
أثر دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب(1) 1115هـ – 11206هـ …1703م- 1757م
مضت سنة الله تبارك وتعالى منذ فجر البشرية البعيد في التفريق بين المصلحين والمفسدين، وبين المحقين والمبطلين، وأن أصحاب الباطل مهما تساندوا فيما بينهم ضد الحق، ومهما تألبوا عليه، ووالى بعضهم بعضا ضده، فإنهم مهزومون، وأصحاب الحق هم المنصورون؛ لأن الحق أصيل في تصميم هذا الوجود، وما على المسلمين الموحدين إلا أن يمضوا بيقين جازم، وثقة قوية بوعد الله تعالى ونصره، لا يخامرهم شك، ولا يخالطهم قلق، ولا تتسرب إليهم ريبة، وحين يوقن القلب المؤمن ويستوثق يعرف طريقه فلا يتلجلج ولا يتلعثم ولا يحيد، وعندئذ يبدو له الطريق واضحا، والأفق منيرا، والغاية محدودة، والمنهج مستقيما، ويردد في كل ما يأتي أو يدعو: وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا مسلما وما أنا من المشركين، {إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}.
الدعوة لا يمكن أن يستمد سلطانه إلا من الله عز وجل، ولا يمكن أن يهاب إلا من سلطان الله تبارك وتعالى، فإذا أخلص لربه ولدعوته أيده الله سبحانه وتعالى، وجعل قلوب المخالفين والمعاندين تتوجه إليه بالمودة والرحمة والنصرة، وربما أصبحوا جنودا للدعوة وخدما، وبهذا يعلن الحق قوته وصدقه وثباته وحياته، فيندحر الباطل ويزهق ويتوارى، ومتى استقرت حقيقة الإسلام في دعاته وتمثلت في واقع حياته تجردا لله ومنهجا للحياة، فلن يجعل الله للظالمين على الصالحين سبيلا، وهذه حقيقة لا يحفظ التاريخ الإسلامي كله واقعة واحدة تخالفها، ونحن نقرر في ثقة بوعد الله عز وجل لا يخالجها شك، أن الهزيمة لا تلحق بالمؤمنين، ولم تلحق بهم في تاريخهم كله إلا وهناك ثغرة في حقيقة الإيمان، إما في الشعور، وإما في العمل، وبقدر هذه الثغرة تكون الهزيمة الوقتية ثم يعود النصر، ولو ذهبنا نتتبع كل مرة تخلّف فيها النصر عن المسلمين في تاريخهم لوجدنا شيئا من هذا، فلا بد أن يدافع الموحدون عن التوحيد، وأن يلقوا في سبيله العنت والألم والشدة، وأن يتراوحوا بين النصر حينا والهزيمة حينا آخر، حتى إذا ثبتوا على الحق لم تزعزعهم شدة ولم ترهبهم قوة، ولم يهنوا تحت مطارق الفتن، استحقوا نصر الله عز وجل لأنهم يومئذ أمناء على دين الله عز وجل؛ صالحون لصيانة الهدى الحق والذود عنه.
إن النصر مدخر لمن يستحقونه، ولن يستحقه إلا الذين يصمدون للزلزلة، ولا يحنون رؤوسهم إلا لله رب العالمين، فيهبهم قوة ويصفيهم، ويكسب دعوتهم عمقا وحيوية وإشراقا يتلألأ حتى في أعين أعدائها وخصومها، وعندئذ ينحازون إليها بعدما كانوا يحاربونها، ويناصرونها بعد مناوأة وعداء، وهذا حصل للدعوة الإسلامية التي قام بها الإمام محمد ابن عبدالوهاب -رحمه الله- فاستأسد عليها الثعالب، واستنسر عليها البغاث، وتربص بها وبأصحابها المتربصون، ونكل بالمخلصين من أبنائها، ونالهم كل مكروه باللسان واليد، والدعاة يعلمون أنها ليست أولى المحن التي مرت على المسلمين، مرت على الجزيرة العربية أيام كانت منزوية، تمر مواكب الحياة من أمامها فلا تحس بها ولا تراها، لم يكن لها كلمة ولم يخرج منها دعاة، ولا تملك جامعات، فانظروا مكانتها اليوم بحمد الله عز وجل وتأملوا المسلمين اليوم في جزيرة العروبة، وموطن الإسلام الأول.
إن هذا من بركة الله عز وجل ثم دعوة الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب والأمير محمد بن سعود، وزهدهما في الحياة، فصنع الله تعالى بهما ذلك كله، وبارك الله بتلك الجهود الخيرة، فظهر شباب ناشئون في طاعة الله تعالى، مجاهدون في سبيله تركوا هواهم لطاعة ربهم، وشهواتهم لمرضاته، يؤمون المساجد، ولا تردهم مشاغل الحياة عن طلب العلم ودعوة الناس إلى الخير حتى انتشرت الدعوة الإسلامية الصحيحة في كل مكان، وصار لها دعاة موحدون مخلصون متحمسون، فلقد أذن مؤذن الصحوة الإسلامية متأثرا بدعوة الإمام، وامتد تأثيرها إلى جميع الأمصار، وقامت على أساس مبادئها حركات دينية إصلاحية لا حصر لها ووجهوا ولاءهم الديني والسياسي شطر أمير الدرعية عبدالعزيز بن محمد بن سعود، كما يقول عثمان بن بشر عن ولاء أهل الشام للدعوة الإسلامية: ظهر مع عمال من حلب الشام قاصدين الدرعية ومعهم ست نجائب محملات زكوات بوادي أهل الشام(2).
وزاد الله عز وجل الدعوة نفوذا وقوة وانتشارا حتى وصلت إلى «إندونيسيا» شرقا، وقد نقلها الحجاج الذين تلّقوا العلم في المسجد الحرام، وتأثروا تأثرا عميقا بالدعوة الإسلامية الصحيحة، فلما عادوا إلى بلادهم أخذوا يعلمون الناس التعاليم الإسلامية الصحيحة من الكتاب والسنة، وتخليص الإسلام مما خالطه من الشوائب، وكان له أياد بيضاء في مكافحة الاستعمار، وظهور ثمارها في البلاد العربية والإسلامية، منه:
أولا: بلاد الشام
يقول ابن بشر عن ولاء أهل الشام للدعوة الإسلامية: ظهر عمال من حلب الشام قاصدين الدرعية، ومعهم ست نجائب محملات زكوات بوادي أهل الشام(3)، وقد قامت حركات إصلاحية سلفية تحارب البدع والخرافات أمثال: الشيخ طاهر الجزائري -رحمه الله- الذي قام بدور عظيم، وكان تلميذ جمال الدين القاسمي -رحمه الله- إمام زمانه وعصره، وكان سلفي العقيدة وله من المصنفات حوالي 72 مصنفا.
والشيخ محمد بهجت البيطار، والشيخ عبدالقادر المغربي، والشيخ المجاهد كامل القصاب.
وفي عصرنا الحاضر الشيخ العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- والشيخ محمد مهدي استانبولي وغيرهما، الذين يجاهدون ضد الشركيات والخرافات والبدع.
ثانيا: العراق
في العراق بلاد الفتن والقلاقل، وبعض أهل السنة في العراق الذين تأثروا بأهل البدع يشدون الرحال إلى قبور الصالحين وينشرون البدع والخرافات.
ووسط هذا المستنقع الهائل من الشركيات والبدع والخزعبلات والشعوذة ظهر بريق أمل يتمثل في بعض الصالحين المخلصين لرسالة الإسلام النقية البيضاء التي لا تشوبها شائبة، فوسط هذه الموجة الحمقاء، قامت أسرة عراقية كريمة مجيدة في تصحيح وتنقية الإسلام من الشركيات وعبدة الموتى والقبور والأعتاب، ومن أبرز هؤلاء الذين خاضوا غمار التصحيح هم:
أ- محمود شكري الألوسي
(1273هـ- 1342هـ) (1857م-1924م) صاحب تفسير عظيم جليل «روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، وله «فتح المنان في الرد على أهل البدع في الدين(4).
ب- محمود الألوسي (ت1835م): وله تفسير للقرآن الكريم.
ج- نعمان الألوسي (ت1899م).
هوامش:
(1) لمن أراد المزيد عن حياة الإمام محمد بن عبدالوهاب، فليراجع كتابنا: «دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب سلفية لا وهابية».
(2) عنوان المجد في تاريخ نجد (8126).
(3) انظر: عنوان المجد في تاريخ نجد صـ126.
(4) انظر الأعلام- للزركلي ج8 ص49.
لاتوجد تعليقات