ويقول -تعالى-: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} (آل عمران:133)، وروى الترمذي -رحمه الله- بإسناد حسن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقرًا منسيًا أو غنى مطغيًا، أو مرضًا مفسدًا، أو هرمًا مفندًا، أو موتًا مجهزًا، أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر؟»

أحسنوا نياتكم وأخلصوا

         وأنتم أيها الإخوة، قد جئتم من بلاد بعيدة، وتركتم الأهل والأوطان تبتغون فضلًا من ربكم ورحمة، فأحسنوا نياتكم وأخلصوا أعمالكم لله ربكم؛ فإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، والله -تعالى- يقول: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء} (البينة:5)، فتحروا سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - فيما تفعلون وفيما تذرون؛ فالله -تعالى- يقول: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر:7).

اجتنبوا البدع في الدين!

         وتجنبوا البدع في الدين، ففي الحديث المتفق على صحته عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد»، وفي رواية لمسلم -رحمه الله-: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد»، وفي صحيح البخاري -رحمه الله- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى! قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى».

اسألوا أهل العلم

          واسألوا أهل العلم فيما تجهلون أو يشكل عليكم من أمور دينكم؛ فالله -تعالى- يقول: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (الأنبياء:7)، وإذا علمتم فاعملوا؛ فالعلم حجة لنا أو علينا، حجة لنا إن عملنا به، وحجة علينا إذا لم نعمل.

حافظوا على الصلوات في جماعة

        وحافظوا على الصلوات في جماعة ما استطعتم؛ فإن الصلاة هي ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، ولا يقبل حج ولا عمل دونها، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة»، وقد رغب النبي -صلى الله عليه وسلم - في أدائها جماعة، وأخبر أنها تزيد عن صلاة المنفرد بدرجات كثيرة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة»، والفذ: الذي يصلي منفردًا، وحذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ترك الجماعة لغير عذر فقد روى البخاري ومسلم -رحمهما الله- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر رجلًا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم»، ولم يرخص رسول الله -صلى الله عليه وسلم - للأعمى الذي يسمع النداء ولا يجد قائدًا يقوده إلى المسجد أن يصلي في بيته! فكيف بغيره، روى مسلم -رحمه الله- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: «أتى النبي -صلى الله عليه وسلم - رجل أعمى فقال: يا رسول الله، ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: هل تسمع النداء إلى الصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب».

مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر

        ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر؛ فإنهما من أهم واجبات الإسلام ومن النصيحة الواجبة في الدين، والمسلمون بخير ما تناصحوا وتواصوا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، قال الله -تعالى-: {وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران:104)، واعلموا أنه لا قيام للدين إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتناصح بالخير والتواصي بالحق وبالصبر؛ فاحرصوا على ذلك، يحفظ الله لكم دينكم ويصلح أعمالكم ويغفر ذنوبكم والله غفور رحيم، وفي بلاد المسلمين الآن -بحمد الله- دعوات للخير بالرجوع إلى الإسلام، والتمسك بالكتاب والسنة، فكونوا من أهلها وأعوانها، فالله -تعالى- يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (المائدة:2).

ترك المستحبات في الحج

       لا شك أن اجتماع أعداد كبيرة من المسلمين في بقعة واحدة ذات المساحة الجغرافية المحدودة، وفي زمان ووقت واحد ينتج عنه الزحام الشديد، الذي يصحبه التدافع بين الحجاج، وعند النظر إلى أماكن وأوقات الازدحام، نجد أن لهذه الأماكن والأوقات سننا ومستحبات شُرع للحجاج الإتيان بها، والاقتداء بسنة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - القائل: «خذوا عني مناسككم»، ومن هنا يقف الحاج بين حبه للاقتداء وفعل كل ما هو مسنون ومستحب، مع ما يلاقيه من عناء ومشقة الزحام، وبين أن يترك فعل هذه المستحبات، وعند النظر إلى مقاصد الشريعة ومراميها العظام نجد أنه كما أن على المسلم أن يتحرى هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في كل مواطن العبادة المختلفة إذا كان في حال تأديته لهذه المستحبات سعة وقدرة، فإن عليه أيضا ألا يمارس أي مستحب  بل ويتعين عليه تركه- إذا ترتب على فعله ترك واجب، أو ارتكاب محظور، ويشهد لهذا المبدأ قواعد شرعية وتأصيلات فقهية ذكرها العلماء، منها على سبيل المثال: قاعدة لا ضرر ولا ضرار، وقاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وقاعدة المشقة تجلب التيسير، وقاعدة مراعاة الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى من مراعاة الفضيلة المتعلقة بزمانها ومكانها، ومن المستحبات التي يمكن تركها: الطواف قرب الكعبة، والرمل في الأشواط الثلاثة الأولى، وتقبيل الحجر الأسود، والصلاة خلف مقام إبراهيم -عليه السلام- فيمكنه أداؤها في أي مكان تيسر له بالحرم.

أنــواع الأنساك

الأنساك ثلاثة: تمتع، وإفراد، وقِران.

  •  التمتع: أن يُحرم بالعمرة وحدها في أشهر الحج، فإذا وصل مكة طاف وسعى للعمرة وحلق أو قصر؛ فإذا كان يوم التروية وهو اليوم الثامن من ذي الحجة أحرم بالحج وحده، وأتى بجميع أفعاله.
  •  الإفراد: أن يحرم بالحج وحده؛ فإذا وصل مكة طاف للقدوم وسعى للحج ولا يحلق ولا يقصر، ولا يحل من إحرامه؛ بل يبقى محرماً حتى يحل من بعد رمي جمرة العقبة يوم العيد، وإن أخر سعي الحج إلى ما بعد طواف الحج فلا بأس.
  •  القِران: أن يحرم بالعمرة والحج جميعاً، أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليهما قبل الشروع في طوافها. وعمل القارن كعمل المفرد سواء، إلا أن القارن عليه هدي، والمفرد لا هدي عليه.

عبادتان عظيمتان

         الحج والعمرة عبادتان عظيمتان في الإسلام، يجتمع فيهما المسلمون في بيت الله الحرام لأداء مناسك تعبّدية تقرّبهم إلى الله وتطهّرهم من الذنوب، والحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب بالإجماع للمستطيع، وأما العمرة فهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء، وبعضهم يرى وجوبها مرة واحدة في العمر، ويشترك الحج والعمرة في كثير من المناسك مثل الإحرام والطواف والسعي والحلق أو التقصير، لكن الحج له وقت محدد وأعمال إضافية كعرفة والمبيت بمنى ورمي الجمرات، أما العمرة فيمكن أداؤها في أي وقت من السنة، وقد حث النبي - صلى الله عليه وسلم - على الجمع بينهما أو متابعتهما، لما فيه من تكفير الذنوب ورفع الدرجات، فقال: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب، كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة».

لاتوجد تعليقات

أضف تعليقك